فيما يخص تصريف الأفعال الماضية أو المضارعة أو الأمر مع ضمائر النصب والجر المتصلة (باستثناء الفعل المضعف) فلا توجد أي ظواهر جديرة بالذكر؛ إذ لا يوجد تباين يذكر بين اللهجات في البحرين إلا ما سبق وذكرناه في الفصول السابقة، وذلك فيما يخص نطق الضمائر المتصلة؛ إذ قسّمناها لثلاثة أقسام: لهجة العرب واللهجة البحرانية العتيقة واللهجة البحرانية المتطورة، وكذلك فيما يخص تصريف الفعل الماضي والفعل المضارع وفعل الأمر، على سبيل المثال، سبق أن ذكرنا أن الفعل الماضي المجرد في اللهجة البحرانية له صيغة واحدة فقط وهو فَعَل؛ وبالتالي فهناك تصريف واحد، مثل ضرب ضرني، بينما في لهجة العرب فله صيغتين فَعَل وفِعَل، بمعنى أن الفرق في صيغة الفعل ولا يوجد تأثير للضمائر المتصلة التي دخلت على الفعل.
أما فيما يخص الظواهر اللهجية المتعلقة بإسناد ضمائر النصب والجر المتصلة إلى الفعل الثلاثي المضعف (مثل: عضَّ، سبَّ) فهي متباينة بين لهجة العرب واللهجة البحرانية وكذلك ضمن اللهجة البحرانية ذاتها؛ إذ تنقسم اللهجة البحرانية إلى قسمين: قسم منتشر في المنامة وما حولها وهو يتشابه تماماً مع لهجة العرب، وقسم منتشر بصورة أساسية في القرى؛ وبالتالي فهناك نموذجان أساسيان لتصريف الفعل الثلاثي المضعف في اللهجات في البحرين، قسم يكتفي بالتخفيف وقسم يقوم بالتخفيف وإشباع الفتحة ألف.
مبدأ التخفيف فقط
تتميّز لهجة جميع المناطق التي تشيع فيها اللهجة البحرانية، باستثناء المنطقة الممتدة من السنابس حتى المنامة والجفير، بتخفيف الفعل الثلاثي المضعف عند إسناده إلى ضمائر نون المتحدث والمتحدثين وهاء الغائبة وهاء الغائبين، فيقولون في سبَّ (بمعنى شتم): سبْني وسبْنا وسبْها، وسبْهُم، أما في الضمائر الأربعة كاف المخاطب والمخاطبين، وشين المخاطبة، وهاء الغائب فيبقون على التشديد رجوعاً إلى الأصل في الفصحى، فيقولون في سبَّ: سبّك وسبّكم وسبّش وسبّه. ويجب الملاحظة هنا أن البحرانية العتيقة تتميز بنطق خاص حيث تنطق «سبْهُم» و«سبّك» و«سبّكم» كالآتي: سبْهِم وسبّچ وسبّچِم.
ظاهرة التخفيف هذه لم تذكر في كتب اللغة، فيما أعلم، ولكن بلاشك أن العرب عموماً كانوا ومازالوا يستثقلون التضعيف ويميلون إلى التخفيف، قال رضي الدين الاستراباذي (توفي العام 686هـ) في كتابه «شرح شافية ابن الحاجب»: «إعلم أنَّهم يستثقلون التضعيف غاية الاستثقال؛ إذ على اللسان كلفة شديدة في الرجوع إلى المخرج بعد انتقاله عنه، ولهذا الثقل لم يصوغوا من الأسماء ولا الأفعال رباعياً أو خماسياً فيه حرفان أصليان متماثلان متصلان لثقل البناءين، وثقل التقاء المثلين، ولاسيما مع أصالتهما» «دار الكتب العلمية 1982، ج3 ص 238 - 239».
إلا أن كتب اللغة ذكرت التخفيف وذلك بحذف أحد الحرفين المضعَّفين في الفعل المضعف عند إسناده إلى ضمائر الرفع المتحركة فيقولوا في :(أحْبَبْتُ: أحَبْتُ)، وفي:(أحْسَسْتُ: أحَسْتُ)، وفي: (شدَدْتُ: شَدْتُ) وفي: (ظَلَلْتُ:ظَلْتُ)، وفي: (مَسَسْتُ: مَسْتُ)، وهي ظاهرة نسبت إلى قوم من ربيعة و من بني عامر من قيس عيلان (الشجيري 2005، ص 72 من النسخة الإلكترونية).
ظاهرة التخفيف والإشباع
الإشباع هو إشباع الفتحة لتتولّد منها ألف، والضمة لتتولّد منها واو، والكسرة لتتولّد منها ياء، ويشيع في اللهجة البحرانية المتحدث بها في المنامة والجفير ورأس رمان والسنابس والديه وجد حفص تخفيف الحرف المضعف وإشباع الفتحة ألف في الفعل الثلاثي المضعف وذلك عند إسناده لضمائر النصب والجر المتصلة فيقال في سبَّ: سبّاني، وسبّاك، وسبّاش، وسبّاه، وسبّاها، وسبّاهم. ويلاحظ أنه في لهجة رأس رمان والجفير والمنامة تجاوزت هذه الظاهرة الفعل المضعف وشملت الفعل الثلاثي غير المضعّف، فيقال في ضرب: (ضرباني، وضرباه ... إلخ)، وقد انتشرت هذه الظاهرة الأخيرة في لهجة العرب في البحرين وكذلك لهجة الخليج العربي عموماً، والمتصفح لمواقع التواصل الاجتماعي على صفحات الإنترنت يلاحظ مدى تململ البعض من انتشار هذه الظاهرة اللهجية والتي وسمها البعض «باللهجة المائعة»، ومسميات أخرى أشد لذاعة.
وتوجد هذه الظاهرة أيضاً في لهجات شرق الجزيرة العربية، وقد ذكرها سيدشبر القصاب في دراسته بشأن اللهجات في القطيف وقد ذكر أنها «لهجة النواحي الآتية: (الآجام، القديح، والبحاري، والتوبي، والخويلدية، والجارودية، وسيهات، وعنك (العليوات)، وسنابس) ... وهذه الألف فيما يبدو هي حركة آخر الفعل الماضي نطقت فتحة طويلة حتى عادت ألفاً، وأما الغرض منها فهو المحافظة على صورة الفعل الأصلية قبل الإسناد وتحقيق الحركة أو الفصل بين الفعل والضمير ومنع تأثير الأخير على الأول. وقد يتعدى الأمر أَحياناً إلى الفعل المضعَّف الوسط مثل كلّم فيقال: كلَّماه، وكلَّماهم وهذه في لهجة سيهات» (القصاب 2001، الواحة العدد 23)
من أين جاءت هذه الظاهرة؟
لا يوجد ذكر لهذه الظاهرة في اللهجات العربية القديمة، فيما أعلم، ولكن هناك ظاهرة شبيهاً بها ويمكن قياسها عليها وهي ظاهرة مرتبطة بتصريف الفعل المضعف عند إسناده لضمائر الرفع المتصلة فقد عزي إلى بعض العرب أنَّهم كانوا يدغمون الحرف المضعف في الفعل الماضي ويزيدون ألفاً قبل الضمير بعد الإدغام، قال رضي الدين الاستراباذي: «وبعضهم يزيد ألفاً بعد الإدغام نحو: (ردَّات، وردَّان)؛ ليبقى ما قبل هذه الضمائر ساكناً كما في غير المدغّم نحو (ضربْتُ، وضربْنَ)» (دار الكتب العلمية 1982، ج3 ص 245)
وقد علق الشجيري في أطروحته على هذه الظاهرة بقوله: «ولكني لا أستبعد أن تكون هذه الألف إشباعاً لحركة الفتح قبلها، خلافاً لمن خصَّ ذلك بالضرورة لكون لغة الإشباع لغة واردة عن العرب ولا مجال لإنكارها ويؤيد ذلك ما قاله ابن الجزري (توفي العام 833هـ) عن لغة الإشباع بأنها (ليست ضرورة، بل هي لغة مستعملة)». (الشجيري 2005، ص 74 من النسخة الإلكترونية).
وهكذا فإن ظاهرة إضافة ألف في الفعل المضعف عند إسناده للضمائر المتصلة قد وردت في بعض اللهجات العربية القديمة وذلك في تصريف الفعل المضعف وإن اختلفت نوعية الضمائر التي تتصل بها.
العدد 3661 - الجمعة 14 سبتمبر 2012م الموافق 27 شوال 1433هـ