بطولة كأس العالم لكرة القدم هي البطولة الأكبر والأشهر والأكثر شعبية في جميع أنحاء المعمورة اذ تجتذب اهتمام مئات الملايين من الناس الذين يحرصون على متابعة مباريات ومنافسات هذه البطولة.
ولا شك في أن بطولة كأس العالم أوجدت وحدة بين شعوب الأرض على حب تلك الكرة الصغيرة واصبح الملايين من الناس من جميع أرجاء الكرة الارضية ينتظرون هذه الايام التي يشتركون فيها مع بعضهم البعض بلغة واحدة ومشاعر اثارة واحدة بمن فيهم الشعوب التي لم تتأهل منتخباتها لكأس العالم التي تقوم بمتابعة مباريات المونديال بنفس الشغف والحماس.
وبقدر أهمية هذه البطولة العالمية وحرص ملايين الناس على متابعتها والاستمتاع بمبارياتها ومنافساتها التي تقام كل أربع سنوات فان البطولة تحظى بتفاعل كبير من المشجعين والجماهير تصل الى حد التعصب للفرق المشاركة وهو ما يؤدي الى حدوث الكثير من الطرائف والغرائب والقصص والنوادر وأحيانا الاحزان والمآسي والحوادث المؤلمة التي ترتبط بالبطولة.
ففي الوقت الذي تقوم فيه بطولة كأس العالم بادخال السعادة والبهجة والسرور والمتعة قلوب مئات الملايين من عشاق كرة القدم في جميع أنحاء العالم فانها تتسبب أيضا في وقوع الكثير من المآسي التي تصل في بعض الاحيان الى حد ازهاق الارواح وفي أحيان اخرى الى الاصابة بأمراض القلب والشرايين لدى مشجعي ومتابعي مباريات البطولة لاسيما لو خسر أو حتى فاز الفريق الذي يشجعونه أو يتعاطفون معه بشكل مبالغ فيه.
وفي بطولة كاس العالم الثامنة عشرة 2006 التي اقيمت في ألمانيا وانتهت منافساتها أمس وفي الوقت الذي سعدت فيه الملايين بالاهداف الجميلة التي سجلها لاعبون موهوبون من أمثال زيدان ورونالدو وكرسبو وهنري وغيرهم في مباريات المونديال تسببت البطولة أيضا في حدوث مآسي وأحزان خارج الملعب وفي أوساط المشجعين والمتابعين من جمهور الكرة في مناطق مختلفة حول العالم.
ومن هذه الحوادث ما حدث في تايلاند حيث فتح رجل يكره الكرة نار مسدسه في أحد المطاعم الشهيرة بالعاصمة بانكوك على مجموعة من المشجعين لانهم رفضوا التزام الهدوء خلال مباراة ايطاليا وغانا وظلوا يتفاعلون بصخب مع قوة أداء وفن ومهارات وسرعة لاعبي الفريقين.
أما اغرب الضحايا فهو المشجع الاكوادوري الذي انتحر بسبب فوز بلاده في مباراة بكأس العالم ولكن كما يقال في الامثال / اذ عرف السبب بطل العجب / فقد ذكرت شرطة الاكوادور أن هذا المشجع انتحر بعدما خسر رهاناً بقيمة 500 دولار إذ توقع هزيمة منتخب بلاده أمام بولندا في مباراته الافتتاحية في البطولة ولكن الاكوادور حققت فوزا مفاجئا بهدفين نظيفين.
وهذه النتيجة غير المتوقعة التي حققتها الاكوادور على بولندا في بداية البطولة لم يكن من ضحاياها فقط هذا المشجع وانما تسببت في المزيد من الخسائر اذ أسفرت عن وقوع أكثر من 100 حادث تصادم للسيارات في الاكوادور بسبب السرعة الشديدة للجماهير التي خرجت للشوارع للاحتفال بفوز منتخب بلادهم المفاجىء.
ومن الاكوادور التي يوجد من مواطنيها من ينتحرون لفوز بلدهم الى اليابان حيث مشجعو الكرة ربما هم أكثر انتماءً واخلاصاً لفريقهم فقد شنق رجل ياباني يبلغ من العمر 60 عاما نفسه بعدما فشل منتخب بلاده في تحقيق اي فوز في نهائيات كأس العالم. وقالت زوجته ان زوجها توقف عن مشاهدة التلفزيون بعد خروج منتخب اليابان خالي الوفاض من المونديال وفشله في التأهل الى الدور الثاني ما أصابه بالاحباط ودفعه الى الانتحار.
أما في الصين وعلى رغم أن منتخبها لم يتأهل لكأس العالم الا أن أكثر من 12 صينيا لقوا مصرعهم منذ بداية بطولة كأس العالم نتيجة ازمات قلبية بسبب التفاعل مع مباريات المونديال.
ويوم مباراة كوت ديفوار وصربيا لقى مواطن سنغالي يعشق المنتخبات الافريقية مصرعه بعد سقوطه من شجرة كان تسلقها بعد أن تبين له أن بامكانه مشاهدة مباريات المنتخبات الافريقية المشاركة في بطولة كاس العالم من جهاز تلفزيون في شقة مواجهة تماما لاعلى نقطة في الشجرة التي لم تتحمل وزنه الذي ازداد ثقلا مع تفاعله مع المباراة وخصوصاً مع كل هجمة خطيرة كان يشنها الهجوم الايفواري على الدفاع الصربي.
ولم يكن يتخيل أصحاب الشقة وهم من السنغاليين الذين يمتلكون دشا قادرا على التقاط مباريات كأس العالم التي لم يذعها التلفزيون المحلي بسبب تشفير المونديال أن صوت الارتطام الشديد بالارض الذي سمعوه بعد أن أحرزت كوت ديفوار هدفها الثالث وهدف الفوز في مرمى صربيا لم يكن في واقع الامر سوى ارتطام جسم مشجع فقير كان يلف جسمه بعلم كوت ديفوار التي تمثل أفريقيا في كأس العالم وليس صوت انهيار جدار كما تصوروا في بادئ الامر.
وفي فرنسا تحولت أجواء الفرح التي واكبت فوز الفريق الفرنسي في الدور قبل النهائي على البرتغال وصعود فرنسا الى المباراة النهائية الى أجواء من الحزن اذ أثر ارتفاع عدد ضحايا الاحتفالات بهذا الفوز الفرنسي الى خمسة من القتلى على هذه الاجواء المبهجة وألقت هذه الحوادث بظلالها على البلاد.
اولى هذه الحوادث حدثت في احدى محطات مترو الانفاق بالعاصمة باريس عندما لقى مشجع فرنسي شاب يبلغ من العمر 18 عاما حتفه اثناء الاحتفال بفوز فرنسا على البرتغال فمن شدة الفرح والابتهاج لفوز بلاده وصعودها الى المباراة النهائية تسلق هذا الشاب سطح احدى عربات المترو في محطة الاوبرا لكن الفرحة لم تدم طويلا وتحولت الى مأساة عندما سقط من فوق القضيب.
وقتل اثنان اخران أحدهما شاب قفز من أعلى جسر فوق نهر ساوني في ليون تنفيذا لرهان له مع أصدقائه بأنه سيفعل ذلك لو فازت فرنسا على البرتغال.
كما توفي سائق دراجة بخارية يبلغ من العمر 29 عاما وراكبة اخرى كانت معه متأثرين بجروحهما التي تعرضا لها عندما فقد السائق السيطرة على دراجته البخارية واندفع مصطدما بمجموعة من المشجعين وأصيب في هذا الحادث أيضا ستة أشخاص اخرين من بينهم طفلة عمرها 11 عاما.
أما في الصومال وبعد ان انهكت الناس حوادث الحرب بين الفصائل المختلفة المتناحرة على السلطة وجد الكثير من المواطنين الصوماليين في كرة القدم ومشاهدة مباريات كاس العالم ملاذا للترفيه الذي ما لبث أن تحول الى حوادث قتل واراقة دماء فقد لقى شخصان حتفهما لدى قيام مسلحين بفتح النار على احدى دور السينما بوسط مدينة دوسا ماريب حيث كان الناس يشاهدون مباراة ألمانيا وايطاليا في الدور قبل النهائي للمونديال.
ووقع الحادث عندما حاول عدد من المسلحين اغلاق دار السينما التي تذاع فيها المباراة فتوجهوا الى مالك السينما وأمروه باغلاق جهاز التلفزيون ولكنه رفض ما دفعهم الى اطلاق النار عليه في ساقه وصدره فاردوه قتيلا وعلى اثر ذلك تظاهر عدد من المشجعين تعبيرا عن احتجاجهم ضد مقتل مالك السينما وعن غضبهم ازاء منعهم من مشاهدة المباراة وحينئذ قام المسلحون باطلاق النار في الهواء لتفريقهم وعندما فشلوا في ذلك تحولوا الى اطلاق النار ضد المتظاهرين فقتلوا امرأة شابة.
وحالات عشق كرة القدم والتعصب بها الى حد الجنون والانتحار ليست وليدة المونديال الحالي وانما منذ زمن طويل في البطولات السابقة اذ يشار الى انه في نهائي كأس العالم 1950م بين البرازيل والاورجواي التي اقيمت على استاد مكارانا الشهير وحضرها رقم قياسي من الجمهور بلغ مئتا ألف مشاهد تقدمت البرازيل في المباراة بهدف مات على اثره بعض مشجعي فريق الاورجواي بالسكتة القلبية لكن ما لبثت النتيجة ان تغيرت بشكل دراماتيكي وأحرزت الاورجواي هدفين لتقلب النتيجة لصالحها بهدفين مقابل هدف وتنتهي المباراة بهذه النتيجة وتفوز الاورجواي بالبطولة لينتحر الكثير من البرازيليين حزنا على هذه النتيجة وهذه المباراة التي كانت من اغرب نهائيات كأس العالم.
وحتى مدربو كرة القدم لم يسلموا هم أيضا من الضرر من نتائج بطولة كأس العالم 2006 وتداعياتها اذ تأكد حتى الان أن 12 مدربا على الأقل ممن شاركوا في البطولة قد فقدوا وظائفهم أو هم في طريقهم لذلك ومن هؤلاء مدرب المنتخب الايراني برانكو فانكوفس الذي تمت اقالته بعد خروج ايران من الدور الاول وعدم تحقيقها لاي فوز في البطولة وكذلك مدرب اليابان زيكو الذي خسر أيضا وظيفته بسبب هزيمته أمام البرازيل وعدم تحقيق النتائج المطلوبة وريكاردو لا فولب مدرب المكسيك الارجنتيني الأصل لن يجدد عقده بعد تعرضه لهجوم ونقد عنيف بسبب كأس العالم وكذلك لارس لاجيباك مدرب السويد بعد هزيمته أمام المانيا إذ وصفته وسائل الاعلام بالجبان بالاضافة إلى كل من هنري ميشيل مدرب ساحل العاج الذي سينتهي عقده ولن يمدد له ومدرب المنتخب البولندي باول يانس الذي انتهي عقده ولن يجدد له أيضا ومدرب منتخب الصرب ومنتنيجرو الذي تمت اقالته وكذلك الهولندي جوس هدنك مدرب المنتخب الاسترالي ومدرب كوريا الجنوبية ديك افوكات ومدرب بارجواي انيبال روسي ومدرب الولايات المتحدة الامريكية بروسي ارينا ومدرب كوستاريكا الكسندر جوماريوس.
ولمونديال كأس العالم أيضا ضحايا من الجنس اللطيف لكنهن على النقيض لا يحببن بطولة كأس العالم بل يمقتن المونديال بشدة ويتمنين انتهاءها أو الغائها للابد لان المونديال حول حياتهن الى جحيم لا يطاق وتحولت أيام وليالي المونديال الكروية لديهن الى أيام ثقيلة الظل لا تنتهي أبدا تمر كأنها الدهر كله.
وضحية البطولة العالمية الكبرى هي المرأة التي فجأة ومن دون أي مقدمات وجدت مع بدء مباريات كأس العالم ضرة أخرى في حياة زوجها سلبته عقله ووقته وتركيزه واهتمامه يقضي ساعات طويلة معها وتتحول مشاعره عن زوجته واهتماماته ببيته الى الاهتمام بمباريات كاس العالم ومنافساتها.
وكراهية كأس العالم موجودة لدى الكثير من النساء في معظم بلدان العالم وقد عبرت مجموعات نسائية في عدة بلدان وخصوصاً في أوروبا صراحة عن الملل الذي يعايشنه طوال بطولة كأس العالم لانها سرقت منهن أزواجهن وأبناءهن وبرامجهن وقلبت حياتهن اليومية رأسا على عقب.
وقد قامت النساء المتذمرات من بطولة كأس العالم بانشاء موقع لهن على شبكة الانترنت تحت اسم: )نادي أرامل كأس العالم( وفي هذا الموقع عبرت النساء عن بغضهن وكراهيتهن ومعارضتهن لبطولة كأس العالم نتيجة الضجر الذي يلازمهن والشكوى من الازواج الذين يلازمون شاشات التلفاز خلال البطولة منتظرين من زوجاتهم فقط تقديم المشروبات والشطائر
العدد 1404 - الإثنين 10 يوليو 2006م الموافق 13 جمادى الآخرة 1427هـ