ما أقدر أطالع قنوات التلفزيون، كل ما أطالعها أشوف الأخبار واللي قاعد يصير في لبنان وقلبي يعورني. حتى نفسيتي تعبت ما قمت أقدر آكل أو أشرب أو حتى أنام، كله أفكر في هالبلد اللي قاعدة تتدمر، واليهال اللي يموتون من القصف. كل ما أشوف الأخبار وهي تحط صور الأطفال وهم جثث مقطعة أفكر في أمهاتهم، أكيد كانت هالأم تفكر في مستقبل ولدها وتخطط له يصير شي كبير في الحياة، شلون بتكون ردة فعلها وهم حاملينه لها جثة مقطعة.
وعلشان أغير هالنفسية قمت أبدل قنوات التلفزيون، أشوف لي مسلسل ولا فيلم علشان أرفه عن نفسي شوي وأنسى، شنو نقدر نسوي غير انا ننسى؟ المصيبة اني وأنا أبدل في قنوات التلفزيون شفت قنوات الموسيقى والأغاني اللي أغلبها لبنانية شغالة ولا كأن صاير شي في الدنيا، ورديت أحس بالقهر، يعني الناس قاعدة تموت وحالتها حالة، وهالقنوات ما توقف ولا عندها إحساس؟
تعبت من التلفزيون، قلت بروح لجارتنا أم هشام أسولف معاها شوي، يمكن تعلمني كم طبخة من الطبخات اللي سوتها في عزيمتها الأخيرة، رحت لأم هشام شفت حالها أردى من حالي، تلفزيونها شغال أربع وعشرين ساعة على الأخبار، وعلى صور القتل والدمار في لبنان، وكل شويه تقول لي «انتصرنا»، اللي يسمعها يقول قاعدة تتابع مباراة! وكل ما انضربت «اسرائيل» حسبته «هدف» يعني.
قعدت أحاول أجرجرها في الكلام علشان تعطيني وصفات الطبخات اللي أبيها، ما أدري شلون صرنا نتكلم عن الحرب على لبنان. هي تسب في «اسرائيل»، وأنا أسب في الحكومات العربية، هي تدعي للمقاومة، وأنا أدعي على أميركا، وقعدنا أنا وياها ذاك اليوم نحلل ونفصل في الحرب وأسبابها. واتفقنا على ان «اسرائيل» قاعدة «تتحجج»، هي أصلاً مو همها الأسيرين الاسرائيليين «مالت عليهم» ولا شي، هي أصلاً تمللت من القعدة جذي خاطرها تقصف وتقتل ليها أحد، ومن زمان باطة جبدها المقاومة في لبنان، قالت أدور لي حجة وأضرب الأوادم.
من تحليلاتي العبقرية اللي أقنعت فيها أم هشام بعد، أن هالأسيرين الاسرائيليين الظاهر فيهم مرض خطير، أصلاً «اسرائيل» كانت تبي تفتك منهم، فقامت «فلتتهم» على لبنان وسوت لها هذي المسرحية كلها علشان تضربها، مثل ما قاعدة تضرب في فلسطين، هذي يدها طويلة.
أنا لكن ما أقول إلا الله ينتقم من «بلفور»، هذا الريال اللي قالوا هو اللي أعطى الوعد لليهود علشان يسوون لهم وطن في فلسطين من زمان، أتذكر عطونا في المدرسة ان هو اللي تسبب عليهم، وعلينا كلنا ودخلهم فلسطين ومن يومها وهم قاعدين «عظم» في بلاعيمنا من سنين.
قعدت أقص على أم هشام قصة «بلفور» وكل التفاصيل اللي أتذكرها من كتاب الاجتماعيات مال ما أدري أي صف، و«فوشرت» عليها بمعلوماتي شوية، لحد ما حطوا في الأخبار صور اجتماع لقادة الدول العربية، ما أشوف إلا أم هشام الهادئة المؤدبة قاعدة تسبهم، تقول فشلونا الله يفشلهم، ما عندهم إلا اجتمعوا، وقاموا من الاجتماع، الناس قاعدة تموت وهم بس يجتمعون. كانوا أول على الأقل «يستنكرون»، ألحين حتى الاستنكار مستخسرينه شكلهم، ما يقدرون حتى يقولون بصراحة إن اللي قاعد يصير غلط؟
لما شفت أم هشام عصبت، قلت الظاهر ما في فايدة من القعدة وياها، مزاجي وتعكر أكثر، و شكلها ما بتعلمني الطبخات اللي أبيها، خلني أرجع بيتي أحسن لي.
لما رجعت كانوا أولادي توهم راجعين من مسيرة صارت في البحرين ضد «اسرائيل»، وكل واحد فيهم يحلل تحليلات عبقرية عن الحرب في لبنان، وفتحوا التلفزيون على الأخبار، ومرة ثانية قعدت أطالع صور الجثث والدمار والخراب، ومرة ثانية قام قلبي يعورني!
أنثى
إن لم تعجبكم... فاحسبوها ثرثره
العدد 1416 - السبت 22 يوليو 2006م الموافق 25 جمادى الآخرة 1427هـ