عندما ظهر في الأسواق المصرية خلال عيد الفطر «كعك العيد الصيني» تندرت مع بعض أصدقائي قائلا: لم يعد سوى أضحية عيد الأضحى لتكون صينية أيضا.
ويبدو أن ما قلته مع أصدقائي كانت تخطط له الصين فعلاً، صحيح أنه لم يصل مصر حتى الآن، ولكنه حدث فعلاً في دولة أخرى وهي السعودية، فقد نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» في 5 ديسمبر/كانون الأول الجاري خبرا عن وصول أول شحنة مواشٍ حية في تاريخ السعودية من الصين، محملة بـ75 ألف رأس من الأغنام والأبقار، بقيمة 50 مليون ريال (13 مليون دولار).
وقال المسئولون السعوديون: إن هذه الشحنة الصينية من الماشية تعتبر باكورة لشحنات متعددة قادمة إلى السعودية في ظل تنوع السوق السعودية بمختلف المواشي المستوردة، لتغطية احتياجات السوق من المواشي الحية، خصوصاً فيما تحتاجه من أضحية لموسم حج هذا العام. وإذا كان ظهور «كعك العيد الصيني» في مصر قد تم تناوله إلى حد كبير من منطلق ساخر، إلا أن هذا الاختراق الصيني لسوق الأضاحي لا بد أن يثير الكثير من الأسئلة عن تركيز الصين على السلع التي لها علاقة بالمناسبات، وأسباب لجوء السعودية إلى الماشية الصينية، مع أن هناك الكثير من الدول العربية ذات الإنتاج الكثيف من الماشية.
الهوس الصحي
يرجع أستاذ الإنتاج الحيواني بكلية الزراعة وعلوم الأغذية بجامعة الملك فهد منصور فارس هذا الاختراق الصيني إلى حال «الهوس الصحي» التي أصابت مسئولي المملكة بعد ظهور مرض حمى الوادي المتصدع بين حيوانات في جنوب المملكة العام 2000، وكان سببها حيوانات مستوردة من الصومال، وهذا أمر طبيعي جداً، فالمفترض أن الهيئات البيطرية بكل دولة مسئوليتها حماية الثروة الحيوانية من الأمراض، ولذلك عندما ظهر مرض «جنون البقر» في بريطانيا أوقفت كل الدول استيراد الماشية منها.
ومن ثم لا مجال للحديث هنا عن تكامل اقتصادي عربي وضرورة إفادة الدول العربية ما دام الأمر يتعلق بالصحة.
مسئولية الحجر البيطري
ويتفق أستاذ التكاثر الحيواني بالمركز القومي للبحوث بمصر محمود نويتو مع الرأي السابق في أن الأسباب الصحية تمثل العامل الأساسي الأهم في هذا الاختراق الصيني، ولكنه يرى أنه من الخطأ أن تتحول إلى ذريعة نستند إليها في ظل وجود الحجر البيطري، الذي يمكنه منع دخول المواشي المريضة إلى السعودية، فما من دولة -على حد قوله - إلا ولديها أمراض منتشرة بين الحيوانات، وهذه الأمراض تكون مسجلة ومعروفة في الهيئات الدولية المعنية بأمراض الحيوانات، فالصين ليست معصومة من ذلك، ومن المؤكد أن مواشيها قد خضعت لإجراءات الحجر الصحي قبل دخولها السعودية، فما المانع أن تتبع نفس هذه الإجراءات مع الماشية المستوردة من الصومال أو السودان، وإذا كانت مريضة فلا يتم دخولها المملكة.
ولذلك فهو يحمل الحجر البيطري مسئولية دخول أي حيوانات مريضة أيا كان مصدرها من الصين أو السودان أو الصومال... إلخ.
الأسباب الاقتصادية أهم
ولا يختلف الأستاذ بمعهد بحوث الإنتاج الحيواني بوزارة الزراعة المصرية محمد يوسف مع الرأيين السابقين في الدور الذي لعبه العامل الصحي في هذا الأمر، ولكنه يرى أن العامل الاقتصادي أهم، فالسياسة المعروفة التي تعتمد عليها الصين هي إغراء الأسواق بالأسعار المنخفضة، وبما أن عملية استيراد الماشية في السعودية يقوم عليها القطاع الخاص منفردا، فالمكسب بالنسبة إليه هو الأهم، ولا يهتم بطبيعة الحال بقضية التكامل الاقتصادي العربي والحرص على إفادة الدول العربية.
دراسة السوق السعودية
ويعتبر الخبير الاقتصادي رشاد عبده هذا الاختراق الصيني لسوق الأضاحي جزءا من الاختراق الشامل للأسواق السعودية، والذي جاء بعد دراسة جيدة لاحتياجات هذه السوق، ولذلك يلاحظ الزائر للسعودية أن السبحة والجلباب وسجادة الصلاة صارت منتجات في أغلبها صينية.
ولا يستطيع أحد أن يلوم السعودية في ذلك، فالصين استطاعت توفير منتج جيد بسعر منخفض، وهذا هو ما يهم المشتري، بصرف النظر عن جنسية السلعة، فإذا كانت هناك أية دولة عربية استطاعت تحقيق هذين الشرطين، فلا أعتقد أن المسئولين بالسعودية سيكون عندهم مانع في الاستيراد من تلك الدولة.
أين مجلس الوحدة الاقتصادية؟
وعلى رغم منطقية الأسباب السابقة التي دفعت السعودية إلى استيراد الماشية من الصين، فإن ذلك لا ينبغي أن ينسينا الإشارة إلى القضية الأزلية وهي غياب التكامل الاقتصادي العربي، قد يجد هذا الكلام اعتراضا من البعض الذين سيقولون كما قال رشاد: إن المهم هو توفير سلعة بسعر رخيص وجودة عالية بصرف النظر عن جنسيتها، وأنا بدوري أتساءل: وما هي إذن وظيفة مجلس الوحدة الاقتصادية العربية التابع لجامعة الدول العربية؟ أليس من وظيفته التنسيق بين الدول العربية لزيادة حجم التبادل التجاري بينها؟ أعتقد ذلك، وإلا فمن الأفضل أن تغلقوه توفيرا للنفقات?
العدد 1568 - الخميس 21 ديسمبر 2006م الموافق 30 ذي القعدة 1427هـ