العدد 3759 - الجمعة 21 ديسمبر 2012م الموافق 07 صفر 1434هـ

«المبني للمجهول» في اللهجة البحرانية

الفعل المبني للمجهول، في اللغة العربية الفصحى، هو الفعل الذي يُحذف فاعله ويُجعل المفعول به نائباً عنه، نحو أُكِل الطعام. ويصاغ الفعل المبني للمجهول من الفعل الثلاثي الصحيح على وزن فُعِل (في الماضي) ويُفعَلُ (في المضارع)، وتتغير صيغة المبني للمجهول بحسب نوعية الفعل إذا كان مزيداً أو رباعياً، ولن نناقش هنا كل تلك الصيغ فجميعها لا تستخدمها العامة؛ حيث سقط المبني للمجهول من اللهجات العامة، ولكن ليس بصورة قطعية، واستعيض عنه بأوزان أخرى. وتبين الدراسات التي أجراها كل من مهدي التاجر (Al-Tajir 1982, pp. 81-82)، و Clive Holes في العام 1998م، وسيدشبر القصاب (القصاب 2010، الواحة، العدد: 24)، أن الفعل المبني للمجهول أكثر استعمالاً في اللهجات الحضرية في شرقي الجزيرة العربية، أي اللهجة البحرانية واللهجة القطيفية واللهجة العمانية الحضرية، مقارنة باللهجات ذات الأصل القبلي؛ والذي يكاد ينعدم فيها الفعل المبني للمجهول. وتبين تلك الدراسات أيضاً وجود ثلاث طرق لصياغة الفعل المبني للمجهول في اللهجات الحضرية لشرقي الجزيرة العربية:

-1 يصاغ كما في اللغة العربية الفصحى ولكن بكسر أوله.

-2 استخدام صيغ أفعال المطاوعة، وهي افتعل وانفعل واتفعل (للماضي) ويفتعل وينفعل ويتفعل (للمضارع)، وهي بذلك تتشابه مع اللغة الآرامية واللغة العبرية.

-3 استخدام صيغة الفعل المسند لواو الجماعة.

المبني للمجهول في اللهجة البحرانية

صيغة الفعل المبني للمجهول نادرة الاستخدام في اللهجة البحرانية ولا يوجد إلا عدد بسيط من الأفعال التي تم رصدها في هذه اللهجة من مثل «يِسگى» (في الفصحى يُسقَى)، وإخلِگت (خُلِقتُ)، وخِلگت (خُلِقَت).

أفعال المطاوعة واللغات السامية الأخرى

أفعال المطاوعة مثل انكسر وانهمر واهتز واندحر، وفكرة هذه الأفعال شبيهة بفكرة المبني للمجهول ففي كلا النوعين يغيب الفاعل، فالمطاوعة على ما جاء وصفها في شرح الشافية للاستراباذي هي التأثر وقبول أثر الفعل نحو: كسرته فانكسر: أي تأثر بالكسر، «فالمطاوع في الحقيقة هو المفعول به الذي صار فاعلاً نحو: باعدت زيداً فتباعد، المطاوع هو زيد لكنهم سموا فعله المسند إليه مطاوعاً مجازاً» (دار الكتب العلمية 1982، ج1 ص 103). وفاعل أفعال المطاوعة مؤثر خارجي، فلا يمكن لشيء أن يهتز من نفسه دون مؤثر خارجي أو أن يندحر جيش بمحض إرادته أو ينكسر زجاج بنفسه. وعليه، فليس من الغريب أن تستخدم العامة صيغ المطاوعة بدلاً من صيغ المبني للمجهول كما فعلت معظم اللغات السامية؛ حيث إن الأوزان افتعل واتفعل تستخدم في اللغة الآرامية كصيغ للفعل المبني للمجهول (برجستراسر، مكتبة الخانجي، 1994، ص 92)، وأما الصيغة الثالثة وهي انفعل فتوجد في العبرية، وهي هناك على وزن (نِفعَل) (عبدالتواب 1999، ص 49).

صيغة «افتعل» و«يفتعل»

رصد Clive Holes أثناء دراسته للهجات في البحرين عدداً من صيغ المبني للمجهول والتي نشرها في بحثٍ مفصل العام 1998م، ومن تلك الصيغ توجد صيغتان غريبتان للفعل الأجوف، والذي تشتق وهما: إبتاگ (إبتاق أي سُرِق) (رصدها في المنامة)، وكذلك إبتاع، أي بِيع (رصدها في كرانة) (Holes 1998). لقد جاء المبني للمجهول، في هذه الحالة، على وزن (افتعل)، والمشهور أن الفعل الثلاثي الأجوف يصاغ منه المبني للمجهول على وزن (انفعل) أي يقال إنباگ وإنباع بدلاً من إبتاگ وإبتاع.

صيغة «انفعل» و«ينفعل»

يصاغ الفعل المبني للمجهول من الفعل الثلاثي الصحيح أو المعتل على وزن (انفَعَل) في حالة الماضي وينفعل في حالة المضارع وبينفعل في حالة المستقبل، وتشمل هذه الأفعال: المهموز (مثل: إنّأكل، ينأكل، بينأكل)، والثلاثي المضعف (مثل: إنمدت، تِنمَد، بِتِنمَد)، والثلاثي المثال (مثل: إنوَلَد، ينوِلد، بينوِلد)، والثلاثي الأجوف (مثل: إنجاب، ينجاب، بينجاب)، والثلاثي الناقص (مثل: إنشَكى، يِنشَكى، بِيِنشَكى) وكما في القول السائر: «علة ... ما تِنحَچى ولا تِنشَكى»، والفعل اللفيف مثل شوى حيث يصبح: إنشوى ويِنشَوي وبيِنشَوي. وهناك تباين في اشتقاق المبني للمجهول من الثلاثي المهموز؛ فهناك من يكسر الهمزة في حالة المضارع والمستقبل، مثال: ينإكِل وبينإكِل وهذه اللهجة منتشرة في جزيرة سترة وقرى الساحل الشرقي المجاورة لها. وكذلك تتباين، في اللهجة البحرانية، صيغ المبني للمجهول المشتق من الثلاثي الصحيح؛ أي أن هناك لهجات بحرانية فرعية.

اللهجات البحرانية الفرعية

في اللهجة البحرانية يصاغ الفعل المبني للمجهول من الفعل الثلاثي الصحيح على وزن انّفَعَل في حالة الماضي، وللمضارع على الأوزان: يِنفِعِل أو يِنفَعَل أو يِنفُعُل، أما المستقبل فيصاغ بإضافة حرف الباء للمضارع المجهول أي يصبح على الأوزان: بينفِعِل أو بينفَعَل أو بينفُعُل. ويلاحظ من الأوزان السابقة للفعل المضارع المبني للمجهول أن اللهجة البحرانية تنقسم إلى لهجات فرعية وذلك بحسب حركة فاء وعين «ينفعل»؛ وفي الواقع يوجد أربع لهجات بحرانية فرعية؛ ثلاث منها تعتبر من اللهجات البحرانية العتيقة أما الرابعة فلهجة متطورة من اللهجتين الأولى والثالثة.

اللهجة الفرعية الأولى، وتنتشر في المنامة وجدحفص والمناطق المجاورة لها وهي اللهجة البحرانية الوحيدة التي وصفها مهدي التاجر في كتابه عن اللهجة البحرانية وذلك في تصريف المبني للمجهول من الفعل ضرب (Al-Tajir 1982, pp. 81-82)، وتتميز هذه اللهجة الفرعية بضم الفاء إذا كانت العين أحد حروف الاستعلاء، (وهي: الخاء، والراء، والصاد، والضاد، والغين، والقاف والـ?اف الفارسية، والكاف الفصحى)، كما في الفعل ضَرَب، حيث يصبح: إنْضَرَب (في الماضي) ويِنّضُرُب (في الحاضر) وبينضُرُب (في المستقبل). وفي حال كانت العين حرف آخر وليست من حروف الاستعلاء فإن الفاء تكون مفتوحة، مثال الفعل رفس (أي ركل)، حيث يصبح في حالة المبني للمجهول: إنرَفَس وينرَفَس وبينرَفَس، وهذا التصريف لم يتطرق له التاجر في كتابه.

أما اللهجة الفرعية الثانية فهي تنتشر في جزيرة سترة وقرى الساحل الشرقي المجاورة لها (العكر، النويدرات، المعامير، سند، جرداب، جد علي، توبلي)، وتتميز هذه اللهجة بالمحافظة على كسر الفاء حتى مع حروف الاستعلاء، فيقال في تصريف ضَرَب: إنْضَرَب (في الماضي) ويِنضِرب (في الحاضر) وبينضِرب (في المستقبل). إلا أن بعض سكان هذه المناطق يضم الفاء مع حروف الاستعلاء فيقولون: يِنضُرُب.

أما اللهجة الفرعية الثالثة، وهي لهجة الأجيال القديمة في بقية المناطق البحرانية، فإنها لا تعترف بتأثير حروف الاستعلاء، ولكنها تتأثر بالضمائر المتصلة؛ ففي حال أن الفعل المبني للمجهول متصل مع ضمائر المتكلم أو المخاطب، المفرد أو الجمع بنوعيهما، فإن فاءه تكسر؛ مثل «إحنا بِننضِرِب» و»أنته تنضِرِب» وكذلك «إذا رحت (أي ذَهَبتَ) بِتنضِرِب». أما إذا اتصل مع ضمائر الغائب، المفرد أو الجمع بنوعيهما، فإن فاءه تفتح؛ مثل «هو ينضَرَب» و «إذا راح (أي ذهب) بينضَرب». ومثلها بقية الأفعال مثل: نِنرِفِس وتنرفِس وينرفَس.

وأما اللهجة الفرعية الرابعة، فهي متطورة عن اللهجة الأولى والثالثة. وفي هذه اللهجة تم تعميم فتح فاء وعين المبني للمجهول وترك الضم والكسر أي تعميم الوزن يِنفَعَل دون النظر لحروف الاستعلاء أو الضمائر المتصلة، فيقال فيها: ينضَرَب وبينضَرَب، وتنضَرَب وبتنضَرب. وهذه اللهجة أخذت في الانتشار على حساب اللهجة الفرعية الأولى واللهجة الفرعية الثالثة.

الأوزان «اتفعل» و«يتفعل»

مجموعة الأوزان الثالثة التي طورتها اللهجة البحرانية وبقية اللهجات الحضرية في شرقي الجزيرة العربية لصياغة الفعل المبني للمجهول هي اتفَعَل (للماضي) ويتفَعَل (للمضارع) وبيتفعل (للمستقبل)، وهذه الأوزان لا تأتي من فعل ثلاثي، سواء كان سالماً أم معتلاً، لكنها تأتي من الأفعال المضعفة المزيدة بحرف واحد السالمة والمعتلة والتي تشمل: المزيد المضعف الصحيح (مثل: إتگطَّط، يتگطَّط، بيتگطَّط، بمعنى رُمِي بصورة مبالغ فيها)، والمضعف المثال (مثل: إتوقَّف، يتوقَّف، بيتوقَّف)، والمضعف الأجوف (مثل: إتصَوَّب، يتصَوَّب، بيتصَوَّب)، والمضعف الناقص (مثل: إتربَّى، يتربَّى، بيتربَّى)، والمضعف اللفيف (مثل: إتسوَّى له، يتسوَّى له، بيتسوَّى له).

الفعل المسند إلى واو الجماعة

تنوب صورة الفعل المسند إلى واو الجماعة عن الفعل المبني للمجهول المشتق من الأفعال اللازمة مثل مات وطاح حيث تصبح: موتوه وطيحوه. وكذلك المشتقة من الأفعال المزيدة التي تأتي على وزن «انفعل» وهي الأفعال التي تعرف باسم أفعال المطاوعة مثل انكسر وانخفس، وانعفس؛ حيث تصبح: كسروه، خفسوه، عفسوه.

العدد 3759 - الجمعة 21 ديسمبر 2012م الموافق 07 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:33 ص

      شكرًا

      أتابع سلسلة دراستكم المحكمة المتخصصة في اللهجة البحرانية بكل تقدير واحترام لمجهودكم، ولكن مثل هذه الدراسات الكتبية لا يفهمها إلا من استوعب مقدمات إدراك مدلولاتها؛ وعليه أقترح بأن تشرحها معتمدا على الأمثلة اللفظية في أفلام فيديو ترفع على اليوتيوب

اقرأ ايضاً