من أوائل المستشرقين الذين درسوا اللهجات في البحرين هو البروفسور Clive Holes، والذي عمل في سلك التعليم في البحرين بمدرسة النعيم الثانوية فيما بين الأعوام (1969م - 1971م)، ثم سافر لإكمال دراسة الماجستير وعاد بعد ذلك إلى البحرين (1977م - 1978م) ضمن عمله الميداني كجزء من دراسته لنيل درجة الدكتوراه وذلك في دراسة اللهجات في البحرين. وحالياً يعمل أستاذاً في جامعة أكسفورد.
ومن بين ما جذب Holes، أثناء دراسة اللهجات في البحرين، الشعر الشعبي الحضري أو البحراني، وهذا الشعر يختلف عن الشعر الشعبي البدوي وخصوصاً في أغراضه وأنواعه؛ فمن بين أنواع الشعر الشعبي الحضري أنواع تعرف باسم شعر المناظرات وشعر المحاورات. وما يجعل هذه الأنواع من الشعر مميزة أنه ليس لها مثيل في الشعر العربي القديم أو الشعر الشعبي البدوي، فهذه الأنواع حصرية على الجماعات الحضرية وخصوصاً في البحرين وشرق الجزيرة العربية وجنوب العراق. وتكمن أهمية هذه الأنواع من القصائد أنه لا يوجد لها مثيل، بحسب دراسات Holes؛ إلا في الأدب الآرامي والأدب الأكدي والأدب السومري.
وقد ترجم Holes عدداً من القصائد لهذه الأنواع والتي أخذها عن كتاب «تنفيه الخاطر» للشيخ محمدعلي الناصري. ومن بين القصائد المترجمة قصيدتين للملا عطية الجمري وهما: مناظرة الغوص ومنابع النفط ومحاورة فار ونوخذة جالبوت. وقد تم التطرق إلى هذه القصائد بصورة مفصلة؛ إذ نشرنا عنها في ملحق فضاءات «الوسط» ثلاثة موضوعات الأول بتاريخ 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2009م والآخر بتاريخ 6 يناير/ كانون الثاني 2011م والثالث في 13 يناير 2011م.
لم يكتف Holes بترجمة هذه القصائد ومناقشتها وتحليلها ونشرها في مجلات عالمية محكمة؛ بل قام بإعداد هذه القصائد كقصص أطفال تدرس في المدارس الناطقة باللغة الإنجليزية للطلاب في الفئة العمرية (10 - 11 عاماً). والجديد في هذا الموضوع هو التقرير المقتضب الذي وصلنا بشأن مدى انتشار هاتين القصيدتين في مدارس المملكة المتحدة؛ إذ يظهر التقرير أن النسخ المترجمة لهاتين القصيدتين لاقت رواجاً منقطع النظير في مدارس المملكة المتحدة ونالت إعجاب الكثيرين من المدرسين والطلبة والمهتمين بهذا النوع من القصص. وبحسب الإحصاءات التي زوّدنا بها Holes بشأن مدى انتشار هذه القصائد والذي استقاها من Google Analytics فإن النسخة المترجمة من قصيدة «محاورة فار ونوخذة جالبوت»، والتي كانت متاحة للمدرسين منذ العام 2010م، قد قام بإنزال موادها التعليمية قرابة 11,000 معلم أي أنها درست لقرابة 330,000 طالب (متوسط عدد طلاب الصف 30 طالباً)، هذا في المملكة المتحدة فقط. وهي بذلك تعتبر الدرس المنفرد الأكثر شعبية بين طلاب هذه الفئة العمرية.
أما فيما يخص النسخة المترجمة لقصيدة «مناظرة الغوص ومنابع النفط» فقد كانت متاحة للمدرسين ليقوموا بتدريسها لطلبتهم منذ العام 2011م، وعلى رغم هذه الفترة الزمنية القصيرة فإن الإحصاءات تشير إلى أن هناك أكثر من 5000 مدرس قام باستخدام هذه القصيدة في تدريسه؛ أي أن هناك قرابة 150,000 طالب قد وصلتهم هذه القصيدة.
وقد نقل Holes في تقريره المقتضب آراء عدد من المدرسين الذين تحدثوا عن مدى استمتاع الطلبة بذلك. وقد وفر Holes في تقريره روابط لمدونات ناقشت هاتين القصيدتين وآراء المدرسين وكذلك صوراً لطلبة قاموا بتمثيل أدوار تلك القصة.
من جهتنا فإننا نتقدم بالشكر الجزيل للبروفسور Clive Holes الذي وثق جزءاً مهماً من تراثنا الشعبي موضحاً في الوقت ذاته مدى امتداد ذلك التراث الضارب في عمق التاريخ بل إن جذوره تصل حتى الثقافة الأكدية والسومرية. وفي عدد من الدراسات التي كتبها Holes عن اللهجات في البحرين والجزيرة العربية فإنه يرى أن اللهجات الحضرية في الجزيرة العربية ومنها اللهجة البحرانية قد تأثرت باللغة الآرامية واللغة الأكدية وذلك واضح من وجود عددٍ من ألفاظ هذه اللهجات يمكن إرجاعها لأصول أكدية وآرامية؛ وعليه فإن من يزعم ألاّ علاقة بين اللغة الأكدية واللهجات الحضرية الحاضرة في عهدنا هذا في الجزيرة العربية، ومنها اللهجة البحرانية، فإنه يجدر به أن يعيد دراسة التاريخ واللغة واللهجات بعقلية منفتحة وبأسلوبٍ علميٍ رصين ونبذ التعصب للغة العربية. إن حضارة دلمون التي يعتقد أنها فُقدت منذ مئات السنين هي حاضرة حتى يومنا هذا متمثلة في تراثنا الشعبي وفي لهجاتنا الحضرية وفي أدبنا الشعبي الحضري وللأسف الشديد فقد أضاعت الأجيال الجديدة كماً كبيراً من ذلك الإرث الثقافي واللغوي والأدبي.
العدد 3547 - الأربعاء 23 مايو 2012م الموافق 02 رجب 1433هـ
ملا عطية رحمه الله
أحب قصادئده الرثائية في آل بيت الرسول ص.