العدد 3689 - الجمعة 12 أكتوبر 2012م الموافق 26 ذي القعدة 1433هـ

«عُمْران» القطرية... تبحث في إشكالات تأخر عمارة الإنسان

وليد نويهض-عزمي بشارة
وليد نويهض-عزمي بشارة

تفترض وأنت تقرأ عنوان الدورية «عُمْران» التي يُصدرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في دولة قطر؛ لولا العنوان الفرعي، أنها تُعنى بالعمران باعتباره موضوع هياكل ومدن ومتاحف وأسواق ومجمّعات وأبراج وسدود ومصانع إلى آخر القائمة.

ذلك كله سيقوم ويمتدّ إذا تمّتْ عمارة الإنسان ضمن منظومة من القيم والحقوق والأخلاق والضوابط التي تعزز حريته المسئولة ولا تحْجر عليها. لا يمكن لأي صرْح أن يبرز اليوم ويمتدّ في ظل انهيار يطول الإنسان. تبدأ قيمة العُمران من صانعه. هو الذي يقيمه وهو الذي بيده في الوقت نفسه أن يخرجه من الكادر. كادر أن يُلاحظ ويُرى وتقف أمامه شعوب وأجيال وحضارات.

«العُمران» تقرأ وتشخّص وترصد ما يحول دون ذلك. دون أن يكون الإنسان في الأولوية من العمران. حين يحاصره الفقر، والسياسات التي ترجعه إلى أكثر من طامورة وكهف وعزلة تفصله عن حركة العالم، وتجعله موضوع فرْجة وموضوع عِبْرَة وتتجنّب!

الدورية التي يرأس تحريرها المفكر العربي عزمي بشارة، ويدير تحريرها مدير تحرير صحيفة «الوسط» السابق المفكر والسوسيولوجي وليد نويهض، استقطبت في عددها الأول عدداً من الباحثين والمتخصصين في العلوم الاجتماعية والإنسانية ضمن أبحاث معمّقة ومحكمة.

يشار إلى أن المركز يُعنى بتشخيص وتحليل الأوضاع في العالم العربي دولاً ومجتمعات، وبتحليل السياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وبالتحليل السياسي بالمعنى المألوف أيضاً، ويطرح التحديات التي تواجه الأمة على مستوى المواطنة والهوية والتجزئة والوحدة والسيادة والتبعية والركود العلمي والتكنولوجي وتنمية المجتمعات والدول العربية، والتعاون بينها وقضايا الوطن العربي عموماً من زاوية نظر عربية.

كما ينتج المركز أبحاثاً ودراسات وتقارير ويدير عدّة برامج مختصّة، ويعقد مؤتمرات وورش عمل وتدريب وندوات موجّهة للمختصين وللرأي العام العربي أيضاً.

تبدأ الدورية بنص من «المقدمة» لمؤسس ورائد علم الاجتماع الأشهر؛ ليس في الجغرافية العربية فحسب؛ بل امتدّت شهرته لتطبق الآفاق، ابن خلدون:

«حقيقة التاريخ أنه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحّش والتأنّس والعصبيات وأصناف التغلّبات للبشر بعضهم على بعض وما ينشأ عن ذلك من المُلْك والدول ومراتبها وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال...».

في ورقته «ملاحظات استكشافية حول النمو المستدام والتنمية في الدول العربية» يخلص اقتصادي التنمية ومدير الأبحاث في المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسة، علي عبدالقادر علي، عبر استشهاده بتعريف النمو وخصوصاً المرتفع للغاية، وهو متوسط معدّل نمو دخل الفرد الحقيقي يساوي أو يفوق 2.8 في المئة سنوياً، وعبر جداول توضيحية، إلى أن أربع دول عربية قد سجّلت نمواً مرتفعاً للغاية خلال الفترة تحت الدراسة في الفترة مابين 1985 و 2009 وهي الإمارات والسعودية وقطر والكويت.

وزير التخطيط الأردني السابق وحائز الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة كامبردج طاهر حمدي كنعان في ورقته «الفضاءات الثلاثة في دولة الإنتاج» يتناولها من زاويتين «الأولى قيمية تُعنى بـ «ما يجب أن يكون» والثانية هي الزاوية الوضعية وتُعنى بالواقع التطبيقي وفي جزئها الثالث الذي ينظر في «الملكية الخاصة والملكية العامة في النظرية الاقتصادية».

يعرج كنعان على مصطلح عبادة «وثن السوق» في مطلع ثمانينيات القرن الماضي في اختراق للسياسات الاقتصادية»في حمّى الخصخصة». كما أنه يرى في تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي»موضع اتهام حتى تثبت البراءة». البراءة التي لا تتحدّد وتبرز في غياب مؤسسات كاملة الصلاحية تطلع بدورها الرقابي والتشريعي، وتسهم في حصانة الإنسان قبل الحدود.

الباحث السوسيو - أنثروبولوجي في التنمية وخبير التخطيط وتقسيم برامج التنمية المناطقية والمحلية أحمد بعلبكي في ورقته»مفهوم المجتمع المدني المروّج في أدبيات التنمية» في قراءة لنصوص منظمة الإسكوا، يخلص إلى أن «توجّه الإسكوا نحو إشراك قيادات الفروع الحزبية والنقابية في المناطق والقطاعات؛ يؤثر في ترشيد خطابها الشعبوي أو العصبوي، الذي يبعدها عن الفهم الممنهج لأولويات الحاجات التنموية لقواعدها الشعبية». وتلك قراءة مسكوت عنها؛ لا فرق في دول تتيح متر هامش أو دول ترى الشبْر منه وقود فتنة.ثم إن المؤسسات التي تطلع وتبرز بفعل تمويل سياسات هي في الأساس مساهمة في ما يتم درسه ومعالجته يحتاج هو الآخر إلى الوقوف عليه بفضاء مصارحة لا هامشه.

أستاذة الاقتصاد في جامعة الأزهر كريمة كُريّم، اعتمدت في ورقتها «الفقر في ثلاث دول عربية منخفضة ومتوسطة ومرتفعة الدخل» على «دراسات سابقة قامت بها على اليمن والبحرين ومصر» وبحسب إشارتها في التقديم إليها «ترتب على ذلك أن أغلب المراجع المشار إليها في متن البحث هو للباحثة نفسها (ضمن 32 مرجعاً معظمها اشتغلت عليه في الدول المذكورة)». تبدأ الباحثة بالاختلاف في قيمة الناتج المحلي وعدد السكان وأهم القطاعات. تعرج الباحثة إلى أنواع الفقر في الدول الثلاث موضوع الدراسة، مروراً إلى «الفقر المطلق والنسبي وتوزيع الدخل في الدول الثلاث» ومتاخمة لمؤشرات توزيع الدخل موضوعياً وتقدير مجموعات الدخل (الإنفاق) ووقوفاً على أسباب الفقر على المستوى الكلي وأسبابه وصولاً إلى سياسات مجابهة الفقر في الدول الثلاث لتخلص إلى أن هناك «علاقة عكسية بين مستوى الفقر ومدى انتشاره، وبين المساعدات الاقتصادية والاجتماعية المقدّمة إلى فئة الفقراء ومنخفضي الدخل».

أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية وجيه قانصو في ورقته «مخاطر الانحراف الطائفي على الثورات العربية» يذهب إلى معالجة الموضوع بوصف الطائفية «نظاماً علائقياً خاصاً يقوم بين السلطة والمجتمع من جهة، والمجتمع والفرد من جهة أخرى، وهي (الطائفية) انعكاس لخريطة توزيع القوة، وأثر من آثار تعريف الفرد وتحديد موقعه ومكانته في المجتمع، والحدود المسموح له ممارسة فعله السياسي فيها».

يذكّر قانصو في ورقته بأن «الطائفة أقل من المجتمع وأكثر من الفرد، ولابد لها من جامع يجمعها ويميّزها عن غيرها من الجماعات، ويخلق حيّزها الخاص والمستقل داخل المجتمع الأوسع؛ إذ تحمل الطائفة في ثناياها معنى التقسيم والفرز داخل المجتمع؛ لتتميّز في داخله الجماعات ذات الثقافة الخاصة والعصبيّة الجامعة».

قانصو يشير إلى أن بحثه «غير معني بالطائفة بصفتها كياناً دينياً خاصاً ومتميزاً داخل المجتمع؛ بل هو معنيٌّ بوظيفة الطوائف، وبالمنطق السياسي الذي يهب لهذه الوحدات الاجتماعية دوراً سياسياً محدداً، وربما فعلاً مُفجّراً وصاعقاً في الأوضاع المتأزمة والحالات الانتقالية، كما هي الحال في الربيع العربي».

«التميّز القبطي واستبعاد الدولة في مصر» لمدرّسة العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، مي مسعد، عنوان فيه إيحاء لعب على الطرف الممسك بالقوة وموضوع الاستبعاد.. التهميش. تلك القنبلة الموقوتة التي قادت إلى ما قادت إليه من تفجّر أوضاع وخلخلة أنظمة، وفي المستقبل إعادة رسم خرائط. القوى الممسكة بورقة الابتزاز لن تترك المشهد يتشكّل بحسب إرادات المنطقة التي يحدث فيها فعل التغيير. هي الأخرى مشغولة باللعب على وتر الأقليات في صورة أو أخرى. يصعد اللعب في مكان ويهبط مؤقتاً في مكان آخر. لكنه يظل لعباً في نهاية المطاف على خلخلة التجانس الذي تم واستمر لقرون طويلة. ذلك لا يعني أن الأمر كله موكول إلى النظرية المؤبّدة عربياً (المؤامرة).ثمة تآمر من الداخل لا يقل خطورة وصراحة في التعاطي مع ذلك الملف الكريه. والكريه بامتياز وخصوصاً في الأزمات.

تعتبر مسعد في دراستها العلاقة بين الدولة وأي جماعة دينية «إحدى معضلات العلاقة بين الدّين والسياسة في أي مجتمع؛ لأن لجوء الدولة إلى استخدام الدّين لتحقيق أهدافها السياسية، يدفعها حتماً إلى التصادم مع الجماعات التي تدين بهذا الدّين، ويزيد الأمر تعقيداً إذا كان الدّين يحتل موقعاً في المجتمع لا يمكن الاستهانة به، ولا التقليل من شأنه».

حاولت الدراسة تحليل العوامل التي أدّت إلى تنامي الخصوصية القبطية في مواجهة استبعاد الدولة، تحت وطأة النظام السابق. وتذكّر مسعد بأن هذا الاستبعاد لم يبن على أسس دينية؛ وإنما كان استبعاداً غير موجّه إلى الأقباط بصفتهم جماعة دينية، لكن تعدّدت العوامل التي أدّت إلى لجوء الأقباط إلى تفسير هذا الاستبعاد على أسس دينية.

المستشار الإقليمي في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا بالإسكوا، أديب نعمة يدرس الحالة اللبنانية عبر دراسته»استطلاع مؤشر الرأي العام العربي 2010 - 2011.

مستشار أول في سياسة التنمية والتخطيط والتقييم دارم البصّام يراجع مشروع قياس الرأي العام العربي عبر دراسته «الرأي»و»العام» في مسوحات الرأي العام».. يرى فيها أن العثرة الرئيسة من خلال طرح التساؤل المشروع عن حجم الاتساق بين السياسات الحكومية في بلداننا العربية ونبض الرأي العام ومداه.

ويرى البصّام أنه «من المألوف في الحكومات الديمقراطية المنتخبة أن المساءلة العمودية هي أساس الشرعية وعليه من المفترض أن تكون هناك درجة عالية من التفاعل الإيجابي بين الحكومة والرأي العام إلا أن الدلائل الإمبريقية (الخبرة التي مصدرها الحواس) على ذلك تبقى مختلفة فالبعض من الدراسات أوضح أن هناك اتساقاً بين السياسات الحكومية ومواقف الأغلبية التي يعبر عنها الرأي العام في حين تشير دراسات أخرى إلى وجود درجة متدنية في مثل هذا الاتساق».

في مراجعة الكتب يعرض أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بجامعة منّوية في تونس، عبداللطيف الحنّاشي لكتاب «الثورة التونسية المجيدة: بنية ثورة وصيرورتها من خلال يومياتها للكاتب والمفكر العربي عزمي بشارة.

كما يعرض الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، نيروز ساتيك، لكتاب «الطائفة والتاريخ والعنف في لبنان القرن التاسع عشر تحت الحكم العثماني» لأسامة مقدسي.

اختتمت الدورية بعرض أوراق وبحوث المؤتمر السنوي للعلوم الاجتماعية والإنسانية الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة للفترة مابين 24و26 مارس/ آذار 2012. المجلة اختارت هيئة تحرير مكونة من: محمد جمال باروت، زهير حامدي، طاهر كنعان، علي عبدالقادر وهدى حوا.المجلس الاستشاري تكوّن من: إبراهيم العيسوي، أدونيس العكرة، امحمد مالكي، أنطوان زحلان، باقر النجار، ثناء فؤاد عبدالله، جورج جقمان، حسن حنفي، حسن نافعة، دارم البصام، رشدي راشد، سعيد بنسعيد العلوي، صبري حافظ، طارق إسماعيل، طيب تيزيني، عبدالسلام المسدّي، عبدالله ساعف، عزيز العظمة، علي خليفة الكواري، فاديا كيوان، فاطمة الشامسي، فهمي جدعان، كريمة كريم، كمال عبداللطيف، محمد جاسم الموسوي، محمد سبيلا، محمد السيد سليم، محمود عبدالفضيل، مسعود ضاهر، مصطفى عقيل محمود، مصطفى كامل السيد، وليد عبدالحي، ويوسف فضل حسن.

احتوى العدد لوحات للفنان السوري ميشيل الكرشة، المولود في دمشق العام 1900م. درس الفنون في فرنسا، وله لوحات عديدة موزعة في عدد من دول العالم. توفي العام 1973م في ولاية نيويورك في الولايات المتحدة ودفن هناك.لوحات كرشة رصدت العمران الشرقي بجوانب من حضور بشره.

ما غاب عن المجلة الرصينة في محتواها، وفي نسختها الورقية هو ملخصات البحوث باللغة الانجليزية. تلك منهجة أزعم أنها لن تغيب عن الأعداد المقبلة.

العدد 3689 - الجمعة 12 أكتوبر 2012م الموافق 26 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً