قال المدير الفني لمهرجان دبي السينمائي الدولي مسعود أمرالله علي إن المؤشرات المتوافرة لدى إدارة المهرجان؛ تشير إلى أن المهرجان في دورته التاسعة التي أقيمت خلال الفترة من 9 إلى 16 ديسمبر/ كانون الأول 2012، شهد العرض العالمي الأول لأكثر من 50 فيلماً من بين 158 فيلماً عرضها المهرجان جاءت من 61 دولة تتحدث 43 لغة.
جاء ذلك في رد على سؤال لـ «فضاءات الوسط»، عما إذا كان النجاح الذي حققه المهرجان في هذا العام والذي بدا واضحاً من خلال الأرقام التي أعلنتها إدارة المهرجان، يمكن اعتباره أحد أهم مهرجانات السينما العربية، إن لم يكن أهمها. فقد شهدت أيام المهرجان تنظيماً لجلسات تعارف لـ 1700 شخصية سينمائية محترفة، وعرضاً لـ 330 فيلماً في «سوق الأفلام»، وذلك بزيادة بنسبة 60 في المئة بالمقارنة مع الدورة الثامنة من المهرجان التي شهدت عرض 200 فيلم. بالإضافة إلى ذلك؛ تمت استضافة 24 ندوة وورشة عمل للمخرجين الصاعدين، بالإضافة إلى تقديم الدعم المالي للمخرجين أصحاب المواهب المتميزة. وتنافس على جوائز «المهر» التي يقدمها المهرجان هذا العام 83 فيلماً لنيل جوائز تفوق قيمتها 600 ألف دولار.
أمر الله علي أجاب في الحوار الآتي عن العديد من الأسئلة الأخرى عن التعامل مع أفلام الربيع العربي ما قبل منها وما لم يقبل، حول أفلام المرأة والدعم الواضح للمرأة وأفلامها وقضاياها في المهرجان.
كيف تم التعامل مع الأفلام التي تناولت الربيع العربي، وخصوصاً مع تباين وجهات نظر مخرجيها ومواقفهم، ومع حقيقة تداخل الفن مع السياسة؟
- نحن نبحث عن الفيلم المخلص للسينما ولما يريد أن يقوله بالدرجة الأولى. بالتأكيد هناك تباين واختلاف في وجهات النظر من مخرج إلى آخر، وهناك الكثير من الأفلام التي وصلتنا والتي تتناول موضوع الربيع العربي، لكن البقاء للفيلم السينمائي الأكثر اخلاصاً لسينمائيته في طرح موضوعه. هناك أفلام كثيرة وصلتنا، بعضها أقرب الى التلفزيون وبعضها مصنوع بسرعة، لكننا اخترنا الأفلام الأكثر تأملاً وحرصاً على تقديم موضوعاتها في قالب سينمائي جديد.
ماذا عن الأفلام السورية، يقال إنه تم رفض ثلاثة أفلام سورية مؤيدة للنظام، ما الذي حدث بالضبط، هل تم قبول هذه الأفلام ثم رفضت، إم أنها لم تقبل من الأساس؟
- كانت الأفلام موجودة ثم تحول الأمر من سينمائي إلى سياسي، فتم التعامل معها بشكل مختلف لكن الأفلام لم تتناول الربيع العربي ولا علاقة لها به.
هناك دعم واضح من المهرجان للمرأة العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص، تمثل في حضور مكثف للمرأة؛ إما كمخرجة أو حتى في كثرة الأفلام التي ناقشت قضايا المرأة. المخرجة السعودية هيفاء المنصور فازت بجائزتين من جوائز المهر العربي. هل هناك أي نوع من أنواع التحيز للمرأة العربية بأي شكل؟
- اذا كان الأمر يتعلق بمسألة دعم السينما بشكل عام؛ فإن المرأة جزء من الحراك السينمائي العربي. كنت دائماً أقول كم مخرجة فرنسية أو أميركية نتذكر، قليل، لكن السينما العربية دائماً زاخرة بأفلام وأسماء كثيرة. هذه ظاهرة غريبة، إذ على رغم أن هذه السينما تتهم بعدم التحرك وعدم وجود فرص للنساء فيها وبأنها تأتي من مجتمعات ذكورية؛ لكن يبدو أن المرأة حاضرة فيها في مختلف مناحي الثقافة. ربما في هذه السنة كان لدينا عدد كبير من المخرجات العربيات، لكنني أميل الى السينما بغض النظر عن جنس صانعها سواء كان ذكراً أو أنثى، ولكن يبدو أن المرأة لها وجود كبير. هذه ليست ظاهرة جديدة بل كان هذا الأمر موجوداً منذ أيام مسابقة أفلام من الإمارات كما أننا نلاحظه في كل عام في قسم السينما العربية. أعتقد أن القيود الكثيرة التي تواجهها المرأة لدينا تجعلها تتجه إلى السينما أكثر من المرأة في المجتمعات الأكثر تحرراً. أما بالنسبة إلى النتائج؛ فهي خاضعة للجان التحكيم ولا دور للمهرجان في إعطاء النتائج، لنا دور في اختيار الأفلام لكن مقاييسنا سينمائية وليست راجعة لجنس صانع العمل.
بعض الأفلام المشاركة كما يرى البعض لا ترقى إلى مستوى مهرجان دولي بحجم مهرجان دبي، على أي أساس تم قبول هذه الأفلام؟
- أعتقد أن جميع الأفلام التي تم اختيارها للعرض في المهرجان هي أفلام تستحق أن تكون في المهرجان. تختلف الآراء من شخص إلى آخر ومن ناقد إلى آخر لكن أعتقد أن اللجان تحاول أن تعطي الفرص للمخرجين لأن يكونوا موجودين وأن يثروا المهرجان بوجهات نظرهم وسينماهم المختلفة. نحن لسنا ضد الفيلم المستقل أو الفيلم المصنوع بأداوات بسيطة او بموازنات قليلة. نحن مع الفيلم الذي نرى أنه يقدم موضوعاً مهمّاً. بشكل عام ومن وجهة نظري الخاصة لم يكن هناك أفلام يمكن أن نقول عنها إنها لا تصلح لأن تعرض في المهرجان. ربما هناك من وجد في هذه الأفلام ضعفاً معيناً وهذا طبيعي جدا إذ لا يمكننا أن نتوقع ألا نجد أفلاماً أقل من المستوى الذي نتوقعه في كل مهرجان نحضره حتى لو كان مهرجاناً دوليّاً. حين تصنع برنامجاً فأنت تحاول أن تغطي جميع نماذج الانتاج السنيمائي سواء الانتاجات الكبيرة او التي تقف وراءها شركات مستقلة وصغيرة. ربما يتبادر إلى الآخر؛ أن المهرجان فخم ولذا يجب أن تكون الأفلام فخمة، لكن المقياس هو كيف نصنع برنامجاً يغطي جميع الجوانب. فاذا وجدت بعض الافلام الضعيفة فهي الافلام التي يجب أن يحكم عليها وليس المهرجان؛ وفي النهاية من وجهة نظرنا فقد قمنا باختيار الأفلام الجيدة بعد مشاهدة دقيقة كما أن عملية التنافس كانت كبيرة في كل قسم من أقسام المهرحان وخاصة الوثائقي العربي إذ تنافست في هذا القسم أفلام كثيرة جيدة. ليس من المفترض أن نقدم برنامجاً تتشابه أفلامه مع بعضها بعضاً وانما نحاول أن نلم بالسينما العربية من كل أقطابها واتجاهاتها الفكرية والأساليب الفنية والسينمائية المختلفة فيها. لم لا نسمح للمبدعين ان يكسروا النمط التقليدي ليحاكموا أنفسهم ومجتمعاتهم وسينماهم وهذا مكسب لمهرجان دبي. قد لا يحب المشاهد بعض الأفلام، وقد يجد في بعضها عبثاً، لكني أعتقد اذا نظرنا للسينما من زاوية واحدة؛ فاننا نحاكمها بقسوة ونريد السينما التي نرغب فيها ونفهمها ولا نريد السينما التي يصنعها الآخر. السينما مفتوحة على كل الأفق فما نجده مغايراً ومختلفاً أو مملاًّ اليوم ربما نجد فيه بعد سنوات جماليات مختلفة. نحن نعطي فرصة للمبدع لأن يقدم رؤاه بالشكل الذي يراه، صحيح أن الجمهور قد لا يستوعب بعض الأفلام لكن الرهان أن المهرحان مكان لهذا التجريب؛ فاذا كان صانع الفيلم يعلم انه لم يأتِ إلى المهرجان لكي ينافس بل ليقدم تجربة مغايرة؛ أعتقد أننا يجب أن نكون معه في هذا الاتجاه. نحب الفيلم أو لا نحبه نتواصل معه أو لا نتواصل هو أمر متروك للجمهور والنقاد لكن كمهرجان واجبنا ألا نعطي صورة واحدة عن السينما العربية.
هذه هي الرهانات أن تقدم سينما يصنعها مبدعون عرب لكن لا تجد لها منافذ نريد أن نقدم هذه المنافذ، وأن يحظى المشاهد العربي وغيره بهذه النوعيات المختلفة الموجودة مع ما هو سائد وعرضها وهو ما يمكن أن يجعله يلم بصورة أفضل بالسينما العربية وتوجهاتها.
هل يمكننا القول اليوم إن مهرجان دبي بكل ما يقدمه من جهود وإسهامات في صناعة السينما العربية، أصبح الأهم على خارطة المهرجانات السينمائية العربية؟
- لدينا مؤشرات تدل على أهمية المهرجان كأن يكون في هذا العام أكثر من 50 فيلماً في عرض عالمي أول، عدا عن عدد الأفلام التي قدمت إلى المهرجان، والأعداد الهائلة من المخرجين الذين تواصلوا معنا بهدف عرض أفلامهم. أعتقد أنه أصبح بيننا وبين صناع الأفلام والمنتجين ثقة، فالمهرجان ليس محطة لتقديم عرض عالمي فقط، بل هناك جانب صناعي من خلال مبادرة «انجاز» و»السوق السينمائي» و»ملتقى دبي السينمائي». هذه أمور غير موجودة في مهرجانات عربية أخرى وهو ما يجعل من المهرجان محطة أساسية للتوقف عندها، سواء من قبل السينمائيين العرب لتطوير مشاريعهم وعرضها أم من المجتمع الدولي الذي يعتبر المهرجان نقطة يتوقف عندها ليشاهد الأفلام العربية سواء التي تعرض في المهرجان أو تلك الموجودة في مكتبة الافلام الموجودة في السوق السينمائي والتي تتيح فرصة لمشاهدة غالبية الأفلام العربية التي عرضت على مدار السنة. أعتقد أن أي شخص سيجد ضالته في مهرجان دبي السينمائي. هناك من يعتبر مهرجان دبي المحطة التي يقف عندها في آخر العام لكني أترك الحكم للآخرين، على أي حال؛ أنا أرى أن المهرجان بدأ يحقق قفزات في دعم السينما العربية والخليجية.
العدد 3759 - الجمعة 21 ديسمبر 2012م الموافق 07 صفر 1434هـ