تناولنا في الفصول السابقة طرق اشتقاق اسم الفاعل وأوزانه المختلفة وكيف انقسمت اللهجات الرئيسية في البحرين إلى لهجات فرعية وذلك بحسب حركة الحرف ما قبل الأخير من اسم الفاعل والتي قد تكون الكسرة أو الفتحة أو الضمة، وقد أوضحنا وجود خمس لهجات فرعية في البحرين، بحسب حركة هذا الحرف، اثنتان في لهجة العرب وثلاث في اللهجة البحرانية. في هذا الفصل سنتناول ما يعرف بـ «اسم الفاعل العامل عمل الفعل»، وهو اسم فاعل يعمل عمل فعله، فإن كان لازماً رفع الفاعل، وإن كان متعدياً رفع الفاعل ونصب المفعول به. ولا يكون اسم الفاعل عاملاً إلا إذا كان يبدأ بالألف واللام، فإن لم يكن كذلك فحتى يصبح عاملاً فله عدة شروط، ولن نتناول هنا تلك الشروط بالتفصيل ولكن سنتناول حالة واحدة فقط وهي كون اسم الفاعل نكرة، أي لا يبدأ بالألف واللام، والفاعل ضمير مستتر، ففي هذه الحالة يعمل اسم الفاعل عمل الفعل فيرفع الفاعل دون شرط. وسنتناول هنا اقتران اسم الفاعل بضمائر النصب والجر المتصلة كياء المتكلم وكاف المخاطبة، وفي هذه الحالة يجب التفريق بين نوعين من أنواع أسماء الفاعل وهو اسم الفاعل العامل واسم الفاعل الدال على التملك أو شبيهه؛ على سبيل المثال: فلان معلّمي، أي أستاذي، ولكن عندما نقول «مُعلمُنِّي» (تنطق عند العامة إمْعلمنِّي) فيقصد بها من يقوم أو قام بتعليمي فهو اسم فاعل عامل والفاعل ضمير مستتر والياء في محل نصب. لاحظ هنا إضافة حرف النون بين اسم الفاعل والضمير، هذه النون هي موضع بحثنا؛ حيث إن هناك مذهبين عند اللغويين فيما يخص هذه النون، الأول وهو مذهب اللغة العربية الفصحى حيث تضاف النون مع ياء المتكلم فقط، وهناك مذهب آخر يجوّز أصحابه تعميم إضافة هذه النون مع عددٍ من الضمائر المتصلة الأخرى. وبمثل ذلك الانقسام في اللغة تنقسم اللهجات في البحرين؛ فتتبع اللهجة البحرانية مذهب من يعمم إضافة النون فتعمم إضافتها مع جميع الضمائر المتصلة، بينما تتبع لهجة العرب مذهب الغالبية فتقتصر على إضافة النون مع ياء المتكلم. ولتسهيل دراسة تصريف اسم الفاعل في اللهجات المتحدث بها في البحرين سنقسم أسماء الأفعال إلى مجموعتين رئيسيتين:
1 - أسماء الأفعال التي تبدأ بالميم.
2 - أسماء الأفعال المضعفة العين والتي تبدأ بالهمزة المكسورة (مثل إمْعَلِّم).
ولكن قبل ذلك سنتطرق لتصريف اسم الفاعل العامل مع الضمائر المتصلة في اللغة العربية الفصحى بصورة عامة.
اسم الفاعل ونون الوقاية
في اللغة العربية الفصحى تضاف ضمائر النصب والجر المتصلة إلى اسم الفاعل العامل دون حدوث أي تغيير في اسم الفاعل، باستثناء حالة واحدة وهي إسناده إلى ياء المتكلم، يقول الغلاييني في كتاب «جامع الدروس العربية»:
«إذا لحقت ياءُ المتكلم الفعل أو اسم الفعل، وجب الفصلُ بينهما بنونٍ تُسمى (نون الوقاية)، لأنها تَقي ما تَتَّصلُ به من الكسر (أي: تَحْفَظُهُ منهُ)» (الغلاييني 1993، ج1 ص 118).
فإذا أردنا تصريف اسم فاعل وليكن (ضارب) في اللغة العربية الفصحى فيمكننا اتباع النموذج الذي ذكره شمس الدين أحمد ديكنقوز في كتاب «شرحان على مراح الأرواح في علم الصرف»:
«تقول ضاربه ضاربهما ضاربهم ضاربها ضاربهما ضاربهن ضاربك ضاربكما ضاربكم ضاربك ضاربكما ضاربكن ضاربني منتهيا «إلى ضاربنا» ولفظ المجرور كلفظ المنصوب المتصل وذلك بحمله عليه» (مصطفى البابي 1959، ص 40).
والمرجح عند غالبية اللغويين أن النون هي نون الوقاية إلا أن هناك مذهب من يرى أن هذه النون هي تنوين (سنأتي على تفاصيل ذلك في الفصل القادم)، جاء في كتاب «ارتشاف الضرب من لسان العرب» لأبي حيان الأندلسي:
«وأما لحاق النون اسم الفاعل نحو: أمُسلمُني؛ فقيل: هي نون الوقاية، وإليه ذهب ابن مالك وقال فيه: إنه قد تلحقه، وذهب غيره إلى أنه تنوين وهو مذهب هشام، وأجاز: هذا ضاربُنك، وضاربُني بالتنوين، والكاف والياء في موضع نصب» (مكتبة الخانجي 1998، ص 925).
ويلاحظ هنا أن مذهب هشام هو تعميم إضافة النون مع عددٍ من الضمائر المتصلة، وقد جاء في موضع آخر من الكتاب السابق نفسه:
«وأجاز هشام إثبات التنوين والنون نحو: هذا ضاربُنك، وهذان ضاربانك، وهؤلاء ضاربونك، وهذا ضاربُني، وهؤلاء ضاربوني». (مكتبة الخانجي 1998، ص 2275).
اسم الفاعل المبدوء بالميم
عند إسناد اسم الفاعل إلى ضمائر النصب والجر المتصلة في لهجة العرب فإنه يصرف كما في العربية الفصحى، على سبيل المثال، ضارب يصبح: ضاربني (المتكلم)، ضاربنا (المتكلمون)، ضاربچ (المخاطبة)، ضاربك (المخاطب)، ضاربكم (المخاطبون)، ضاربه (الغائب)، ضاربها (الغائبة) ضاربهم (الغائبون).
أما في اللهجة البحرانية فتضاف نون (إما مشددة أو مخففة) بين اسم الفاعل والضمير المتصل، أي كما في مذهب هشام السالف الذكر، فيصبح اسم الفاعل ضارب، على سبيل المثال، كالتالي: ضاربِنِّي (المتكلم)، ضاربنِّا (المتكلمون)، ضاربنِّش (المخاطبة)، ضاربنِّك أو ضاربِنِّچ (المخاطب)، ضاربنِكم (المخاطبون)، ضاربنِّه (الغائب)، ضاربنِها (الغائبة) ضاربنِهم (الغائبون). لاحظ أن اسم الفاعل المسند إلى المخاطبين والغائبة والغائبين، أي ضاربنِكم وضاربنِها وضاربنِهم، لا تكون فيه النون مشددة. ويذكر أن النون هنا مبنية على الكسر لا تتغير حركتها إلا في حالة نادرة فقط وهي عند اقتران اسم الفاعل بضمير المخاطب؛ ففي هذه الحالة هناك فريق يميل إلى الضم؛ كون الكاف من حروف الاستعلاء، فيقال، على سبيل المثال، ضاربنُّك بتشديد النون وضمها، وفي الوقت الراهن لا يمكن تحديد منطقة جغرافية بعينها تنطق هذه النون بالضم إلا أن انتشار هذه الظاهرة أصبح محدوداً، علماً أن الالتزام بضم الحرف المجاور لحرف استعلاء (سواء في اسم الفاعل أو غيره من الأسماء) هي سمة في لهجة منطقة جدحفص، إلا أن هذه الظاهرة أخذت في الانحسار والاقتصار على تراكيب معينة.
اسم الفاعل المضعف المبدوء بالهمزة
اسم الفاعل المشتق من الفعل الثلاثي المزيد المضعف (يُفَعِّل) عند العامة في البحرين يكون على وزن إمْفَعِّل حيث إن مضارعه يكون عندهم على وزن إيْفَعِّل مثل إيعلِّم تصبح إمعلِّم وعند إضافته إلى الضمائر المتصلة يصبح: إمعلمنِّي (المتكلم)، إمعلمنِّا (المتكلمون)، إمعلمنِّش (المخاطبة)، إمعلمنِّك أو إمعلمنِّچ (المخاطب)، إمعلِّمنِكم (المخاطبون)، إمعلمنِّه (الغائب)، إمعلّمنِها (الغائبة) إمعلَمنِهم (الغائبون). لاحظ تخفيف تشديد عين اسم الفاعل، أي حرف اللام، وذلك بسبب الاستثقال الحادث لاجتماع تشديدين متقاربين.
الأصل في إضافة النون
إن ظاهرة تعميم إضافة حرف النون بين اسم الفاعل والضمير المتصل مع جميع الضمائر المتصلة ليست ظاهرة مقتصرة على اللهجة البحرانية فهي توجد في لهجة القطيف في شرق الجزيرة العربية وفي عدد من لهجات الإمارات العربية المتحدة ولهجات عمان واللهجات الحضرمية في اليمن، وتنتشر كذلك في لهجات أخرى خارج شبه الجزيرة العربية (Holes 2012) و(القصاب 2002، الواحة العدد 26). ولكن متى ظهرت هذه الظاهرة؟ وأين ظهرت؟ ومن أين جاءت؟ وكيف انتشرت من منطقة التكون لباقي المناطق؟ هذه الأسئلة وغيرها كانت محل بحث عند العديد من الباحثين بدءاً من نهاية القرن التاسع عشر وحتى العام 2012م، وفي الفصل المقبل سنحاول تلخيص أهم النتائج التي توصل لها أولئك الباحثون.
العدد 3745 - الجمعة 07 ديسمبر 2012م الموافق 23 محرم 1434هـ
ده ويه
ما فهمت شي!!