العدد 3577 - الجمعة 22 يونيو 2012م الموافق 02 شعبان 1433هـ

سنابس البحرين وعامل في تراثية السيد حسن العاملي

لم يكن غريباً أو سذاجة أن يعشق ثرى البحرين وأهلها عالم وأديب وبحّاثة مثل المرحوم السيد حسن بن العلامة السيد محسن الأمين العاملي، فقد عشق الأمين البحرين حتى أصبح اسمها محفوراً في ذاكرته التي لم تنسها، وأولاها اهتماماً منقطعاً في كل تراثياته الأدبية والتاريخية.

كانت البحرين مرتعاً خصباً ومرتكزاً تاريخياً وثقافياً للباحثين والرحّالة الأوروبيين وقد زارها من قبل الكثير منهم ليقفوا على تراثها التاريخي والحضاري والثقافي والاجتماعي ليرووُا نهمهم، وليدوّنوا في أسفارهم عما شاهدوه من تراث مدهش احتضنته هذه الجزيرة.

يقول الأديب والمؤرخ اللبناني الكبير أمين الريحاني عندما زار البحرين في القرن العشرين: «ما أخطأت الظن مرة ببلاد عربية مثل خطئي بالبحرين، وما دُهشت في قطر من الأقطار التي زرتها دهشتي أول يوم في هذه الجزيرة ولا غروا فالجهل يجسم الدهشات»، وقال أيضاً: «ولانزال في سلسلة المدهشات، فإن في البحرين إذا كنت ممن يهمهم الأدب والشعر، نهضة أدبية اجتماعية مباركة ... إن في هذه الجزيرة من الأدباء والشعراء عدداً ليس بقليل، وذكاءً ليس بضئيل، فيها نهضة تقارن أخوتها في الكويت والعراق، وتقارن روحاً وطموحاً على الأقل أخوتها في سورية ومصر». المصدر: الأعمال العربية الكاملة، أمين الريحاني، ص 699.

يكن الأمين في قلبه حباً حقيقياً تجاه البحرين وشعبها ولقرية السنابس خصوصية وجدانية تتمثل في علاقته الوشيجة مع أهالي أسرة النادي والحسينية، في إحدى أدبياته التاريخية قال إنه تلقى دعوة من أسرة الحسينية للمشاركة في تدشين المأتم في أواخر الستينيات من القرن الماضي فبعث بكلمة مقتضبة عنوانها «من قِمم جبل عامل إلى شواطئ البحرين»، قال فيها: «من ها هنا من هذه السفوح الخضر والأودية الفيح، إلى تلك الشطوط الرحبة والرياض الخصبة، من ها هنا من الجبال المتعالية إلى هناك إلى الأمواج المتواثبة. من العامليين إلى البحرانيين: تحية الإيمان إلى الإيمان والأخوة إلى الأخوة. البحرين مهوى القلوب، القلوب المؤمنة الخيرة». كان يتمثل له أنه يخاطب الحاضرين بروحه وجسده عبر هذه الكلمة القيّمة قائلاً: «و ها هي الساعة تحتفي بتدشين هذه الروضة الحسينية التي شادتها بسواعد فتيانها وعزائم شبانها وبذل أجوادها، فتبرهن على أن جذوة الإيمان ستظل وقّادة ونبع الإسلام سيظل دفاقاً». ثم تابع كلمته وكأنه أمام الحفل قائلاً: «أيها المحتفلون: إنكم لا تحتفلون وحدكم بافتتاح هذه المنتدى؛ بل إن قلوب الملايين من إخوانكم وراء البحار وخلف القفار تحتفل اليوم معكم وتشارككم بهجتكم وتسهم في فرحتكم».

ثم أكد «إن قلوب الملايين المؤمنة تتجه في هذه الساعة إلى البحرين، إلى (السنابس) مطلة على هذه الحفل الشامخ فترى في يومه يوماً من أعز أيامها وبنيانه صرحاً من أعلى صروحها وفي احتفاله احتفالاً بذكرى من أغلى ذكرياتها». و ختم كلمته قائلاً: «فإذا شاركتكم في هذا الحفل فإنما هي مشاركة الوفاء للأرض الطيبة التي أحببتها والقوم الخيرين الذين أعجبت بهم. فإلى البحرين كلها، و إلى (السنابس) خاصة التي يقام الحفل على ثراها: الإخلاص والذكرى الدائمة الوفية».

دشن الأمين هذه العلاقة الصادقة بزيارة قام بها إلى البحرين في العام 1964م وألقى محاضرة قيّمة حول العلاقة التاريخية بين جبل عامل والبحرين في صالة النادي (نادي السنابس) حضرها جمع من الأدباء والمثقفين وخطباء المنبر الحسيني، ذكر فيها العلاقات التاريخية والروحية بين جبل عاملة بجنوب لبنان والبحرين بالخليج العربي، لاشك أن لهذه الشخصية العلمية مخزوناً علمياً وثقافياً وافراً عن تاريخ البحرين من علماء وأدباء ورصد الإحداث التي تعرضت لها الجزيرة وأهلها والدليل ما ذكره والده العلامة السيد محسن الأمين في موسوعته العلمية والأدبية والثقافية (أعيان الشيعة) من تراجم لعلماء البحرين بحسب الحروف الأبجدية، وحقيقة ما قلنا إن أرباب التاريخ يؤكدون أن الشيخ حسين بن عبدالصمد الهمداني الجعبي العاملي المولد والد الشيخ البهائي المشهور أوصى بأن يدفن في أرض البحرين بعدما رأى في المنام أن هذه البقعة قد رفعت إلى السماء وأصبحت قطعة من تراب الجنة، وفعلاً دفن في مقبرة أبوعنبرة الواقعة بين بلاد القديم والمصلى ومشهده يزوره الناس. ومقبرة أبوعنبرة من المقابر الأثرية في البحرين؛ إذ يرجع تاريخها إلى الدولة العيونية شُوهدت فيها صخور كتابية أثرية باللغة العربية ويتضح من تاريخ تلك السطور أنه يصعب قراءتها، وليست هذه المقبرة وحدها أثرية في البحرين فحسب بل هناك الكثير مثل مقبرة المقشاع والمقبرة المحيطة بمسجد العلوية بقرية جبلة حبشي، إن هذه الوثائق الحجرية تعكس حضارة وأصالة شعب البحرين منذ فجر الإسلام.

وقد رثاه والده الشيخ بهاء الدين بقصيدة نذكر منها أهم الأبيات:

قف بالطول سلها أين سلماها

ورو من جرع الأجفان جرعاها

وردد الطرف في إطراف ساحتها

وروّح الروح من أرواح أرجاها

يا ثاوياً بالمصلى من قرى هجر

كسيت من حلل الرضوان أرضاها

أقمت يا بحر بالبحرين فاجتمعت

ثلاثة كن أمـــثالاً وأشبـاهــاً

من هذا الأدب الرفيع المتألق والمصقع والنابع من الوجدان الروحي الممتزج بالإيمان الذي انداح عطره إلى العالم الإسلامي فانبرت الأقلام المنهمة إلى معرفة تاريخ الإسلام أن تكتب رسائل الماجستير والدكتوراه، وآخر ما قرأت رسالة دكتوراه للبنانية دلال عباس عن (بهاء الدين العاملي) أديباً وفقيهاً و عالماً، طبعتها دار المؤرخ العربي - بيروت - لبنان.

ولد السيد الأمين في دمشق العام 1908م وتوفي في السابع من شهر شعبان من العام 1423 هجرية (14 أكتوبر/ تشرين الأول 2002م ودفن في مدينة شقراء بجنوب لبنان.

حسن الأمين ولد في بيت علم، يقول فيه الكاتب العربي الكبير جورج جرداق: «إنه السيد الأمين ابن البيت الكريم الذي كان بحدّ ذاته، بيئة آخذة عناصرها جميعاً من إرثٍ أخلاقي أغرّ، ومفهوم إنساني راسخ، وجو معرفي» وقد سد فراغاً كبيراً بمصنفاته الأدبية والتاريخية في المكتبة العربية ومن أشهرها «دائرة المعارف الإسلامية الشيعية» في ثلاثين مجلداً من الحجم الكبير و«صراعات الشرق على الشرق» وغيرها من الكتب المفيدة.

ولا ضير أن نذكر بأن السيد الأمين لم يشأ أن يبارح قلبه وروحه حب البحرين وشباب السنابس خاصة، حتى عندما كان مستلقياً على فراشه في مستشفى بهمن بحارة حريك بيروت زرته وسألني عن أهل البحرين عموماً وخص شباب السنابس وشخصياتها خصوصاً. رحمة الله عليه.

العدد 3577 - الجمعة 22 يونيو 2012م الموافق 02 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً