حفلت نهائيات كأس العالم الثامنة عشرة لكرة القدم التي استضافتها ألمانيا بالكثير من المحطات التي يجدر التوقف عندها، لكنها فرضت من دون شك أفضلية الكرة الأوروبية على نظيرتها الأميركية الجنوبية وأكدت أن التنظيم الدفاعي بات انجح الوسائل لإحراز اللقب.
شهر كامل من المنافسات بين أفضل منتخبات العالم من جميع القارات سبقته معسكرات اللمسات الأخيرة ومباريات ودية وصل معها عشاق اللعبة إلى درجة من الإشباع الكروي، وباتوا كما اللاعبين بحاجة إلى فرصة لالتقاط أنفاسهم قبل أن تطرق أبواب البطولات المحلية وخصوصا الأوروبية منها إيذانا بالعودة إلى ساحة المعركة مجددا.
منتخبات خيبت الآمال لأنها لم تقدم مستوياتها المعهودة فخرجت مبكرا وصدمت مناصريها، وأخرى لعبت بشكل رائع في الدور الأول وعاندها الحظ لاحقا فودعت وكانت الصدمة اكبر، ومنتخبات تراجعت عما قدمته في النسخة الماضية وخصوصا على الصعيد الآسيوي، ومنتخبات فشلت في تلميع صورتها.
وهناك منتخبات تعرضت إلى كثير من الانتقادات في الدور الأول لان عروضها كانت من الأسوأ في البطولة، فلم يتوقع لها احد الذهاب بعيدا لكنها خالفت ذلك وحجزت أماكنها في ادوار متقدمة، ومنها المنتخبان اللذان خاضا المباراة النهائية في برلين.
والإحصاءات تشير بوضوح إلى تواضع معدل تسجيل الأهداف في البطولة إذ شهدت ثاني أدنى معدل من الأهداف في المباراة الواحدة (2.29) بعد مونديال 1990 في ايطاليا (2.21).
وحتى ان هداف البطولة الألماني ميروسلاف كلوزه اكتفى بخمسة أهداف فقط، وهو ثاني أدنى معدل في تاريخ كأس العالم بعد مونديالي 1934 في ايطاليا و1962 في تشيلي وتقاسم في كل من النسختين لقب الهداف أكثر من لاعب برصيد أربعة أهداف لكل منهم.
منتخبات غير مقنعة
صدمتان طبعتا نهائيات مونديال ألمانيا، الأولى تمثلت بخروج الأرجنتين من ربع النهائي أمام الدولة المضيفة، والثانية بفقدان البرازيل لقبها بخسارتها أمام فرنسا مجددا في الدور ذاته.
أمتعت الأرجنتين الجميع في الدور الأول وخصوصا في مباراتها مع صربيا ومونتينيغرو حين دكت شباكها بستة أهداف نظيفة كان أروعها هدف استيبان كامبياسو الذي شهد 24 تمريرة حضر على إثرها المهاجم هرنان كريسبو كرة بكعبه إلى كامبياسو فأكملها في الشباك.
وكانت فعالة أيضا أمام ساحل العاج في مباراتها الأولى، هجوما بتسجيلها هدفين، ودفاعا بصدها هجمات الأفارقة السريعة، وجاءت مباراة القمة ضد هولندا التي شارك فيها عدد من اللاعبين الاحتياطيين لتؤكد علو كعب الأرجنتينيين.
وليس بعيدا عن الصدمة الأرجنتينية، فان الحلم البرازيلي تبخر أيضا في ربع النهائي بالخسارة أمام فرنسا صفر/1 بعد أداء متواضع ومنتخب مفكك عجز سحرته عن تشكيل ضغط ملائم لهز شباك الحارس فابيان بارتيز الذي كان احتفل مع زملائه العام 1998 بالفوز عليهم بثلاثة أهداف نظيفة في المباراة النهائية.
ولا يقتصر إخفاق البرازيليين عند العقدة الفرنسية التي باتت ماثلة أمامهم في نهائيات كأس العالم (3 هزائم أعوام 1986 و1998 و2006)، بل إنهم زحفوا إلى ربع النهائي من دون إقناع على الإطلاق، ولم يقدموا ما يذكر بمستواهم أو إمكاناتهم إلا القليل ضد اليابان في الدور الأول (1/4)، بينما كان فوزهم على كرواتيا 1/صفر واستراليا 2/صفر غير مقنع. وحتى في الدور الثاني، وعلى رغم النتيجة المريحة على غانا 3/صفر، فان منتخب البرازيل (حامل الرقم القياسي بخمسة ألقاب) لم يقدم مستوى يرفع من حظوظه في إحراز اللقب.
وبدا لافتا غياب خطورة صانع العاب برشلونة الاسباني رونالدينهو الحاصل على جائزة أفضل لاعب في العالم في النسختين الأخيرتين، فكان أشبه بظل اللاعب الذي قاد فريقه إلى لقب بطل الدوري الاسباني وبطل دوري أبطال أوروبا هذا الموسم، فذهبت أحلامه بالتالي أدراج الرياح عندما أعلن انه «في حال إحرازه مع المنتخب كأس العالم سينهي عاما رائعا لا يمكن تكراره بسهولة».
ولا يتحمل رونالدينهو وحده تبعات الخروج، فكاكا وادريانو ورونالدو أيضا لم يظهروا بمستوياتهم، الأول لعب جيدا في المباراة الأولى فقط، والثاني فقد قدرته على المشاكسة والتسجيل، والثالث كان غير جاهز تماما للمشاركة بعد ان غاب نحو شهرين عن الملاعب بسبب الإصابة ولم تسمح له لياقته البدنية بخوض أكثر من سبعين دقيقة في المباريات الأولى.
وما يشفع لرونالدو انه سجل ثلاثة أهداف وانتزع الرقم القياسي لعدد الأهداف المسجلة في النهائيات من الألماني غيرد مولر (15 للبرازيلي مقابل 14 للألماني).
إسبانيا تمتع وتخرج
أمتعت اسبانيا في مباراتيها الأوليين عندما دكت مرمى أوكرانيا بأربعة أهداف نظيفة وحولت تأخرها أمام تونس إلى فوز 1/3 قبل أن يمنح مدربها لويس اراغونيس الفرصة للاحتياطيين لخوض المباراة الثالثة ضد السعودية التي انتهت بفوز ثالث أيضا بهدف يتيم.
وارتفعت أسهم اسبانيا بشكل كبير لإحراز اللقب بعد ان قدم لاعبوها جملا تكتيكية جميلة أبرزت إمكاناتهم وخصوصا المهاجم فرناندو توريس الذي بدأ بقوة بتسجيله ثلاثة أهداف قبل أن يصوم عن التهديف بعدها. وكان قدر اسبانيا مواجهة فرنسا في الدور الثاني، وعلى الورق كانت الأفضلية لها لان الأخيرة لم تقنع أبدا في الدور الأول وانتظرت حتى المباراة الأخيرة لتحجز بطاقتها إلى ثمن النهائي، إلا أن الواقع الكروي فرض نفسه وتوقف مشوار اسبانيا مبكرا فتبخرت الأحلام بإحراز اللقب الأول في تاريخها.
المنتخب الهولندي يدخل جميع البطولات التي يشارك فيها مرشحا للعب دور فيها لكنه هذه المرة كان عاديا وافتقد سره المتمثل بالكرة الشاملة التي يغلب عليها الطابع الهجومي، فحاول المدرب والنجم السابق ماركو فان باستن الاستمرار حتى الأدوار المتقدمة لكن النهاية كانت سريعة وتحديدا في الدور الثاني بخسارة أمام البرتغال صفر/1 في مباراة شهدت حوادث مثيرة وطرد لاعبين من كل منتخب.
المكسيك قدمت كرة قدم جميلة أيضا لكن لاعبيها افتقدوا الخبرة المطلوبة في المضي قدما إلى الأدوار النهائية فاكتفوا ببلوغ الدور الثاني قبل أن يخسروا أمام الأرجنتين 2/1 بعد التمديد.
آسيا فقدت انطلاقتها
فقدت الكرة الآسيوية انطلاقتها القوية التي شهدتها نهائيات النسخة الماضية العام 2002 حين بلغت اليابان الدور الثاني للمرة الأولى في تاريخها، وكوريا الجنوبية نصف النهائي في أهم انجاز آسيوي حتى الآن قبل أن تحل رابعة بخسارتها أمام تركيا.
وفشلت المنتخبات الأربعة التي تأهلت عبر التصفيات الآسيوية وهي فضلا عن اليابان وكوريا الجنوبية، السعودية وإيران، في اجتياز عتبة الدور الأول، مع ان كوريا كانت الأقرب إلى حجز إحدى بطاقات القارة الصفراء إلى ثمن النهائي قبل خسارتها أمام سويسرا صفر/2 في الجولة الأخيرة. وكان كل من منتخبي اليابان وكوريا بالذات يريد التأكيد على أن ما حققه في النهائيات الماضية على أرضه لم يكن صدفة، فجاء مونديال ألمانيا ليكشف تواضع المنتخبات وحاجة لاعبيها إلى مزيد من الخبرة. كما ان النتائج التي حققها المنتخب السعودي (تعادل مع تونس 2/2 وخسر أمام أوكرانيا صفر/4 واسبانيا صفر/1) فتحت الأبواب أمام بحث مسألة الاحتراف نظرا لفارق الإمكانات بين اللاعبين السعوديين ولاعبي المنتخبات الأخرى.
وحدها استراليا التي تأهلت على حساب الاوروغواي بعد الملحق الأميركي الجنوبي الاوقياني، والتي ستخوض التصفيات المقبلة في القارة الآسيوية بعد انضمامها إليها، بلغت الدور الثاني قبل أن تخسر بصعوبة بالغة أمام ايطاليا صفر/1 في الوقت بدل الضائع.
مواهب بحاجة إلى تنظيم
لم تغب المواهب الإفريقية كالعادة عن نهائيات المونديال لكن معظمها كان يشارك في هذا المحفل العالمي للمرة الأولى في مسيرته وافتقد الخبرة المطلوبة في التعامل مع مباريات بهذا المستوى.
وعلى رغم تأهل منتخبات غانا وساحل العاج وتوغو وانغولا إلى النهائيات للمرة الأولى، فإنها قدمت عروضا أحرجت فيها منافسيها في كثير من الأحيان
العدد 1404 - الإثنين 10 يوليو 2006م الموافق 13 جمادى الآخرة 1427هـ