لا تبدو «خيبة الأمل» مصطنعة لدى الكثير من رجال الأعمال والمطالبين بدعم الحريات العامة والشخصية والدفاع عنها وهم يشاهدون المشهد الأول من المجلس النيابي الحديث بتشكيلته «الدينية»، لكنهم في الوقت ذاته، يعتقدون تمام الاعتقاد بأن أولئك النواب، أناس وطنيون شرفاء، وأن الناخب اختارهم، وهذه هي إرادة المجتمع، وبالنتيجة... هذه هي الديمقراطية.
ولا يبعد الخوف الكثير من الناظرين إلى مستقبل اقتصادي مشرق يقوم على تطوير واستقطاب الاستثمارات بعيداً عن هذا المشهد... فهم على مقربة، ينظرون بعين فاحصة ما يمكن أن تتمخض عنه مناقشات البرلمان الجديد على ألا تتحول إلى «فتيل طائفي مشتعل» من جهة، ومؤثر سالب على جذب الاستثمار وتنمية الاقتصاد بمزيد من «الانغلاق» من جهة أخرى. وبقراءة متعمقة، يمكن تحليل ما أدلى به رجل الأعمال المعروف فاروق المؤيد لموقع «إيلاف» حديثاً عن أمله في ألا يتوجه مجلس النواب الجديد إلى تقييد الحريات الفردية على أنه منظور لمطلب أساس يربط الشارع السياسي بالاقتصادي على اعتبار أن مثل هذه التوجهات ستؤثر حتما في المستثمرين الأجانب وتدفعهم للرحيل، وهو أمر يتوجس منه عدد لا بأس به من رجال الأعمال الذين يرون فعلاً أن التضييق على الحريات الفردية سيؤدي بالمصارف والاستثمارات إلى الرحيل. وفي المقابل، يدافع ذوو التوجهات الدينية عن مريدي التيار ورموزه بأنهم أيضاً يحملون على عواتقهم المشاركة في تنمية استثمارات البلاد، وعدم التضييق على الناس والتدخل في شئونهم... اللهم إلا ما كان يخالف شرع الله سبحانه وتعالى، وهم أيضاً، سيركزون على متطلبات المعيشة وفي الوقت ذاته تقديم الرؤى الداعمة لاقتصاد حر ومؤثر، نظراً إلى محدودية الموارد المالية ومحدودية المداخيل من الإنتاج النفطي.
«لنا حق»: المخاوف حقيقية!
ويمكن القول إن تيار «لنا حق» الذي تأسس في البلاد مساء السبت 18 فبراير/ شباط من العام الجاري 2006 بفندق الخليج على يد ممثلين عن سبع من الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، هو التيار الرئيسي المدافع عن الحريات الشخصية والعامة ومواجهة الفرض القسري على حقوق الناس في العيش، ولذلك، نجح إلى حد بعيد في اكتساب «أنصار» هم من رجال الأعمال ورجال التجارة والصناعة والمثقفين والكتاب، وذلك بعد مشاركة نحو 30 جمعية في الحملة الوطنية للدفاع عن الحريات العامة التي تبنتها جمعية المنتدى. وعلى رغم أن المخاوف قائمة، فإن المنسق العام لتيار «لنا حق» عبدالواحد أحمد لا يرى الخوف إلا من جانب واحد: ألا يتواكب التشريع مع التطور الحاصل في المجتمع!
لكنه في الوقت ذاته يردف تساؤلاً آخر: «لماذا نخاف؟» ويستدرك بالقول «إن الخوف ينبع من أن المجلس ليس فيه متخصصين ولا اقتصاديين... اللهم إلا القليل منهم، والنواب الجدد ينتمون إلى الطائفتين الكريمتين، ولكن تخصصاتهم تنحصر في قضايا الشريعة، هذا إذا كانوا متخصصين ومعظمهم في الواقع - غير متخصص - ولذلك أقول إن الخوف هو ألا يناسب التشريع التطور... تمنينا أن تشمل التركيبة تكنوقراط ومحامين... ولكن للأسف، هكذا خرجت المعادلة، وهذا أمر نحترمه لأنه نتيجة حتمية لدخول أطراف في الانتخابات، واعتقد أن كل ذلك لم يكن مستبعداً، لكن أكرر أن خوفي ألا يتواكب التشريع مع التطور».
ويستدرك مجدداً ليقول : «هذه رغبة الشعب، وإذا كنا ندعي الديمقراطية فعلينا أن نقبل بها وبنتائجها حتى وإن لم تتماشَ مع ما نتمناه». ويعتقد أن السعي إلى نيل ديمقراطية تناسب «ثوبك» هو في الحقيقة دكتاتورية وفرض رأي، وطالما أن الشعب البحريني هو الذي اختار، فلابد إذاً من احترام رغبته في ممثليه، لأنهم وطنيون مخلصون شرفاء وإن اختلفوا معي في الرأي، فهذا أمر جيد!
ويطرح رجل الأعمال عادل فخرو، وهو عضو مؤسس في تيار «لنا حق» وكذلك في جمعية المنتدى، مسارات أخرى إذ يبدأ بالحديث معبراً عن الأسى من فشل بعض الوجوه التقدمية - من النواب السابقين - في العودة إلى المجلس أو زملائهم من المترشحين الجدد، «وكان بودي أن يمثل المجلس تيارات أعرض في المجتمع ولكن... هكذا يريد الناخب»!
وينتقل مباشرة إلى الإشارة إلى المخاوف، فيقول: «الخوف الذي يعترينا هو انشغال البرلمان بالشأن الطائفي وخصوصاً مع المشكلات الإقليمية في العراق ولبنان ومنطقة الشرق الأوسط عموما، وأملي أن يرتقي النواب إلى مستوى المسئولية وأن يتحملوا مسئولياتهم الكبيرة الملقاة عليهم اليوم، وقد رأينا في البرلمان السابق أثر النقاشات الحادة والكبيرة، وطغت على بعض المناقشات أسباب انشقاق داخل المجلس، وهذا ما لا يجب أن يكون لأن المجلس في النهاية يمثل فئات الشعب كافة ولا يمثل فئة أو طائفة، ونأمل من النواب الجدد الارتقاء إلى مستوى المسئولية».
القطاع الاقتصادي يخشى الضرر
ما يجهر به فخرو، يضمره الكثير من رجال الأعمال، فهم فهموا المعادلة واجروا «الحسبة» جيداً، ورأوا أن الجمعيات الدينية أو ما يسمى بالإسلام السياسي أو النواب المحسوبين على الإسلام السياسي يشكلون أكثر من 80 في المئة من المجلس الحالي، وهم يأملون كرجال أعمال وكمواطنين غيورين على المصلحة الاقتصادية للبلد ألا تترجم بعض الأفكار الشاذة إلى قوانين أو رغبات مضرة بالاقتصاد الوطني، وذلك من خلال الرؤية الواضحة.
موجة قادمة... ملايين!
الملايين قادمة... هكذا يرى رجال الأعمال، صناعيين وتجاراً ومصرفيين، فعادل فخرو يقرأ من بعيد موجة من الشركات الأجنبية راغبة في الانتقال من أكثر مدن الخليج حيوية ونشاطا وشهرة مالية واستثمارية، إلى البحرين التي بدأت تتوافر فيها الكثير من عناصر الجذب لافتتاح مكاتب إقليمية مقابل التحول السلبي هناك، في المقر الحالي، نظراً إلى ارتفاع تكاليف المعيشة والسكن وعدم توافر العقارات الكافية وتذمر إدارات الشركات من الإقامة هناك، في حين أن الأجواء في البحرين بدأت تتحسن لتؤسس صورة تنافسية قوية.
ويوضح فخرو تفصيلاً فيقول: «إن النهضة الاقتصادية في البحرين في الفترة الأخيرة أسهمت في توفير العقارات والفرص للشركات الأجنبية، وذلك بنقل أو إقامة مراكزهم الإقليمية وبالحصول على فرص تجارية استثمارية، وكل ذلك يعتمد على استمرار الانفتاح في البحرين واستمرار الحريات العامة والحريات الشخصية، لكن متى ما بدأت المجالس التشريعية في التدخل في الحريات الشخصية سيضايق ذلك المستثمرين القادمين وسيصرف نظرهم عن البحرين، ونحن لا نريد تقييد الحريات الشخصية في المعيشة أو الملبس، لأن أي تقييد سينعكس بشكل سلبي على استقطاب الشركات الأجنبية». وباختصار يشير فخرو إلى أنه من المهم الآن فهم الرابط لانتهاز الفرص في القطاعين الحكومي والخاص بالتناغم مع المجلس التشريعي لتوفير الفرص الاستثمارية.
في خاتمة حديثه شيء من الكلام الواقعي القاسي، لكنه صحيح، إذ يرى فخرو «أن فشل المرأة سبب لنا جميعاً خيبة أمل، فخلاف النائبة لطيفة القعود التي فازت بالتزكية عن سادسة الجنوبية، يشير فشل المرأة إلى أن الشعب البحريني يظهر زيادة في التخلف والعيش في القرون الماضية حين كانت المرأة غير قادرة على المشاركة في المجتمع، وهذا مستغرب جداً في وقت انتشار وسائل المعلومات والوسائط التقنيةكافة، التي تظهر في دول آسيوية المرأة وهي تتحول إلى رئيسة وزراء ووزيرة خارجية ووزيرة في كل الوزارات ورئيسة مجالس منتخبة إنما الشعب البحريني لا يعطيها الفرصة والقدرة على أن تقوم بهذه المسئوليات».
خيبة أمل دون شك!
ولا تتأخر رئيسة جمعية سيدات الأعمال منى المؤيد في الإشارة إلى أن عدم وصول المرأة إلى المجلس النيابي، وكذلك إلى المجالس البلدية يعطي انطباعاً بخيبة الأمل، وتكرر المخاوف التي أشار إليها المتحدثون، ولكنها تعتقد أنه، وبمراجعة البرامج الانتخابية، تشعر بأن هناك بارقة أمل في التركيز على قضايا تحسين الأحوال المعيشية وتطوير البنية الاقتصادية والاستثمارية وتطبيق أنظمة حديثة قادرة على مواجهة ما يتطلبه الاقتصاد البحريني.
وهي كغيرها من المواطنين والمواطنات، لا ترغب في مشاهدة ساحة سجال ينقض فيه شبح الطائفية على أبناء البلاد من خلال مشاحنات المجلس فقط لأن صبغته دينية بحتة، إلا أنها تشير صراحة إلى ضرورة أن تمنح جمعية الوفاق الوطني الإسلامية كوادرها المؤهلة فرصة إثبات الوجود وتقديم ما يعود بالنفع على البلاد والعباد، مشيرة في هذا الصدد إلى أن ملفات الفساد الإداري والمالي والملفات الساخنة الأخرى التي تفرض ظلالها على المجتمع وتثير مخاوفه يجب أن تنال حظها من البحث والمناقشة والطرح الموضوعي القوي.
حتى قضية المواصلات، فالبلاد في حاجة إلى تطوير المواصلات وتحسين شبكات الطرق لتخفيف الضغط على الشوارع والبيئة، فلو تم النظر بشكل موضوعي إلى فرض ضرائب تشكل صندوقاً لتحسين شبكة المواصلات، لتمكن الناس من استخدام وسائل المواصلات العامة وبذلك سنقضي على الكثير من المشكلات اليومية التي تواجهنا... هذا على سبيل المثال، فالأفكار كثيرة والنواب الجدد نريد منهم أن يعرضوا لنا منظومة من الأفكار العملية التي يمكن أن نشعر بتناغمها مع التطلعات الحقيقية للمواطنين بعيداً عن مجلس يبدأ ويقفل أعماله وهو يدور في فلك الصدام الطائفي
العدد 1553 - الأربعاء 06 ديسمبر 2006م الموافق 15 ذي القعدة 1427هـ