«من الباب إلى الباب، رحلتك تتميز بالخصوصية، بدءا من الطائرات وانتهاء بالفنادق، حقائبك تسبقك إلى الأراضي الحجازية بيوم كامل، طعامك يعده أشهر الطهاة، الحلويات والآيس كريم، توردها شركات عالمية متخصصة، نضمن لك الراحة التامة وفنادق 7 نجوم، يصحبك في أداء المناسك أشهر الدعاة... يمكنك الحجز عبر موقعنا على شبكة الإنترنت».
هكذا تقدم شركات سياحية في مصر عروضها للحج «الفاخر» الذي يطلق عليه في أوساط الأثرياء «حج تريب»، على اعتبار أنه لا يستغرق أكثر من 48 ساعة.
وشهد موسم الحج في مصر هذا العام منافسة محتدمة بين نحو 50 شركة سياحية تنظم رحلات الحج الفاخر، تتسابق فيما بينها على جذب أكبر عدد من المشاهير والأثرياء في المجتمع المصري. ودفعت سخونة هذه المنافسة بعض الشركات إلى احتواء بعض برامجها تفصيلات دقيقة، كما في الإعلان عن توفيرها أكلات بعينها من الطعام على غرار «الجمبري المشوي والمقلي، والسيمون فيميه».
وشركات السياحة المنظمة لرحلات «الحج الفاخر» في مصر غالباً ما تكون مملوكة لفنانات معتزلات أو دعاة معروفين، وتسعى بقوة إلى التعاقد مع كبرى الفنادق السعودية لتأمين أفخم الأجنحة لزبائنها، مهما كانت الكلفة مرتفعة.
وذكر مراقبون أن كلفة هذا النوع من الحج اقتربت هذا العام من الـ 100 ألف جنيه (16 ألف دولار) للفرد الواحد.
مشاهير هذا العام
ومن أشهر الفنانين والمشاهير الذين يستعدون لأداء فريضة الحج هذا العام ضمن برامج شركات «الحج الفاخر» الفنانات: عفاف شعيب، وسهير رمزي، وعبير صبري، وياسمين الخيام، وصابرين، والمطربة المعتزلة منى عبدالغني، والفنان محمود ياسين وزوجته الفنانة شهيرة، والفنان فاروق الفيشاوي وزوجته السابقة الفنانة سمية الألفي.
أما من أشهر رجال الأعمال الذين يستعدون للحج الفاخر هذا العام، فمنهم: محمد أبوالعنين، ومحمد فريد خميس وشقيقه محمود. ومن الرياضيين نجم كرة القدم محمود الخطيب، ورئيس النادي الأهلي حسن حمدي.
ومن الداعيات الإسلاميات البارزات الأستاذتان بجامعة الأزهر عبلة الكحلاوي، وسعاد صالح. ومن أبرز الكتاب الصحافيين الرئيس السابق لمؤسسة الأهرام الصحافية إبراهيم نافع، والرئيس السابق لمؤسسة دار التحرير للطبع والنشر سمير رجب.
48 ساعة
وتصف إحدى الفنانات والتي سبق لها الحج ضمن هذه الرحلات أنه «يسمح للمشاركين فيه بأن يكونوا في حال من الهدوء والصفاء النفسي، وكذلك يتاح لهم التفرغ الكامل للتمتع بأداء المناسك في مناخ من النقاء الروحي، ومن دون أي معاناة».
ومدة «الحج الفاخر» لا تتجاوز 48 ساعة، تبدأ من القاهرة حيث تصل سيارة الشركة الفاخرة إلى منزل الحاج، لتنقله مباشرة للمطار حيث موعد الطائرة الخاصة، وفي المطار لا يتوقف الحاج لفترات طويلة أمام الإجراءات الروتينية المعتادة؛ فمندوبو الشركات المنظمة للرحلة ينتهون منها بسرعة.
وقبل سفر الحاج بيوم إلى الأراضي الحجازية تسبقه حقائبه إلى الفندق الذي سيقيم فيه بيوم كامل، عادة ما يكون الفندق من فئة «السبع نجوم»، ويتميز بقربه الشديد من الحرم المكي.
أما الانتقالات الداخلية في المملكة العربية السعودية لأداء المناسك، فتكون وفق رحلات الحج الفاخر بالطائرات، على اعتبار أن هذه التنقلات وما يرافقها من زحام شديد تعد من أهم العوامل التي يعاني من مشقتها الحجاج العاديون.
مشاهير الدعاة
وفي إطار سعيها إلى الوصول إلى برنامج أكثر تميزا أغرت بعض هذه الشركات زبائنها الأثرياء، بالاتفاق مع دعاة مشهورين يكونون مرافقين لهم في أداء مناسكهم، واتفقت بعض هذه الشركات فعلا مع عدد من مشاهير الدعاة هذا العام، من ضمنهم: الشيخ محمد جبريل، والشيخ خالد الجندي، الشيخ محمد حسان، والشيخ محمد هداية، والشيخ صفوت حجازي.
ويقوم الداعية الذي تتفق معه الشركة السياحية أيضا بدور مرشد الرحلة من خلال مرافقته للزبائن حتى أثناء الطواف، الذي عادة ما يكون في مسارات وأماكن مخصصة لأعضاء هذه الرحلات، كما يتولى الداعية أيضا تبسيط قواعد الحج ومساعدة الزبائن على أداء الشعائر المختلفة.
ولا تترك شركات السياحة المنظمة لرحلات الحج الفاخر زبائنها يبحثون عن «الأضاحي»، بل هي من تتولى تدبير هذا الشعيرة تبعا لبرنامجها، كما توفر لهم الحصوات الخاصة برمي الجمرات، ويكون ذلك تحت إشراف الداعية المرافق لهم.
وتهتم الشركات السياحية المنظمة للحج الفاخر بمسألة «الوجبات الغذائية»، التي تجهز قوائم بها، وتقدمها داخل الفندق في صورة «أوبن بوفيه»، أما أثناء أداء المناسك فتعد الشركة خيمة مكيفة الهواء في مناطق معينة تكون بعيدة عن الزحام؛ لتزويد زبائنها بالوجبات السريعة، والمشروبات والمياه المثلجة. وفي أيام الحر تقدم شركات الحج الفاخر لزبائنها أنواعا فاخرة من «الآيس كريم» للتخفيف من حرارة الجو.
حج المحبطين سياسياً!
وتعد رحلات الحج الفاخر مصدرا لإزاحة الإحباط عن بعض السياسيين المصريين، كما حدث مع كل من: كمال الشاذلي رجل الحزب الوطني القوي، ووزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان، فقد تعرضا لحال من الإحباط بعد خروجهما من التشكيل الوزاري الأخير في يناير/ كانون الثاني 2005، فنصحهما بعض المقربين بأداء فريضة الحج، وفعلا شارك الوزيران في إحدى رحلات الحج الفاخر، وظهر الشاذلي وهو يؤدي مناسك الطواف والسعي على «الكرسي المتحرك» في الطابق العلوي من الكعبة الشريفة بسبب الزحام الشديد، وعدم قدرته على السير لمسافة طويلة على قدميه.
والحج بهذه الطريقة لا يقتصر فقط على أداء المناسك، بل يتحول إلى فرصة للتعارف، والتصاهر بين أبناء الطبقات الثرية في المجتمع المصري، كما لا تخلو هذه الرحلات من عقد الصفقات، فضلا عن أنها تعد فرصة كبيرة لإقامة أواصر الصداقات بين نجوم المجتمع سواء في السياسة أو الفن أو التجارة.
أرباح مضمونة
ويقول فرج السروي، مسئول إحدى الشركات المنظمة للحج الفاخر: «أصبحت المنافسة، قوية بين الشركات المنظمة لهذا النوع من الحج، وخصوصا بعد ارتفاع عدد الشركات المنظمة إلى حوالي 50، بعضها نجح في عقد اتفاقات مع شركات سعودية ذات نفوذ كبير، فينعكس ذلك على مزيد من التميز لزبائنها».
ولا يهم الشركات المنظمة للحج الفاخر عدد الزبائن، وفي هذا يقول السروي: «ليس المهم العدد بالنسبة إلى الشركات المنظمة، فمن الممكن أن تقوم الشركة بالإشراف على رحلة واحدة تضم 15 شخصًا، يتجهون للأراضي المقدسة عبر طائرة خاصة صغيرة، لكن العائد منها يفوق تنظيم عشرات من الرحلات العادية».
وأكد السروي أن زبائن هذا النوع من الرحلات عادة ما يكونون مجموعة أو «شلة» تضم فنانين أو رجال أعمال أو حتى سياسيين، غالبيتهم تحاول فرض سياج من السرية على تحركاتها.
وبشأن رقابة الوزارة على شركات تنظيم الحج الفاخر علق مصدر في وزارة السياحة المصرية لـ «إسلام أون لاين. نت» قائلا: «إن هذه النوعية من البرامج تتنوع بحسب قدرة الشركة على التنظيم والأماكن التي تنجح في حجزها بناء على رغبة العملاء، وتتم معظم الترتيبات في هذا الخصوص بالتنسيق المباشر بين الشركات المصرية وشركائها السعوديين».
وبشأن الرقابة الحكومية، أضاف: «لا تواجهنا صعوبات في الرقابة على عمل الشركات المنظمة لهذا النوع من الرحلات، فهي تفرض على نفسها رقابة ذاتية مشددة؛ لأنها تتسابق فيما بينها لتقديم أفضل العروض، لتحصل على مزيد من الزبائن في الموسم المقبل». من ناحية أخرى، يبدي الداعية المصري المعروف صفوت حجازي اعتراضه على الأصوات التي تطالب الأثرياء بالاكتفاء بحجة واحدة كل خمس سنوات، وإنفاق أموال الحج المتكرر على الفقراء وفي أوجه الخير الضرورية.
وقال حجازي في حفل نظمته إحدى الشركات المنظمة لرحلات الحج الفاخر بالقاهرة: «لماذا يكثر الكلام في مصر كل عام عن حج الأغنياء، وعن حجم إنفاقهم الذي يقدر في الحج والعمرة بحوالي 18 مليار جنيه كل عام (حوالي 3 مليارات دولار)؟». وتساءل الداعية قائلا: «أليس هذا أفضل من إنفاق الأثرياء مليارات الجنيهات في منتجعات أوروبا السياحية كل عام؟».
في الحفل نفسه، دافع الداعية خالد الجندي أيضا عن الحج المتكرر للقادرين المصريين قائلا: «الحج يطهر صاحبه، ويجب علينا تشجيع هؤلاء على أداء فريضة الحج كل عام».
وكانت سيدة أعمال تدعى الحاجة روح ابتكرت هذا النوع من الحج المتميز في بداية التسعينات من القرن الماضي، وتضاعفت شهرتها بعد أن أشاد زبائنها من المشاهير والفنانين بدقة تنظيمها لهذا النوع من الرحلات.
وظلت تحتكر تنظيم رحلات حج الفنانين والأثرياء إلى أن تنبهت كبرى شركات السياحة فدخلت في منافسة معها، قبل أن تجمد نشاطها أخيرا لتقدمها في السن?
العدد 1576 - الجمعة 29 ديسمبر 2006م الموافق 08 ذي الحجة 1427هـ