العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ

مساحة حرة - ظُلامَةُ الأُنْثَى

الأُنثَى إِنْسَانَةٌ كرّمها الله سبحانه وتعالى، وأعطاها مِنَ المقامات العالية، والدرجات السامية ما لم يُعطِها للرجل، بينما عَمَدَتْ الحضارة المدنية الحديثة بتحويل المرأة إلى سِلعةٍ تُباع وتُشرى! أُلعوبة بيد الغرائز، قائمةً على ما قامت عليه الحضارات القديمة مِنْ ظُلمِ المرأة، وتجريدها مِنْ أَبْسَطِ حُقوقِها، وامتِهانِ كَرَامَتِها، والحَطَّ مِنْ قَدْرِها، والإستِبْدَادَ في مُعَامَلَتِها، والفُحْشِ في إستغلالها، حتى بَلَغَ الإجحاف إلى لتشكيك في إنسانيتها، واعتبارها مخلوقٌ خُلِقَ لخدمة نوع الإنسان الوحيد وهو الرجل.

وهذا مما لاشكَّ في كَذِبِهِ، واصطدامه بالشرع والعقل، وبيان ذلك في ثلاث جهات:

1 - جهة الوحدة:

عديدة هي النصوص القرآنية التي تُشير إلى حقيقة الوحدة الإنسانية، ومنها ما جاء في أول سورة النساء في قوله سبحانه:« يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ » (النساء: 1)، فهذا خِطابٌ عَامٌّ إلى جميع الناس، ونداءٌ موجَّهٌ لِكُلِّ أفراد البشرية بتقوى ربهم في أنفسهم، التي خلقها دون فرق بينهم، فهم متحدون في حقيقتهم، ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، ضِعافاً وأقوياء، ما مِنْ شأنه أَنْ ينعكس على مجتمعاتهم بالخير والصلاح الذي يحفظ وجودهم ويضمن بقائهم.

2 - جهة الإنتماء:

جاء في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى» (الحجرات: 13)، وقوله عَزَّ شأنه: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ» (الإسراء: 70)، ما يعني أَنَّ الخالِق جَلََّ وعلا يُقررُ أَنَّ خَلْقَ الذكر كالأنثى، وهو بالمناسبة رَدٌّ واضحٌ ونفيٌ صَريحٌ لشبهة مَنِ ادَّعى أَنَّ المرأة خُلِقَتْ مِنْ «ضِلْعٍ أعوج»، أو غيرها من الإسرائيليات التي تنال من ساحة القدرة الإلهية من جانب، والآخر من طهارة الأنبياء (ع)، وقداستهم، وبالتالي من جميع السلالة البشرية التي تناسلت من لدن أبينا آدم وأمنا حواء إلى قيام الساعة، ولذا نجِدُ الدهشة أصابت الإمام الصادق (ع) وتعجَّبَ حينما سُئل عن خلق حواء فقيل له: «إِنَّ أُناساً عِندنا يقولون: إِنَّ الله عزَّ وجلَّ خَلَقَ حَواءَ مِنْ ضِلعِ آدَمَ الأَيَسَرِ الأَقْصَى، فقال: سُبحان الله وتعالى عَنْ ذلك عُلواً كبيرا، أَيَقولُ مَنْ يَقولُ هذا: إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعالى لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ القُدرةِ مَا يَخْلُقُ لآدم زوجةً مِنْ غَيرِ ضِلعِهِ، ويجعلَ لِلمُتكلِمِ مِنْ أَهلِ التشنيع سبيلاً إلى الكلام أَنْ يقول: إِنَّ آدمَ كَاَنَ يَنْكِحُ بَعضَهُ بَعضاً إِذا كَانْت مِنْ ضِلْعِهِ، مَا لهؤلاء! حَكَمَ اللهُ بَيننا وَبَينِهِم»!

فيما تُفيد الآية الأخرى بالكرامة المعتبرة لكل بني آدم قاطبة، دون تمييزٍ أو فرق، وهذا ما صرَّحَ به رسول الله محمدٌ (ص) في خطبة الوداع حيث يقول: « أيُّها النَّاسْ، إِنَّ ربَّكُم وَاحِد، وَإِنَّ أَبَاكُم وَاحِدْ، كُلُّكُم لآدم وَآدمُ مِنْ تُرَابْ،»، وكذا ما جاء في الشعر المنسوب لأمير البلاغة علي بن أبي طالب (ع) حيث قال:

النَّـاس مِنْ جِهَةِ التِمْثَالِ .... أَكْفَاءْ أَبوهُمُ آدمٌ والأُمُّ حَوَّاءُ

وإنمَّا أُمَّهَاتُ النَّاسِ أَوْعِيَةٌ .... مُستودعَـاتٍ ولِلأحسابِ آبَاءُ

فَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ أَصْلِهِمْ .... شَرَفٌ يُفاخِرونَ بِهِ فَالطِّينُ والماءُ

3 - جهة المفاضلة:

أثبتت النصوص الشريفة في الكِتَابِ الكَريمِ والسُنَّةَ المُطَهَّرةَ أَنْ لا فضل ولا تمايُزَ بين الذكر والأنثى إلا بالتقوى والعمل الصالح، كما أَنَّ السمو العلمي والرُّقِي المَعرِفي، والبِنَاء الرُّوحِي، والسُلُوكَ التكامُليَّ مَكفولٌ ومُتاحٌ للمرأة كما الرجل، وعليه يُمكنُنا فهمُ مَا ذَهَبَ إِليهِ العُظماءُ مِنَ اعتبارِها «الأَسَاسُ لِلفَضَائِلِ الإِنْسَانِيةِ والقِيَمِ العَاليةِ لِخِلافَةِ اللهِ في العَالمَ».

وبناءاً عليه؛ وأمام كل هذا؛ هل حُفظت كرامة الأنثى في عصرنا الحاضر، وأصبح استغلالها والتحرُشَ بها، والاعتداء عليها وعلى حقوقها حديثاً للتاريخ فقط؟

أحمد عبدالله

العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:54 ص

      تعليق

      لا التأنيثُ لاسم الشمس عيباً-ولا التذكير فخراً للهلالِ \r\nأحسنت

اقرأ ايضاً