العدد 1530 - الإثنين 13 نوفمبر 2006م الموافق 21 شوال 1427هـ

البؤس: هو أن

لدي حالة من القلق تصنعها «الخيمة» في فعاليات الانتخابات التي تشهدها البحرين. لا أدري لم نعود في الانتخابات لتوظيف الخيمة الإجتماعي والسياسي؟، ولم نقوم جميعاً بٌإفتعال جهود مضنية نحو إعادتها للحياة من جديد.

السؤال، هو عن ما يعود أو يستجد، إلينا أو علينا من خلال هذه العودة المجهولة. لم نستطلع المستقبل عبر أدوات عنا نعرف وندرك ونفهم أنها لم تكن أكثر من أدوات الرجعية والإحتكار والبؤس.

السؤال عن دلالات هذا التلازم بين «الخيمة» والانتخابات، وبما أنها ليست حالة بحرينية صرفة، فالأمر يخضع للتحليل السيسيولوجي أكثر من كونه قضيةإنتخابية بحرينية.

«الخيمة»، هيكلها، طابعها، شكلها، هندستها، دلالاتها التاريخية في الحضور الاجتماعي جميعها مشاهد وأدوات تخلق حالة جديدة من الحياة، من الفهم، من السياسة، من الإدراك، هذا الفهم الي يختبأ عن وعينا يشتغل في اللاوعي بحدة، وسواء أكانت الخيمة هنا، أو هناك، تبقى هذا الإستشراف الحضاري الممسوك بأوتاد الخيمة مقلقاً جداً، على إعتبار أن الخيمة لا تمثل سوى صورة «الماضي» المزعج ، والذي يظهر في محافلنا الديمقراطية اليوم مع ما يحمله من معاني سلبية دون أن نتنبه لذلك.

في طريقنا لإحدى الافتتاحات الرسمية لإحدى تلك الخيام الانتخابية يصف رئيس التحرير منصور الجمري هذه الزجواء التنافسيةبأنها فضاءات مفتوحة من السعادة، فأجواء الديمقراطية على الأرض تعطي إحساساً مميزاً، ويزيد من هذا الشعور طقس البحرين الجميل، والذي يزيد من جمالية هذا المشهد الوطني ورقته. ما بين الخيمة التي تقلقني، والأجواء السعيدة بحسب رئيس التحرير، والتي لا إنكر إحساسي بها وإستمتاعي فيها، تخنقني لقطات دقيقة وأفكار غريبة. تتزايد هذه اللقطات فترات الاحتفال بافتتاح خيم المترشحين، وخلال تلك الساعات المطولة من الإصغاء لكلماتهم الافتتاحية. في هذا الملف نحاول المرور من بين خيام المترشحين نبحث في المسكوت عنه، ذلك الذي لم يكن واضحاً وظاهراً ما يكفي، نحاول من خلال هذه اللقطات المدعومة بكتاب العقول الحرة (إنسان مفرط في إنسانيته) لفريدريك نيتشه أن نقارب الخيام الانتخابية بطريقة مختلفة، وحس مختلف. نستطلع من خلال هذه المقاربة عديد القضايا التي تختبئ عن الأعين دون أن ندري. ونستطلع أيضاً، عديد القضايا المقلقة في الانتخابات، دوائر الحسم بين تياري المولاة والمعارضة، وفرص النجاح المحتملة لكل منهما. في أحضان نيتشه، نمارس هذه الخفة والدعابة والملاحظة الدقيقة. ونحاول أن نضيف إلى الانتخابات شيئاً من الشك النيتشوي، والذي لا يقل جمالاً عن جماليتي «الطقس» و»الحدث».


اللافتات ذاتها، طلاؤها الجديد «مختلف»

كلما وضعت سيدة المواطنة والحرية إعلاناً لبرنامجها التغييري اقتلعته أيدي الفارغين الخائفين. يخافون من إعلان صاحبة أقوى افتتاح حملة انتخابية شهدتها البحرين في هذه الانتخابات كخوفهم من أن تنكشف للناس وجوههم الشقية، بالأمس كانوا يعلقون لافتات الفتنة بسخيف الكلام. واليوم، أعادوا طلاء لافتاتهم الخبيثة، ليلبسوا ثوب «الوطنية» الهش، ولتتحول لافتات الفتنة المفضوحة فضاءً للدين والمصلحة العامة.

سيدة التغيير منذ الأمس، وصولاً لليوم سيكون وصولها تمكين المرأة البحرينية، عوض ذلك التمكين الصوري المصنوع، فقط دعوا سيدة «الوسطى» تمر، دعوها تنجح، لا تتدخلوا. أمسكوا الذئاب عنها.


دوائر الموت - إذا كان ثمة لعبة، فمسرحها هنا

سيخرج الوفاقيون بكتلة كبيرة، ستة عشر/ سبعة عشر/ ثمانية عشر.. هذه الكتلة تصنع الكثير لكنها ستكون في الملفات العالقة عديمة الجدوى، إلا إذا انتصرت للتيار الوطني الديمقراطي دوائره، فحينها على السلطة أن تبدأ التفكير في التعامل مع مجلس نيابي تسيطر عليه المعارضة، وليبدأ عهد المكاشفة الذي لا حدود له.

معناه أيضاً، أن الطرف الآخر، يدرك تمام الإدراك خطورة أن تصوت تلك الدوائر للمعارضة. وإذا كان ثمة من يتوقع أن شيئاً ما خارج حدود الطبيعي قد يحدث، وأن ثمة مخططًا للتزوير في الانتخابات، فإن اللعبة كلها ستنحصر في الدوائر التالية: سادسة العاصمة - سابعة العاصمة - رابعة الوسطى - ثالثة الوسطى - رابعة المحرق - سابعة المحرق.

تلك الدوائر الست هي ثقل العملية الانتخابية الحقيقي، أهالي هذه الدوائر هم من يملكون خيار الخروج بمجلس نيابي مختلف عما كان عليه المجلس الماضي، سيكون على أهالي هذه الدوائر أن يحددوا هوية العملية السياسية في البحرين خلال السنوات الأربع القادمة.

بعض الإشارات الكبرى تميل إلى تيقن أن تؤول للمعارضة دائرتان على الأقل من تلك الدوائر القلقة، أما في حال خسارة التيار الوطني الديمقراطي لجميع دوائره فان الأمر سيكون معقدا للغاية، وستكون دعاوى تزوير الانتخابات ذات حضور، وهو ما قد يسبب بلبلة في الشارع البحريني ككل، الضمانة الأقوى للحؤول دون ذلك هو إلغاء منفذ التشكيك المتبقي في شفافية الانتخابات، وهي «المراكز العامة».


عالج المشكلة، اقتلعها... لا تتصدق على الناس بفنون مأسوية بليدة

يكثر المترشحون من سيل العبارات الدعائية عن مواقف أقل ما توصف به، أنها بطولية فارغة. في الواقع جمعيات سياسية قليلة تلك التي كانت لها المقدرة على صوغ برامج انتخابية محترمة، أما البقية فليست مشاركتهم في الترشح للانتخابات أكثر من أعراض مرض «وهم تاريخي» بالبطولة، أو طمعاً في راتب كبير وصور منشورة في هذه الصحيفة أو تلك.

سيصلح المترشحون الخلل في جهاز التعليم (ما الخلل الذي سيصلحونه.. لا ندري؟) سيطالب المترشحون بحل مشكلة الإسكان (كيف؟، هم أيضاً، لا يدرون). وتمتد سلسلة الفنون الخطابية في أرجاء الخيمة حد الإحساس بالقرف، تود احياناً لو تنزع عن نفسك قيمة الحياد الصحافية لتقف بكل جرأة لهذا المترشح لتقول له: أيها الكاذب: لست أكثر من مخادع غبي.


المريض وناصحوه... لن نصوت لكثيري الوعود «الفارغة»

يقول نيتشه «إن الذي يسدي النصائح للمريض يشعر بالتفوق عليه، سواء قبلت نصائحه أم رفضت. لهذا يكره المرضى الأباة والحساسون ناصحيهم أكثر مما يكرهون مرضهم!».

أهمية هذا الإطلاق راودتني خلال زيارة بعض الخيم الانتخابية، تلك اللغة الفوقية والمكررة تزعج، خطاب التذاكي والقوة والقدرة على تغيير اتجاه عقارب الساعة يعطي إحساساً بالكراهية، الناس يدركون أمراض مجتمعاتهم، لكن الذي يكرهونه أكثر هو تعالي السياسيين بنصائحهم المكررة حد الملل. المبالغة تلك تخرج في كثير الأحيان عن اللعبة الانتخابية إلى حد الاستعلاء على الناخبين، في نتيجة نهائية مفادها: أنتم مجرد أغبياء، أعطونا أصواتكم وناموا؟، من منكم يعجبه ذلك، أتمنى ألا أثير فيكم إحساساً مفاده: أنتم الأغبياء لا نحن، منذ أبد الآبدين وأنتم تعدون وتخططون وتتدارسون وتصرحون وما من نتائج ملموسة، لن نصوت لكم. ولو من باب العناد. موتوا غيضاً.


وسيلة إقناع الشجعان

يقول نيتشه «وسيلة جعل الشجعان يدعمون عملاً ما هي أن نصوره لهم أخطر مما هو فعلاً..»، في الحقيقة لن تستطيع المعارضة أن تصنع المعجزات، أكثر المترشحين من المعارضة لم يصدقوا الناس في هذا، ما خلا إبراهيم شريف الذي حدد مخرجات المشاركة في إيصال أصوات الناس بصدق. البقية ظلت خطاباتها تصور العملية الانتخابية بعبارات التحشيد والتضخيم، وكأن الناس يخطون سياسة العالم عبر هذه الانتخابات، هذا التضخيم هو عملية خداع للجمهور كما يرى نيتشه على الأقل. نحن حين نصور الانتخابات بذلك الحد الفاصب في التاريخ يعتقد الناس حينها أن ذهابهم إلى التصويت هو عملية بالغة الخطورة، الناس في أوروبا ومع عظيم ما تصنعه برلماناتهم لا يشاركون في الانتخابات إلا في مستويات حفظ ماء الوجه، فلم يعتقد البعض أن البحرينيين سيقفون عند مراكز الاقتراع في طوابير متراصة قبل 25 نوفمبر/ تشرين الثاني بيوم أو يومين، أليس في هذا الاعتقاد والتحشيد نوع من المبالغة؟


المعارضة بالبرامج المحبوكة واللغة العاقلة... لا التحدي الفج

يقول نيتشه «غالباً ما نعارض رأياً ما بينما نحن لا نشعر بالنفور إلا من الطريقة التي تم بها التعبير عنه». تستطيع المعارضة الحصول على دوائر إضافية خلاف تلك المحسومة، ما يجعل الأمور معقدة بالنسبة إلى المعارضة هو خطابها السياسي، ففي الحقيقة لا يملك عاقل ما أن يرفض أفكار المعارضة في الإصلاح ومحاربة الفساد وإيقاف التلاعب بالأراضي المسلوبة، الذي يؤثر سلباً هو ذلك الخطاب الفج، ذلك التخويف الذي تبثه البيانات والخطب «الثورية».

على المعارضة أن تدرك أنها حين تأتي ببرامج انتخابية محبوكة ومدروسة الجوانب، وحين تروجها بلغة هادئة ورزينة سيكون لها أن تظفر بما هو أكثر من حصتها التي تتوقعها، الأمر يتعلق بفنون الترويج والتسويق ولا علاقة له بخطب الثورات والتحرر الوطني، الذي يسعون إلى تحميل العملية الانتخابية أكثر مما تحتمل لن تكون لهم فرصة حصاد ما تستطيع صناديق الانتخابات أن تعطيهم إياه. الصناديق لا تعطي المترشحين تصفيقاً حاداً، أو هتافات، تعطي الصناديق أصواتاً، لا غير. فليراجع كل مترشح قائمة الناخبين واحداً واحداً، وليتصرف وفق ما لديه من أسماء، وليترك البطولات، فلقد ولى زمنها، وانتهى.


لا غنى عنه في الجدل... اجعله يغضب... سيخطئ

يقول نيتشه «لا ينبغي لمن لا يعرف ضبط أعصابه أن يقتحم نار المناقشة»، لا أدري ما هي هذه الأخلاقية المتزايدة في أوساط المترشحين الذين باتوا يصدقون ويقتنعون - للأسف - بما تروجه مجموعات المراقبة على الانتخابات ودعاة الشفافية والمواثيق، مفهوم التنافس يقتضي من البعض أن يحرك ساكناً، وأن يلعب بأوراق الربح والخسارة، وإلا فالانتخابات «باطلة». تلام جمعيات «الوفاق» و»الأصالة» و»المنبر» على استخدامها ورقة الدين والتدين في اللعبة الانتخابية، اسمحوا لي أن أعترض، هذا منطقي جداً، جماهير هذه الجمعيات تختار مترشحيها لأنها إسلامية الطرح والمضمون، وللجمعيات أن تعتمد على مكونها الرئيسي حتى تصل إلى المجلس النيابي، وهذا منطقي جداً. في الجانب الآخر، على الجمعيات السياسية الوطنية والديمقراطية أن توظف نقاطاً جوهرية أخرى في هذه المعركة، دعاوى كثيرة قد تضعف من حظوظ الإسلاميين، «الإرهاب»، «التكفير»، «الطائفية»، والكثير من الاتهامات التي يمكن لأي مترشح أن يوظفها كورقة نصر يرميها في وقتها. إنها انتخابات تنافسية، ولا حرج في كشف الأيديولوجيات على حقيقتها بين الأطراف المتنافسة، المرفوض هو أن نمارس الإشاعة الكاذبة، وحين نصف إسلامياً تحدث عن تكفير المسلمين ممن يخالفونه المذهب أو حتى الرأي فنحن ببساطة لا نمارس الكذب، أو عملاً لا أخلاقياً. تحتاج أحيانا أن تلتهم مناوئيك بالجدال الحاد، خصوصاً إذا كنت تدرك أنهم معتادون على الخطأ في حال الغضب، وفي الانتخابات لا يقبل الناخبون اعتذارات مترشحيهم إن اخطأوا. الخطأ يعني الموت.


الوفاق وصناعة «الهيرو»... عفواً... نقطة نظام مستحقة

نتفهم ضروريات الدعاية الانتخابية، ونتفهم عديد العبارات الضرورية، مالا نتفهمه هو أن يستلب الشيخ علي سلمان شتى الإنجازات الأخيرة لجمعيته حصراً، فالوفاق - والوفاق فقط - هي من استطاعت ايقاف التصويت الإلكتروني وما تبعها من خطوات مهمة في سبيل الخروج بانتخابات نزيهة وعادلة.

لابد ان تكون الوفاق مدركة أن الصحافة كانت دينمو هذا الحراك السياسي والحاضنة الفعلية لما تم من إنجازات، قد نكون مخطئين حين - في الصحافة - حين نحاول احتكار الإنجازات الوطنية، لكننا على الأقل على مستوى رفيع من القناعة حين نطلب أن يعترف بنا كشريك في العملية الديمقراطية، فإذا كانت السلطة التنفيذية تقر بذلك، فعلى المعارضة ألا تتنكر لذلك من باب أولى.


صور... لا أكثر... التصويت للصورة

يقول نيتشه «إننا عادة ما نصادف صوراً من الناس المتفوقين، وكما اللوحات فإن هذه الصور تعجب غالبية الناس أكثر من الأصل». ما بين الدعاية الانتخابية وفن الصورة علاقة قارة ومحددة، لا أنكر ضرورة ان يكون للصورة أهمية في اتخاذ قرار التصويت، خلف أي صورة ما رسالة ومعنى يُراد له ان يصل لمن يرى الصورة، إنه التصويت للصورة أكثر من أي شيء آخر.

الصور التي تظهر لمرشحي «اللحى» الطويلة تسبب حالا من الطمأنينة لدى الإسلاميين، وهي نقيض النتيجة بالطبع لليبراليين ودعاة الديموقراطية، ان تمسك قلماً معناه أنك تريد ان تقول للناخب انك تجيد الكتابة والتخطيط والتفكير، وأنك مثقف، لكنها دعاية تحتوي شحنة مبالغة فيها في «المباشرة»، الصورة المباشرة سيئة، ودلالاتها سيئة، ونتائجها سيئة، وحدها الصور الهادئة والتي تدعم بمؤثرات جانبية ذكية من قد تؤثر في قرار الناخب، على الأقل أعني ذلك الناخب الذي يهتم بالصورة تحديداً.

العنصر النسائي تحديدا يهتم بالصورة، وتذهب عديد الدراسات إلى أن النساء في البعد السلوكي يدققن في الصورة وقد تؤثر محتوياتها على قراراتهن وسلوكياتهن. وعليه، كان على المترشحين أن يمعنوا النظر والاهتمام في فلسفة الصورة.


أخطر المتحزبين... المترشح الذي لا يحتاج لأحد... «أخرق»

يقول نيتشه «هناك في كل حزب إنسان يدفع الآخرين إلى الارتداد بسبب نشره مبادئ الحزب بيقين مفرط». بعض المترشحين كانوا يبالغون في خطاباتهم الانتخابية نوعا ما، هذه التحزبية المفرطة كانت لا تدرك أهمية استمالة الناخبين من خارج المنظومة السياسية التي ينتمي لها المترشح، أحد المترشحين الكبار في العاصمة أبدى إنتعاضه من تصريحات مترشح في كتلة حليفة، ووصفها بالخمقاء والغير مسئولة، حين أدعى ان كتلته في غنى عن الجميع، وأنها لا تحتاج إلى التحالف مع أحد. المترشح المغضوب بهذه الكليانيات المتعجرفة هو مثال واضح للصورة التي وضعها نيتشه في ان بعض المتحزبين هم وبال على أحزابهم.

ان تبالغ في التحزب معناه، أن تبعث رسائل سلبية عديدة للمحيطين بك، خطاب التآلف الهادئ مع الأفكار التي يؤمن بها الإنسان هو الأقدر على امتصاص الآخرين، خطابات التفرد والعظمة والقوة تخيف فقط، ولا شيء خلاف ذلك.


الظلاميون اللطفاء... الميتافيزيقيون الجدد سادة الظلام اللطيف

يقول نيتشه: «الشيء الأساسي في سحر الظلامية الأسود ليس هو سعيها لتعتيم العقول، بل سعيها لتشويه الصور التي لدينا عن العالم، لأن تُظلم الفكرة التي نكونها عن الوجود. ولاشك أنها غالباً ما تستخدم لهذا الغرض الوسيلة التي تقتضي من العقول من التفتح عن المعرفة، لكنها أحياناً تلجأ إلى عكس هذه الوسائل تماماً، من خلال جعل الذكاء دقيقاً جداً، إلى إثارة الاشمئزاز من ثماره. فالميتافيزيقيون الخالصون، الذين يمهمون للشكية، والذين، بفطنتهم المفرطة، يثيرون الريبة بخصوص كل فطنة، هم أدوات جيدة لخدمة ظلامية دقيقة. هل يمكن أن يتم استخدام كانت نفسه لهذا الغرض؟ بل أكثر من ذلك، هل يمكن أن يكون قد أراد بحسب تفسيره الشهير، شيئاً مماثلاً ولو بشكل مؤقت: إطلاق عنان الإيمان من فرض قيود على العلم، وهو شيء لم ينجح في بلوغه لا هو ولا الذين اقترفوا أثره على طريق الظلامية الملطفة، الخطيرة جداً، بل أخطر الظلاميات كلها، لأن السحر الأسود يبدو هنا مغلفاً بالنور».

الظلاميون الذين باتوا مكشوفين للجميع بشرورهم ها هم يعودون اليوم في الخيام الانتخابية لطفاء أحباء، الأكثر من ذلك أنهم يروجون أنفسهم باعتبارهم النموذج الأكمل، والذي تعتمد عليه في حماية الوطن والمال العام، وأنهم - سرقة المال العام والمسيطرون على المواقع الحساسة بفضل بيع القوانين وتمرير الموازنات العامة للدولة - من يستحقون ثقة الناخبين، فهم حماة هذه البلاد من الفساد والمحسوبية، التي كان لهم شرف ابتداعها وتأسيسها.

أعينهم التي تفيض بالشر والكذب والخداع لا تمر على الناخبين عنوة، ولو دفعوا من أموال البحرينيين التي نهبوها ما شاءوا للصحف، ومهما استأثروا بعديد الصفحات والتغطيات والإعلانات فهم مثل السوء، وبذرة الشر التي لن يكون للبحرين بناخبيها ومستقبلها أن تفتخر بها. هؤلاء هم بذرة الظلامية وادعياء الدين، فاحذروهم.

إصلاحيو الرجعية والموتى... أو أشباه الموتى

يقول نيتشه «كيف للتيارات الرجعية في التاريخ والعصور أن يقال إنها عصور الإصلاح، إن لها سحراً ذكرى مؤثرة، لا يستطيع هذا التيار إلا أن يبث العصرية إلا في أشخاص ميتين، أو نصف أموات أو محتضرين».

تجاربهم أينما كانوا تجارب رجعية وفشل، أرباب العنف عادوا في ملابس أنيقة، تارة بلقب الدكتور وتارة أخرى بلقب الأستاذ، تجاربهم المعروفة بالعنف والتكفير أصبحت مطاطة ومخادعة، تمر على المجتمعات بادئ الأمر، لكن سرعان ما تكشف الأوجه أمام قذارتها التاريخية، لتك الحقائق قارة ثابتة، هؤلاء آفة، ولابد من أن لا يكون للآفة مكان تبث فيه سمومها للناس.

تيارات الرجعية التي أصبحت خيارات الإصلاح وتجمعات الإصلاح منذ مدة، هي في حقيقتها لا تزيد على فتنة طائفية لا تريد الخير للإنسان هنا، إذ لم تكن كذلك للإنسان هناك. إن في مصر ذكرى... للباحثين.


مترشحات أنيقات حكيمات أديبات عاقلات... الحكمة المفقودة لدى الرجال

يقول نيتشه «من الشائع ان نتعرف اليوم في طريقة القاء الرجال كلماتهم داخل المجتمع، على صدى تلك الازمنة التي كانوا يحسنون فيها حمل السلاح أكثر من أي شيء آخر، تارة يستعملون الجزم مثل رماة يصوبون بنادقهم، وتارة نخال اننا نسمع إحتكاك السيوف وقعقعتها، ولدى البعض ينزل الإثبات بقرقعة الدبوس الصلد. النساء على العكس من ذلك، يتكلمن بطريقة الكائنات التي بقيت آلاف السنين جالسة أمام النول، أو تخيط، أو تلعب كطفل من الأطفال».

خطابات المترشحين مزعجة، صلفة، لا رقة فيها ولا عذوبة، يهددون ويتوعدون بالنار والوعيد للوزراء والفاسدين. لكم تبدو لغة هؤلاء قاسية، صلفة، لا رحمة فيها ولا أناقة.

يمكنك أن تسترجع من ذاكرتك الرجولية ذكورة السياسة العنيفة، إنه التحدي، محاربة الفساد، مكافحة الغش. على الجانب الآخر تكون المترشحة أكثر أناقة وحباً، هي لن تتحدى بل تريد التشارك، وهي لا تسعى الى الحرب بل تبحث عن إيقاف الفساد الإداري والمالي وإنهاء تفرده بمستقبل أبناء هذا الوطن كافة.

وهي أخيراً تلك الفتاة التي تسعى إلى تحقيق حلمها بدولة أفلاطونية لا غش فيها، تمتلئ أرجاؤها بالحب والسعادة، إذ يرعى الذئب مع الماعز دون كراهية، هذا الخطاب يمارس سلطة الأنثى على الناخب الذكر من جهة، ويبعث في الناخبة إحساسها بأنوثتها المرهفة من جهة أخرى.

تستطيع عذوبة المترشحة ورقة ألفاظها ان تجعلك في حال من الحضور أمام الحكمة والعقل، تبهرك - دون أن تدري فأنت مستعد تماماً للقبول بالأمر - بخطابها وتعلن تأييدك لها، وتبالغ في امتداح خطابها الهادئ والمبني على مفردات هادئة ودقيقة، إنها نقيض ذلك المترشح الشرير الذي يغشك تارة، أو يبالغ في التشدق بالعبارات الحادة، ورغم هذه الرؤية المكتملة بداخلك قد لا تصوت لها، ببساطة: لماذا نفعل ذلك؟.


ضد المألوفين... شراء الأصوات بقطع من «السمبوسة»

يقول نيتشه أيضاً «يعتقد الذين يمنحوننا ثقتهم تامة وكاملة انه يحق لهم بذلك نيل ثقتنا. بئس التفكير، فالهدايا التي نمنحها لا تخولنا أي حق».

لا تقتصر عملية شراء الأصوات على المبالغ المالية التي يسرف البعض في توزيعها على الناخبين، في الحقيقة تصيبني حال من القلق مع قطع «السمبوسة» التي توزع في الخيم، تضفي قطع السبموسة التزاما أدبيا بالتصويت بالنسبة للناخبين، وهل تقتضي مني - كصحافي - ان اكتب عن حفل تدشين الخيمة الانتخابية بشحنة إيجابية جراء قطعة سمبوسة!!.

هذا على صعيد قطعة واحدة من المشهيات، فما هو الحال بالنسبة للأفكارأعتقد انه من اللامعقول أن نتصور/ نعتقد/ نؤمن انه من الضروري ان تمنحوا أصواتكم لأي مترشح استطاع - فقط - ان يعطيكم الإحساس بالثقة فيكم، بانكم على الأقل ستصوتون له، وإلا فالرجل يسحق أكثر من ذلك.

المشهد هذا، وجدته مسيطرا على بعض الدوائر المحسومة للوفاق مثلاً، تلك الثقة الكبيرة في وجوه المترشحين جعلتني أحس بأن الناخبين يمرون بضغوظ نفسية كبيرة، وأن مستويات الاطمئنان التي يبثها المترشحون الوفاقيون تجاه الناخبين، تستحق ان يصرخ أحدهم من الخلف: لا تلزمني أدبيا بالتصويت لك؟ عليك ان تحاول إقناعي. عليك ان تطلب مني ذلك، وان تعطيني الوقت الكافي للتفكير في ذلك، وبعدها من المعقول أن تبعث لي هذه الإيماءات البغيضة حين أعلمك بأني سأصوت لك.


لا تصمت... فالتصفيق مهم أحياناً... اصنع مني ناجحاً ولو بالمجاملة

يقول نيتشه «إن أشد الطرق إزعاجا في رد إحدى الجماعات على جدال ما هو التزام صمت مغيظ: المهاجم سيعتبر ذلك الصمت علامة إزدراء». في بعض الخيم الانتخابية كان لبعض المتكلمين المقدرة على استمالة الجمهور على التصفيق وإبداء حماس نوعي تجاه ما يلقيه عليهم من دعاية وتحشيد.

البعض الآخر كان رتيباً ومملاً بامتياز، كان عاجزًا عن التحشيد أو اجتذاب الجمهور نحو التصفيق بشدة، أو إعطائه الإشارة الواضحة: أصواتنا لك، إطمئن ولا تقلق. هذا الأداء كان يتسرب إلى المترشح بأنها علامة إزدراء واضحة أو حالة من اللاقتناع.


خطر الكلام... يتحكمون بالكلام أو يتحكم الكلام بهم

اصطدت ما لا يقل عن خمسة مشاهد انتخابية خلال الأسبوع الماضي كانت مثالاً واضحا لمقولة نيتشه إذ يقول «يحدث خلال المحادثة ان تربكنا نبرة صوتنا وتؤدي بنا إلى التعبير بكلام لا يطابق رأينا على الإطلاق».

هؤلاء كانوا مسيرين بنبرات أصواتهم المرتفعة نسبياً، سدد احدهم سهام صوته المرتفع - ولا أقول انه كلام يعنيه - على حلفاء الأمس واليوم في الانتخابات، الآخر كان متحمساً حد إطلاق الوعود الخيالية التي لا يصدقها عقل.

آخر كان مشغولاً بتبرير اتهام وجهه للجنة الانتخابات عن مخالفة انتخابية، كان مجبراً على المسير قدما في إتهاماته - أدبياً وخطابياً - دون الرجوع عنها، إنها نبرة الصوت المرتفع في الانتخابات وما تفرضها على المرء من ضرورات غير مسئولة أو محسوبة.

آخر كان يحاول حلحلة مشكلة الإسكان، أرقامه كانت متضاربة، مستوى الثقة بمنطقية الخطاب كانت مستقرة، توقفت المعلومات عن التدفق، بدأ المترشح في سرد يبدو في ظاهره منطقياً، وفق نبرة الصوت، إلا انه كان ببساطة خاوياً لا عقل فيه، وما من حجة دامغة يستند عليها.


السارد المزعج... ينسى دائماً ما بدأ به... مشكلة

كثيرين هم المترشحون الذين يبدأون أحاديثهم للناخبين دون ان يدركوا ما يريدون إيصاله لهم بالتحديد. يبدأون بالعبارات التقليدية مثل: صوتك أمانة، تأكد أن تصويتك يصنع تاريخ البحرين، أحس مباشرة بحاجة هذا المترشح ان يراعي الوقت، وانه من الضروري أن يدخل في موضوعه الرئيسي مباشرة، ببساطة سمعت هذه الأخلاقيات عشرين مرة، وقراتها مليون اخرى، يكفي.

المترشح في حقيقته لا يمتلك موضوعا محدداً، يريد الرجل أن يتحدث عن نفسه بإسهاب. ولو كان لي أن أقاطعه خلاف ما تقتضيه أدبيات الإصغاء، لقلت ما قاله نيتشه: «الذي يسرد قصة ما يظهر بسهولة إن كان يحكي لأن الحادث يهمه أم لأنه يريد أن يثير الاهتمام بسرده، في هذه الحال الأخيرة سيبالغ، وسيستعمل صيغ التفضيل وما شابهها، إنك تحكي في الغالب بشكل رديء، لأنك لا تفكر كثيراً في الموضوع بل في نفسك كيف تتحدث عنها».


من دلالات الضعف «كنت» و «اعتدت القول»... المترشحون السابقون في قلق

تعمدت ألا أحضر أي حفل افتتاح لمترشح من النواب السابقين لسبب واحد، هو أن هؤلاء يعيشون حالاً من الملل المضاعف، ملل من أجواء الانتخابات التي عايشوها في العام 2002 وحال ملل أخرى من أنهم يكررون خطاباتهم السابقة نفسها، ولربما يشاهدون اللافتات الانتخابية نفسها، ويشاهدون الوجوه نفسها من الناخبين الناقمين حين كان المترشح يهرب من الرد على اتصالاتهم. ينتابني إحساس قوي بأن حضوري أو حضور أي صحافي سيزيد الأمر سوءًا بالنسبة إلى هذا المترشح، فالأمر لا يحتمل وجود صحافيين قد يكونون شامتين، ولا يحتمل أن يمسك أحدهم بتلابيب قصة خبرية مضحكة بشأن قلة الحضور في حفل تدشين الخيمة الانتخابية. أستذكر في هذه الأجواء المملة من كلام المترشحين من النواب السابقين مقولة نيتشه: «حين يقول شخص ما أثناء الحديث (قلت يوما)، و(اعتدت القول)، فإن كلماته تعطي الانطباع بالتباهي بينما هي تنبع في الغالب من نبع عكس ذلك، من الأمانة والقوة ألا نتحدث في لحظة حاضرة بأفكار تنتمي للحظة مضت». كتمان عطوف... إعطاء الناس «أعذارا» يعتبر من الضروريات الانتخابية، يقول نيتشه: «غالبا ما نحتاج، في معاشرتنا للناس، إلى كتمان إرغائي نتظاهر من خلاله بأننا لم نكتشف دواعي تصرفهم». بعض المترشحين خيامهم فارغة، ومع ذلك، أعتقد أن لا ضرر من ترشحهم وإصرارهم على البقاء في التنافس، والسبب في ضرورة بقائهم يعود إلى الحصول على دعم اقتصادي أكبر لبعض الصناعات التي تنتعش خلال الانتخابات، كشركات الإعلان والخطاطين ومصححي اللغة العربية والذين يقومون بتقويم بيانات الترشح والكلمات الافتتاحية للخيم الانتخابية، من الضروري فعلاً أن ننظر إلى الأمر من بعد اقتصادي لا سياسي فقط. هؤلاء المترشحون أيضاً يحتاجون إلى استخدام تقنية التعايش مع هذا العزوف عن الحضور لهم، احدهم يدعي أن من حضروا - على قلتهم - يمثلون أعداداً كبيرة مقارنة بخيم منافسيهم التي تعج بالزائرين. والزائرون في تحليل مترشح آخر، هم من خارج الدائرة، يقول المترشح المتلائم جداً مع وضعه المأزوم: صدقني لا حظوظ للمنافسين. المقعد محسوم لي

العدد 1530 - الإثنين 13 نوفمبر 2006م الموافق 21 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً