العدد 3759 - الجمعة 21 ديسمبر 2012م الموافق 07 صفر 1434هـ

عاب على الزين «سياقيته» وأخْذه بالعموميات ليقع فيهما

باقادر في «الإسلام والأنثروبولوجيا»...

ضمن سلسلة إصدارات مركز دراسات فلسفة الدِّين والكلام الجديد في بغداد، التي يرأس تحريرها أحد روّاد علم الكلام الجديد، المفكر العراقي عبدالجبار الرفاعي، يأتي كتاب «الإسلام والأنثروبولوجيا» لأستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك عبدالعزيز، في المملكة العربية السعودية، أبوبكر باقادر، متضمّناً 13 فصلاً هي كالآتي بعد المقدِّمة: أسْلمة العلوم الاجتماعية، إشكاليات أسْلمة العلوم الاجتماعية، الرؤية المتبادلة بين الإسلام والغرب من زاوية إناسة، الإسلام والخطاب الأنثروبولوجي المعاصر، «العلماء من الدراسات التاريخية إلى الدراسات الأنثروبولوجية، المجتمع المدني في المجتمعات العربية المسلمة - مقاربة أنثروبولوجية، العالم العربي والنص الأنثروبولوجي الجديد، السجلاّت العدّْلية وأهميتها في دراسة الخطاب الأنثروبولوجي والتاريخ الاجتماعي - الثقافي المبكّر في العالم العربي، الباحث: كائن اجتماعي ثقافي يبحث عن هوية، الإسلام والغرب، صورة العرب في بعض الكتابات الغربية، تأملات في أطروحات فرانسيس فوكوياما: نهاية التاريخ، وسوسيولوجيا الرياضة.

باقادر في كتابه «الإسلام والأنثروبولوجيا» يعيب في إحدى كتاباته التي لم يضمّنها كتابه، على عالم الأنثروبولوجيا عبدالحميد الزين، قبل 16 عاماً، في مقالته «ما بعد الأيديولوجيا واللاهوت» التي رأى أنها «محاولة جريئة؛ لكنها لم تكن مفيدة في النهاية. فلقد ربطت فكرة وجود صيغ متعدّدة للإسلام، تعتبر كلها بدرجة متساوية حقيقية، وتستحق الوصف، بصورة محيّرة، وتأكيد أنها في النهاية عبارة عن تمظهرات لمنطق تحتي لا واعي. وقد قاده هذا الانزلاق العجيب من أنثربولوجيا سياقية إلى عموميات ليفي شتراوس إلى الجملة النهائية في مقالته تلك: «وهكذا يذوب أو يتحلل الإسلام كوحدة تحليلية».

مجمل ما طرحة باقادر لم يتعدّ الأنثروبولوجيا السياقية والعموميات أيضاً، تلك التي عاب على الزين تبنّيه وتورطه بهما!

قبل الدخول في استعراض للكتاب، من الضروري الرجوع إلى المقدّمة التي تصدّرت تعريب أبوبكر باقادر لكتاب «أنثروبولوجيا الإسلام» لأستاذ الأنثربولوجيا بجامعة هل البريطانية، طلال أسد، وبالمناسبة له كتاب لا يقل أهمية بعنوان «الأنثروبولوجيا والاستعمار»، ودراسة عن بدو الكبابيش في السودان. ينطلق باقادر في مقدمته لكتاب أسد بتناول أهم سمات الخطاب الجديد «في محاولته ربط نظرية العلوم الاجتماعية بالمرتكزات الفلسفية لهذه العلوم، بل إنه قد وضع الأخير موضع تساؤل؛ فضلاً عن ادّعائه الأخذ بالاعتبار للأبعاد التاريخية والسياسية وتطلعات الناس. إن ما يحاول القيام به المشتغلون بهذا النوع من الخطاب هو النفاذ إلى جوهر وحقيقة الإسلام والمجتمعات التي تقوم على أساسه، في محاولة جادّة تقوم على فهم وتمثّل ما يراه المسلمون. وليس بإسقاط مفاهيم خارجية على مجتمعاتهم».

يعرّج باقادر على أبرز شخصيات هذا الخطاب غيلنر وغيرتس وهما شخصيتان متعارضتان في المفاهيم والمناهج والفلسفة، ولكل واحد منهما أتباعه ومؤيدوه، يدرِّس الأوَّل حالياً في جامعة كامبردج الإنجليزية، والثاني في جامعة برنستون بأميركا.

يركز باقادر في مقدمته لكتاب طلال أسد على قراءة خطاب غيلنر ذاته لكونه يترجم رؤية الغرب لعالم الإسلام ويشكّل صورته على مقاييسه كغرب.

يبدأ باقادر طرح سؤال في المقدمة نصّه: ما هو المقصود على وجه التحديد بأنثربولوجيا الإسلام؟ وما هو موضوعها؟ الإجابة ترتكز على ثلاثة عناصر: لا يوجد، في التحليل النهائي، موضوع نظري مادته هي الإسلام، وأن الإسلام عبارة عن مجرد بطاقة تعريف أنتربولوجية لمجموعة غير متجانسة من الأشياء ينعتها الإخباريون بالإسلام، وأن الإسلام شمولية تاريخية متميّزة تنتظم جوانب مختلفة من الحياة الاجتماعية، حيال هذه الإجابات.

عودة إلى الكتاب موضوع الاستعراض، بعد تعريف الأنثروبولوجي بأنه مصطلح من لفظين يونانيين، الأول أنثربوس ويعني الإنسان، والثاني لوجوس ويعني «علماً»، والمعنى الاشتقاقي هو «علم الإنسان»، وبعض العلماء يعرِّفونه بأنه علم ثقافة الشعوب أو علم دراسة الإنسان وأعماله أو علم ثقافة المجتمع.

يقسّم باقادر الرؤى أو الفهم فيما يتعلق بأسْلمة العلوم الاجتماعية، فهناك من يفهم أن عملية الأسلمة تعتمد أساساً على فلسفة علوم إسلامية، بمعنى أن الباحث المسلم ينطلق أساساً من نظرة فلسفية لدراسة أي ظاهرة كانت، ومنها الظواهر الاجتماعية على أساس من نظرته هذه التي يستمد أصولها من نظرة الإسلام لدراسة الظواهر والأشياء، فيما يُعنى فريق آخر بأهمية العنصر الأخلاقي والالتزام المعياري (Normative) بمثل أو قيم مسبقة في دراسة الظواهر الاجتماعية وعلى أساس تقويم مسبق ينطلق من القيم بغضّ النظر عن التصور الفلسفي في دراسة الظاهرة الاجتماعية.

ويرى فريق آخر أن الأهمية في أسلمة العلوم الاجتماعية تكمن أساساً في طريقة المعالجة والقضايا المطروحة للدرس والبحث بمعنى أن اهتمامات الباحث المسلم يوجّهها ويقيّدها تصوّره وعقيدته الإسلامية. ويرى فريق رابع أن الأسلمة تعني أن الاهتمامات التي يهدف الباحث الاجتماعي المسلم إليها، هي دراسة الواقع بغضّ النظر عن المدرسة الاجتماعية أو الطريقة المستخدمة في دراسته ومقارنتها بالصورة الإسلامية الصحيحة المتمثلة في حياة وسيرة النبي (ص) والصحابة الكرام والسلف الصالح ودراسة أسباب الانحراف عن الصورة الإسلامية.

في الفصل الثالث: الرؤية المتبادلة بين الإسلام والغرب من زاوية إناسة، يعرض باقادر أربع نظريات: النظرية الانقسامية، التي طوّرها وأبدعها إيفانز برتشارد في دراساته على مجتمع النوير في جنوب السودان، والنوير قبيلة نيلية وثنية تعيش في جنوب السودان، وكانت موضع العديد من الدراسات الأنثروبولوجية، مجسدة لفكرة البناء القبلي العاجز عن تشكيل مجتمعات غير قرابية. أما النظرية البطريكية، فاهتمت بتأكيد أن السمة الغالبة على المجتمعات التقليدية تاريخياً الاهتمام بسلطة كبار السن والذكور منهم خصوصاً، ومن ثم فإن أبرز اهتمامات هذه النظرية مسألة السلطة وكيفية الحفاظ عليها وتداولها في أيدي فاعلين محدّدين.

النظرية الفسيفسائية تؤكد أن المجتمعات العربية عبارة عن وحدات ثقافية جامدة ومحافظة ومستقلة عن بعضها، بحيث لا تتفاعل مع بعضها بعضاً، ولا تشكّل في ما بينها هوية مشتركة على مستوى الوطن أو الأمة.

أما نظرية/ نظريات أسلوب الإنتاج الآسيوي، فتتجلّى في ملاحظة ماركس أثناء نقده للرأسمالية وتاريخها في المجتمعات الغربية، أن التجربة التاريخية الغربية إجمالاً لا يمكن تعميمها على العديد من المجتمعات. وفي نظر ماركس، هناك أسلوب إنتاج يختلف عن أسلوب الإنتاج الإقطاعي وهو لا يؤدّي إلى تحوّل المجتمع إلى أسلوب الإنتاج الرأسمالي وهو يتميّز بأنه ينتشر في مجتمعات زراعية وفي قرى كبرى، السلطة فيها يتم تداولها بين أسر حاكمة أو نخب قيادية تحافظ على استمرار بنية المجتمع وتماسكها.

في النظرية السلطانية، تلك التي أطلقها ماكس فيبر في وصف المجتمعات الإسلامية، وخصوصاً الدولة العثمانية، وهي نوع من السلطة الوراثية البطريكية التي تقوم على تأكيد أهمية التقاليد واحترامها وضرورة استمرارها. أطروحة فيبر المحورية «الأخلاق البروتستانية وروح الرأسمالية» وخصوصاً ما يتعلق بقيم وأخلاق العمل والعقلانية، والتي في نظرة لم تكتمل تماماً في الحضارات القديمة جميعها، بما فيها الإسلام، لكنها توافرت فقط بين أتباع المذهب الكالفاني؛ ما مكّن من ظهور الرأسمالية الحديثة وما تبعها بالتالي من تحولات جذرية في حياة الإنسانية.

في نظرية البازار أو السوق، لكليفورد غيرتس، سلطت الضوء على اقتصادات البازار في مدينة صفرو بالمغرب، في سياق دراسة فريق من الباحثين وتتمحور فكرته الأساسية حول مقولة، إن لكل حضارة مؤسسة أو مفهوم مفتاح، فهو بالنسبة إلى الهند التراتبية الطائفية، وللصين البيروقراطية التقليدية، ولأوروبا العقلانية وقيم العمل، أما بالنسبة إلى الحضارة الإسلامية، فإن المؤسسة المفتاح هو البازار الذي يتميّز بكثرة التفاوض والمفاصلة. ضمن نظريات الاستعمار والتنمية والتخلف، تلك التي ظهرت في الغرب لتبرير الاستعمار، يحضر ليفي بروهل في تناوله لـ «الذهنية البدائية» والتي تميل إلى الإيمان بالسحر والشعوذة وتمجيد الأسلاف وعدم القدرة على التفكير في شكل منطقي مرتب، وإنما على العكس من ذلك يغلب الإيمان بالغيب والأرواح والعفاريت. مساحات ليست بسيطة من كتاب باقادر والذي هو بالمناسبة عبارة عن مجموعة مقالات أساساً، عمل على «تطويرها؛ بحسب إشارته، لم يبرح استعراض الآراء والنظريات والاتجاهات من دون أن يتاخم مشروعاً أو بداية مشروع اشتغال انثروبولوجي في التاريخ العربي والإسلامي؛ إلاّ إذا اعتمدنا الخلْط بين رصد المؤرخين والرحّالة العابر لبعض سلوكات وأشكال ومعتقدات وموروثات الشعوب التي مرّوا بها أو أقاموا بينها بعض الوقت، إقحاماً قسرياً لريادة العرب والمسلمين في علم الأنثروبولوجيا.

العدد 3759 - الجمعة 21 ديسمبر 2012م الموافق 07 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً