لم تبد السعودية أي بادرة على تغيير سياسة إنتاج النفط بمستوى مرتفع لدعم النمو الاقتصادي العالمي؛ على رغم نزول أسعار الخام عن 90 دولاراً للبرميل للمرة الأولى في 18 شهراً.
وقالت مصادر من حكومات خليجية وغربية على اتصال بمسئولين سعوديين، إن بمقدور المملكة تحمل سعر النفط عند 90 دولاراً؛ أو أقل لأشهر وهي مستويات أسعار تضر دولاً مثل إيران وروسيا اللتين تتخذان موقفاً مغايراً لموقف الرياض بشأن الصراع الدائر في سورية.
وحققت السعودية فائضاً في الإيرادات في النصف الأول من العام وتحتاج من أجل تحقيق التعادل في الموازنة سعراً أقل كثيرا لبرميل النفط مما يحتاجه معظم أعضاء منظمة «أوبك» وروسيا منتج النفط الكبير خارج المنظمة.
وقال مسئول نفطي خليجي كبير: «إذا أبقينا الإنتاج عند المستويات الحالية تقريباً فإننا لا نغرق السوق بذلك. ونريد أن نتحلى بالمسئولية من أجل مصلحة الاقتصاد العالمي».
وتحتاج كل من روسيا وإيران سعراً للنفط عند 115 دولاراً لتلبية احتياجات الموازنة. وقال المحلل النفطي الأميركي، فيل فيرلغر: «الاقتصاد الروسي عرضة للتأثر بأي هبوط حاد في أسعار النفط. ربما يستطيع السعوديون استغلال ذلك بالحفاظ على مستوى الإنتاج عند عشرة ملايين برميل يومياً».
وقالت مصادر نفطية إن من المنتظر أن تقلص السعودية - وهي المنتج الوحيد الذي لديه فائض كبير في الطاقة الإنتاجية - الإنتاج على مدى الشهرين القادمين نظراً إلى انخفاض الطلب من المصافي في الصين والولايات المتحدة.
وقال دبلوماسي غربي: «أبلغنا أن السعوديين يرون أن مستوى الأسعار عند 90 دولاراً؛ أو أقل لا بأس به لعدة أشهر. وهبطت أسعار النفط من ذروة صعودها في مارس/ آذار حينما بلغت 128 دولاراً للبرميل نظراً إلى قتامة الآفاق الاقتصادية؛ لكن أيضاً بسبب قيام السعودية وتحت ضغط من دول مستهلكة رئيسية بزيادة الإنتاج في مارس إلى عشرة ملايين برميل يومياً مسجلة أعلى مستوى في 30 عاماً. وعوّض ذلك انخفاض إنتاج إيران بسبب العقوبات الغربية وهو ما أثار انتقادات ليس من طهران فحسب؛ ولكن أيضاً من أعضاء آخرين في «أوبك» يفضلون مستويات أسعار مرتفعة مثل الجزائر والعراق وفنزويلا.
وباعتبارها صاحبة أكبر فائض في الإنتاج في «أوبك» فإن الرياض مسئولة إلى حد كبير عن الكميات الإضافية الزائدة عن سقف إنتاج المنظمة الرسمي البالغ 30 مليون برميل يومياً.
وقال وزراء النفط في «أوبك» خلال اجتماع في منتصف يونيو/ حزيران إنهم يتمسكون بسقف الإنتاج الحالي؛ ما يعني خفضاً قدره 1.6 مليون برميل يومياً من الإنتاج الفعلي لدول المنظمة البالغ 31.5 مليون برميل يومياً.
وللوصول إلى سقف الإنتاج الرسمي فإن السعودية عليها أن تخفض إنتاجها بشكل كبير لكن احتمالات حدوث ذلك تبدو ضئيلة.
وقال مندوبون شاركوا في اجتماع «أوبك»، إن وزير النفط السعودي سأل نظراءه في المنظمة عن مدى استعداد كل منهم لإجراء خفض في الإنتاج ولم يبد أي منهم رغبة في ذلك.
وقال مندوب في المنظمة، إن المملكة لن تخفض هي الأخرى الإنتاج.
وقال الخبير بمركز دراسات الطاقة العالمية في العاصمة البريطانية (لندن)، ليو درولاس: «هناك خلل كبير لأن معظم أعضاء (أوبك) لا يستثمرون بدرجة كافية لذا فطاقتهم الفائضة محدودة. السعودية هي البنك المركزي للنفط أكثر كثيراً من أي وقت مضى.. هذا هو الواقع».
وإظهاراً لنواياها بشأن ما وصفه وزير نفطها بنوع من التحفيز للاقتصاد العالمي زادت الرياض صادراتها النفطية في يونيو عن مايو/ أيار بمقدار 150 ألف برميل يومياً بحسب مصدر مطلع.
ومع افتراض استقرار الطلب المحلي في المملكة فإن إنتاج الرياض قد يقترب مجدداً من عشرة ملايين برميل يومياً في يونيو بعد أن انخفض في مايو إلى 9.8 ملايين برميل يومياً. وقال مصدر نفطي إن صادرات السعودية قد تنخفض في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب؛ على رغم ذلك نظراً إلى أعمال صيانة في مصاف صينية ستؤدي إلى هبوط الطلب في الصين نحو 350 ألف برميل يومياً.
وسينخفض الطلب في الولايات المتحدة 200 ألف برميل يومياً نظراً إلى اصلاحات في جناح جديد في أكبر مصفاة أميركية في بورت آرثر بتكساس؛ ما يعني أن إنتاج المملكة سيتراجع إلى 9.5 ملايين برميل يومياً مع افتراض استقرار الطلب المحلي مجدداً.
وحققت السعودية فائضاً في الإيرادات النفطية في النصف الأول من العام يمكنها أن تستفيد منه في الأوقات التي تنخفض فيها الأسعار. وقال مسئول خليجي في «أوبك»: «تستطيع دول الخليج تحمل أسعار دون 90 دولاراً لأن الأسعار في النصف الأول من العام كانت أعلى من 100 دولار؛ لذا فقد تحققت أرباح كثيرة في تلك الفترة. لذا ليس من المتوقع أن تخفض دول الخليج الإنتاج لمجرد أن الأسعار هبطت دون 90 دولاراً».
وحققت السعودية منذ مطلع العام ما يزيد قليلاً على 155 مليار دولار من صادرات النفط وفقاً لحسابات «رويترز»، بناء على متوسط سعر تصدير الخام السعودي عند 114 دولاراً. وتفيد تقديرات بأن الرياض تحتاج إلى أسعار للنفط بين 75 و80 دولاراً لتحقيق التعادل في الموازنة هذا العام.
العدد 3581 - الثلثاء 26 يونيو 2012م الموافق 06 شعبان 1433هـ