العدد 1405 - الثلثاء 11 يوليو 2006م الموافق 14 جمادى الآخرة 1427هـ

مونديال ألمانيا 2006 رد الاعتبار للكرة الإيطالية

نجحت في تجاوز ظروفها السيئة للمرة الثانية في تاريخها

ما أشبه الليلة بالبارحة! ليس هناك ثمة شك في أن هذا ما دار في خلد الملايين من عشاق كرة القدم عندما رفع النجم الايطالي فابيو كانافارو كأس العالم معلنا تتويج منتخب بلاده لكرة القدم بطلا للعالم للمرة الرابعة في تاريخه عقب فوز الفريق على نظيره الفرنسي مساء الأحد بركلات الجزاء الترجيحية 53 بالاستاد الاولمبي لبرلين.

فقبل 24 عاما رفع حارس المرمى الشهير دينو زوف الكأس الغالية معلنا فوز إيطاليا بثالث بطولة عالم في تاريخها وذلك في بطولة كأس العالم باسبانيا 1982 لتتعادل مع البرازيل أكثر دولتين حصلتا على لقب كأس العالم في التاريخ آنذاك.

وكم كانت الظروف متشابهة في البطولتين من فضائح فساد واضطرابات هزت ساحة الكرة الايطالية داخليا وتورط فيها عدد كبير من أبرز المسئولين واللاعبين ما كاد يعصف بمشوار المنتخب «الازوري» بكأس العالم حتى قبل بدايته.

ولكن على رغم الظروف الصعبة هذه فإنها بعثت على تفاؤل الكثير من عشاق الكرة الايطالية قبل انطلاق بطولة كأس العالم 2006 بألمانيا بأن الوقت ربما يكون قد حان أخيرا لتكرار إنجاز 1982 وعودة إيطاليا إلى الألقاب الغائبة عنها منذ سنوات طويلة واسترداد سمعتها وهيبتها على الساحة العالمية لكرة القدم.

فعلى رغم ما تتمتع به إيطاليا من تاريخ حافل مع كرة القدم فإنها من أكثر البلدان التي تواجه انتقادات في ممارستها للعبة. بل وإنها في كثير من الأحيان قد لا ينظر إليها كونها من المنتخبات الأوروبية الكبرى.

ومثالاً على ذلك هو أنه بسؤال أي من المشاهير أو خبراء كرة القدم في العالم قبل مونديال ألمانيا عن المنتخبات المرشحة لإحراز اللقب كان بوسع الشخص الواحد أن يرشح من خمس إلى عشر دول بداية من البرازيل والأرجنتين ووصولا إلى انجلترا واسبانيا وحتى البرتغال من دون ذكر إيطاليا.

وعلى رغم أن هذا الأمر لم يكن منطقيا على أي حال على اعتبار أنه خلال فترة الإعداد لكأس العالم كانت إيطاليا من أقوى المنتخبات الاوروبية إذ حققت الكثير من النتائج الكبيرة أمام منتخبات اوروبية أخرى في مباريات ودية وأقرب مثال على ذلك هو فوزها الساحق على ألمانيا 41 في فلورنسا في الأول من مارس/ آذار الماضي.

إلا أن طريقة اللعب الايطالية الدفاعية التي تحمل اسم «كاتاناتشو» لا تشجع الكثيرين على الاعتراف بإيطاليا كونها إحدى القوى العظمى في عالم كرة القدم ومرشحة دائمة للفوز بأية بطولة تشارك بها بفضل ما لها من تاريخ عريق مع اللعبة والاهم من ذلك بفضل ما لديها من مسابقة دوري محلي تعد الأقوى في العالم.

ولطالما نظر الناس إلى الكرة الايطالية كلعبة تخلو من المتعة فالايطاليون يبحثون دائما عن النتائج ويدافعون جيدا. ويحرزون الأهداف من أضيق الفرص ولا يسمحون للخصم بالتسجيل أو حتى بخلق الفرص حتى تنتهي المباراة لصالحهم.

ولكن عندما يتعلق الأمر بكأس العالم البطولة الأهم والأقوى في عالم كرة القدم لا تتردد معظم الفرق المشاركة في الاقتداء بنظيرها الايطالي «فالغاية تبرر الوسيلة».

ومن قال إن الفريق الذي يملك دفاعا قويا لا يملك القدرة على شن هجمات أو أنه يخشى مباغتة خصمه؟ لقد كانت النظرة القديمة لكرة القدم تعنى في الأساس باللمسة الجمالية والمهارات.

وعلى رغم أهمية هذين العنصرين في كرة القدم فإنهما لم يعدا الأساس في التفوق. فأين كانت مهارات لاعبي الأرجنتين عندما فشلوا في المحافظة على تقدمهم بهدف أمام ألمانيا في دور الثمانية ليخسروا في النهاية بركلات الترجيح؟ وأين كانت مهارات رونالدينهو وثلته من البرازيليين ذوي المهارات الفردية الرائعة أمام التنظيم الدفاعي المحكم لمنتخب فرنسا في مباراة أخرى بدور الثمانية انتهت بفوز فرنسي مستحق وعجز برازيلي كامل حتى عن اللعب؟

لقد أثبتت بطولة كأس العالم 2006 أن كرة القدم باتت تعتمد في المقام الأول على الجانب الخططي. فاللاعبون يشبهون قطع الشطرنج التي يحركها مدربان اثنان من خارج حدود الملعب في ظل ما لدى لاعبيهم من طاقات وإمكانات وتوظيفها على النحو الأمثل.

وهذا ما برعت فيه إيطاليا وفرنسا خصوصاً في 2006 حتى وصلتا إلى نهائي البطولة على عكس كل الترشيحات التي تجاهلتهما سابقا وكل الانتقادات التي وجهت إليهما وشككت في كفاءة أدائهما التكتيكي «غير الممتع».

ولم يكن النهائي فقط هو الجائزة التي فازت بها إيطاليا وفرنسا في مونديال ألمانيا فقد نجحتا وخصوصا إيطاليا إلى حد كبير في تغيير نظرة الكثيرين إلى كرة القدم الحديثة.

والطريف أنه في الاستفتاء الذي أجري في الموقع الرسمي لبطولة كأس العالم على الانترنت لمنح جائزة أكثر المنتخبات إمتاعا في كأس العالم 2006 حصلت إيطاليا على أكبر نسبة أصوات بعد البرتغال الأولى متفوقة على الكثير من المدارس الفنية الكبيرة.

فقد احتلت البرتغال المركز الأول بالتصويت بنسبة 47 في المئة وتلتها إيطاليا في المركز الثاني بنسبة 41 في المئة بينما تقاسمت ألمانيا والأرجنتين وفرنسا والبرازيل نسبة الـ 12 في المئة المتبقية برصيد 4 في المئة لألمانيا و3 في المئة لفرنسا ومثلها للأرجنتين و2 في المئة للبرازيل.

وربما تكون غلبة الجانب التكتيكي على اللمسات الجمالية وتفوق المدارس الدفاعية على نظيرتها الهجومية في مونديال ألمانيا ما هي إلا مرحلة مؤقتة في تاريخ كأس العالم مثلما كانت ثورة عدد من المنتخبات الحديثة ككوريا الجنوبية والولايات المتحدة وتركيا والسنغال التي تأهلت لدور الثمانية في كأس العالم 2002 على حساب منتخبات عريقة مثل إيطاليا والأرجنتين وفرنسا والمكسيك وغيرها. إذ لم تلبث هذه الثورة أن خمدت وعادت المنتخبات الكبيرة إلى الصفوف الأمامية من جديد.

إلا أن الشيء المؤكد والذي سيبقى من بطولة كأس العالم 2006 هو أن الكرة الايطالية نجحت في تجاوز ظروفها السيئة للمرة الثانية في تاريخها بل وتحولت هذه الظروف إلى دافع قوي أحرزت به إيطاليا أغلى لقب عالمي في كرة القدم

العدد 1405 - الثلثاء 11 يوليو 2006م الموافق 14 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً