العدد 1554 - الخميس 07 ديسمبر 2006م الموافق 16 ذي القعدة 1427هـ

رفع قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار... بين ترحيب الخبراء ورعب الفقراء

طرحت الإجراءات التي شرع البنك المركزي العراقي في اتخاذها أخيراً لتخفيف حدة التضخم بالعراق عدداً من الأسئلة والمخاوف في الشارع العراقي الذي يرزخ تحت وطأة ظروف أمنية في غاية القسوة تزيد من وطأتها أزمات اقتصادية طاحنة أضحى العراقيون خلالها غير قادرين على توفير المتطلبات الأساسية للحياة.

ومع الارتفاع الملحوظ لسعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار يجد العراقيون أنفسهم فقدوا الكثير من دخولهم بسبب انخفاض القوة الشرائية للدينار من دون أن يترافق ذلك مع زيادة الرواتب أو انخفاض في أسعار السلع سواء الاستهلاكية أو المعمرة أو حتى أسعار الخدمات. ويتساءل العراقيون هل يستطيع إجراء البنك المركزي وحده كبح جماح التضخم والسيطرة على حجم السيولة النقدية وما جدوى رفع مستوى الفائدة إزاء ارتفاع الأسعار. وتباينت الآراء بين الخبراء الاقتصاديين الذين رحبوا بإجراءات البنك المركزي على اعتبار أنها مقدمة لخطوات حقيقية لخفض معدلات التضخم وتحسين المستوى الاقتصادي بالعراق... فيما يراها العراقيون أنها خطوات تزيد من معاناتهم وتقلل من قدراتهم الشرائية مع استمرار مستوى الأسعار من دون تغيير يذكر. كما يخشى المواطنون العراقيون من استمرار ارتفاع سعر الصرف للدينار مقابل الدولار الأميركي على خلفية إشاعات ترقى إلى درجة التصديق بأن سعر الصرف سيصل إلى 1000 دينار مقابل الدولار الواحد بدلاً من 1470 ديناراً منذ ثلاثة أشهر فقط ما يعني عملياً انخفاض قدرتهم الشرائية بنحو 30 في المئة تقريباً.

وأوضح مدير عام البحوث في البنك المركزي العراقي مظهر محمد صالح أن المصرف هو الجهة المسئولة بحكم قانون رقم 56 لسنة 2004 عن التصدي للتضخم وخفض مستوياته إذ شكل هذا المبدأ الأساس الذي تعتمده السياسة النقدية في تأدية واجباتها، وعلى هذا الأساس فلابد للبنك المركزي أن يضع أولويات سياسته النقدية في مكافحة الأنشطة التضخمية باستخدام أدواته المتاحة.

وأضاف أنه توجد أمام السياسة النقدية متغيرات وسيطة أو أهداف وسيطة تعبر عن العلاقة بين أثر هذه المتغيرات على خفض المستوى العام للأسعار واحتواء التضخم. ومن بين هذه المتغيرات سعر الفائدة التوازني طويل الأجل وسعر الصرف التوازني أو التحقيقي، ومستويات عرض النقد السائدة، إذ يلاحظ أن هذه المتغيرات لا يمكن السيطرة عليها بشكل مباشر ما لم يتم استهدافها من خلال متغيرات مماثلة لها وهذه المتغيرات أو الأهداف التشغيلية تعد إشارات أو وسائل إشاراتية أو معلوماتية يتم استخدامها للتأثير في استقرار السوق النقدية. ومن بين هذه الاشارات ما يعرف بسعر فائدة البنك المركزي العراقي، وهو سعر تأشيري يعد بمثابة «بوصلة ملاحية» للتأثير في سلوك أسعار الفائدة إذ يتحدد بموجبه ماذا يقرض البنك المركزي؟ وماذا تودع المصارف في البنك المركزي؟... في إطار السيطرة على حجمالسيولة النقدية إذ يعتقد أن التضخم مهما كانت مصادره، فانه في النهاية ظاهرة نقدية، وبناء على ذلك فإن أولويات الاستقرار تعد لازمة منطقية لبناء وتحفيز الاقتصاد. وأشار صالح إلى أنه على هذا الأساس يكون التضخم أساساً لزيادة سرعة تداول النقود والتخلي عنها ما يؤدي الى ضعف الطلب النقدي وتعاظم الطلب على السلع والخدمات كمسألة عكسية، وبغية الحفاظ على تماسك الطلب النقدي وتعظيم مستوياته لكي لا يتحول إلى انفاق قوي على السلع والخدمات ما على البنك المركزي إلا استخدام أدواته في رفع سعر الفائدة لديه لتحفيز هيكل أسعار الفائدة والحفاظ على تماسك المدخرات وتعظيم قوتها الشرائية بما يساعد السياسة النقدية في التصدي لمناسيب السيولة المرتفعة واحتوائها ضمن السوق النقدية المصرفية دون تحولها الى كتلة نقدية هائمة باتجاه السلع والخدمات. وإذا كانت آراء الاقتصاديين ترى ضرورة اتخاذ إجراءات تخفض من حجم التضخم ويرون في تلك الإجراءات عاملاً مساعداً على تحسين الأوضاع فإن للعراقيين البسطاء رأياً مناقضاً لذلك... حيث يرون في تلك الإجراءات عبئاً إضافياً إلى أعبائهم التي لا تنتهي.

ويقول السائق «أبو وسام»: إن ما يمكنني شراؤه اليوم بمئة دولار سأشتريه غداً بمئة وثلاثين دولاراً... وتساءل أي فائدة تعود على المواطن العادي من رفع قيمة الدينار أمام الدولار على هذا الاساس. وشاركه في الرأي أبوحيدر «موظف» ويقول إن المرتبات لا تزيد فراتبي لا يتعدى 150 ألف دينار وهي كانت توازي مئة دولار تقريباً أما الآن فإن قيمتها الفعلية انخفضت وستنخفض أكثر مع ارتفاع قيمة الدينار أمام الدولار لأن أسعار البضائع والخدمات تزداد ونحن ندفع بالدينار وليس بالدولار.

ويقول: إن سعر أجرة الانتقال من مكان سكني الى مقر عملي ارتفع من 250 ديناراً إلى 750 ديناراً في فترة ثلاثة أشهر ومع انخفاض قيمة الدولار سيصبح سعر هذه الخدمة 1000 دينار وهذا عبء إضافي على موازنة الأسرة.

وعن عدم انخفاض أسعار البضائع بالتزامن مع انخفاض قيمة الدولار أمام الدينار يقول أبوعمار «صاحب سوبر ماركت»: إن البضائع تصل غالية الثمن وما يؤثر فيها هو الأوضاع الأمنية وليس سعر صرف الدولار لأن نفقات تأمين وصول البضائع من الدول المصدرة لها عالية جداً وبالتالي فإن الأسعار ستظل، كما هي وقد ترتفع مع تدهور الأوضاع الأمنية.

ولعل رأي رجل الشارع العادي قد يكون الفيصل في هذه القضية لأنه المحك الرئيسي لتجارب رجال الاقتصاد لانه أول من يشعر بما يحتاجه منزله من نفقات وما تمليه عليه ظروف انقطاع الكهرباء وعدم إمكان الحصول على مشتقات الوقود سواء النفط أو البنزين أو السولار. وما بين ترحيب الخبراء من اقتصاديين بإجراءات اقتصادية رفعت قيمة صرف الدينار على حساب الدولار وبين رعب الفقراء والبسطاء وحتى تجار التجزئة تبقى الإجراءات الاقتصادية التي شرع بها البنك المركزي العراقي محط أنظار الفريقين في قياس نجاحها لتخفيف الأعباء الاقتصادية عن كاهل العراقيين. أما الأمن الذي يبقى هاجس الجميع والرغبة الأولى التي يتمناها الخبراء والفقراء هو «المعيار الأساسي» الذي إذا توفر سيوفر الحياة الكريمة للعراقيين وعندئذٍ لن يعنيهم كثيراً ارتفاع الأسعار أو انخفاضها لأنهم سيستمتعون بأوقاتهم بعيداً عن الرعب والخوف من الحاضر والمستقبل

العدد 1554 - الخميس 07 ديسمبر 2006م الموافق 16 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً