العدد 1577 - السبت 30 ديسمبر 2006م الموافق 09 ذي الحجة 1427هـ

الدلمونيون ونحن... وترقب الرقم واحد

باحث سعودي تحدث عن «التقويم الشمسي الدلموني» ولم يصدقه أحد

بالأمس فقط وقفنا أمام الرقم واحد، نرقبه بتمعن، مستمتعين بمجيئه إلينا من جديد، وسائلين عما تحمله إلينا استقامته الأزلية «المستفزة» تلك هذه المرة. اليوم يعود إلينا الرقم واحد مرة أخرى، بالاستقامة نفسها، حاملاًَ الاسئلة نفسها. في منتصف ليلة هذا اليوم، نحن على موعد مرة أخرى مع الرقم واحد، نحمل آمالاً لم تتحقق بعد، و امتناناً واسعاً بآمال تحققت، أو تحقق معظمها. ونحمل أحزانا على حوادث مرت سريعة، متفائلين ببداية جديدة، يحملها لنا الرقم واحد. كلها مشاعر نشترك فيها جميعاً، تصوغ ببراعة فائقة « إحساسنا بالزمن»، لتقول لنا اننا أحياء، وأن الرقم واحد، على بساطته، يعني لنا شيئاً كثيراً، لأنه لا يشكل لنا مجرد رقم بين الأرقام، إنه بالنسبة إلينا حاجز زمني يفصل حاضرنا عن الماضي، وعن المستقبل.

إنه الإحساس بالزمن، ذلك الذي يحركنا ويدفعنا لتأمل الرقم واحد، وترقبه، وهو إحساس بشري طبيعي، شهدته الحضارات الإنسانية على قدمها، كلها كانت تضع تقويمها السنوي، وتحدد أساليب وضعه، بطرقها الخاصة. وكل ذلك كان نابعاً من إحساس أفرادها بالزمن، نفس ذلك الإحساس الذي يجعلنا ننتظر الرقم واحد في هذا الزمان.

منذ أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، عاشت جماعات على هذه الأرض، البحرين، انتظروا أيضاً الرقم واحد كل عام، لأسبابهم الخاصة التي تختلف بكل وجه عن أسبابنا في هذا الزمان. فالسنة الجديدة كانت تعني الكثير بالنسبة لمجتمع قوامه الزراعة والتجارة آنذاك، وهو ما حدا بالكهنة أن يطوروا نظاماً جديداً لحساب الزمن. الحقبة كان اسمها « دلمون»، وموقع النظام الجديد الجزء الشمالي الغربي من موقع اسمه « معبد مستوطنة سار الدلمونية التي تعود إلى العصر البرونزي، وهذه الفرضية بأكملها تعود لباحث آثار سعودي اسمه نبيل يوسف الشيخ، وضع دراسة كاملة كان اسمها «نظرية التقويم الدلموني الشمسي في معبد سار» ، ولكن، لم يصدقه أحد!

الشيخ يثبت: الدلمونيون أول من وضع التقويم الشمسي

في مطلع العام 2005 ، ألقى باحث الآثار السعودي الذي يعمل في متحف الدمام الإقليمي حالياًَ نبيل يوسف الشيخ محاضرة في جمعية تاريخ وآثار البحرين محاضرة حول دراسة متكاملة أعدها ليثبت من خلالها أن كهنة المعابد في دلمون اكتشفوا ظاهرة تحرك الشمس وتتبعها وعرفوا الانقلاب الصيفي وكانت هذه الحضارة هي إحدى أولى الحضارات التي اتبعت التقويم الشمسي. غير أن نظريته تلك تفتقر إلى الدليل العلمي الملموس لإثبات صحتها مثلما قال رئيس الجمعية عيسى أمين حديثه مع « الوسط»، ولا تعود كونها «اجتهادا» علميا.

كانت الدراسة التي تحدث عنها الشيخ، إعادة للنظرية التي سبق أن أعلن عنها في عام 1998 ولم تلق اهتماماً وقتها، تتعلق باكتشافه (نظرية التقويم الدلموني الشمسي)، والتي جائت نتيجة مراقبة مستمرة وتدوين بحثي لعدة سنوات أخذ عليه جوائز تقديرية إذ تمكن من خلال هذا البحث من تعيين بداية تاريخ السنة الدلمونية إذ لاحظ أن الشمس لا تدخل من كوة معبد مستوطنة سار إلا يوماً واحداً في السنة.

التقويم الدلموني الشمسي و365 يوماً

تقول الدراسة انه في ظروف مجتمع دلمون الذي اعتمد على الزراعة والتجارة والصيد ظهرت المتطلبات الأساسية لحساب الزمن فأحدث الكاهن الدلموني ثورة جديدة في أسلوب حسابه للزمن تختلف عن المفاهيم الفلكية والفكرية التي اتبعتها الكثير من الحضارات القديمة. واعتبر الشيخ أن التقويم الدلموني تقويم شمسي بحت تقسم به السنة إلى 365 يوما وهى المدة الزمنية لرجوع الشمس إلى النقطة التي ابتدأت منها. هذا المصطلح هو ما عرفه الشيخ في دراسته بالانقلاب الشمسي وهذه الحسبة قريبة جداً لطول السنة الحقيقية 365.2422 يوما وهي الفترة الزمنية التي تقضيها الأرض لتكمل دورة واحدة حول الشمس.

معبد سار مرصد فلكي للسنة الجديدة

وتضيف الدراسة « تتبع الكاهن الدلموني حركة الشمس وملاحظته لظاهرة الانقلاب الصيفي (Summer Solstice) ، ويعرف الانقلاب الصيفي علميا بالفترة من السنة التي يحدث فيها تحول لمسار الشمس في حركتها الظاهرية حول الأرض بعد أن تكون قد وصلت إلى أقصى امتداد لها شمالا بمقدار 23.27 درجة فوق مدار السرطان، ويحدث هذا في يوم 21 من شهر يونيو /حزيران من كل عام» من هنا استنتج الشيخ أن الدلمونيين بنوا معبدهم في مستوطنة سار ليكون مرصدا فلكيا لرصد هذه الظاهرة وذلك بجعل الركن الشمالي الغربي للمعبد (غرفة الرصد) ممتدا وموجها نحو غروب الشمس في 21 من شهر يونيو/حزيران أي بزاوية مقدارها نحو 295 درجة . وانطلاقاً من هذه الفرضية التي وضعها الشيخ، يقول انه «عند معاينة كاهن المعبد تعامد الشمس مع هذه الزاوية من خلال ثقب أو فتحة صغيرة فيعلن بهذا بدء السنة الجديدة للشعب الدلموني وبهذا يصبح الدلمونيون من أوائل من استخدم التقويم الشمسي في العالم القديم، الذي يعتبر تقويماَ دقيقاً جداً، إذ ان نسبة الخطأ فيه بسيطة ويمكن تصحيحها من قبل الكهنة الذين يقومون بالتصحيح حسب ما كان قد تراكم من تفاوت في التقويم. لكن يعود الشيخ ليقول في دراسته « نحن نجهل إذا ما قام كهنة سار بهذا أم لا إذ أن الدلمونيون لم يتركوا لنا كتابات أو رقم طينية تمكننا من معرفة هذه الحضارة ، غير أنه وجدت الكثير من الأختام الدلمونية في مدن ومعابد دلمون التي كان معظمها في تلال المدافن، هذه الأختام تحكي بشكل غير مباشر جانباً كبيراً وهاماً من الحياة الدينية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية والسياسية لحضارة دلمون عبر الكتابة الدلمونية وهي كتابة تصويرية وحيدة لحضارة دلمون وكانت هذه الأختام تظهر الشمس في كثير من الموضوعات بأشكال مختلفة توحي بأن الشمس قد احتلت مكانة دينية كبيرة لدى الدلمونيين».

لا انقلاب صيفي... ولا سنة جديدة في معبد سار اليوم

تقول الدراسة التي أعدها الشيخ « اليوم وبعد مرور نحو أربعة آلاف سنة فإن أشعة غروب الشمس لا تتعامد مع زاوية غرفة الرصد في معبد سار، لذلك لم تعد الزاوية الشمالية الغربية للمعبد تخدم ظاهرة الانقلاب الصيفي وذلك لانحراف هذه الزاوية نحو الشرق بعشرة درجات تقريبا فأصبحت الزاوية الجديدة للمعبد نحو 305 درجات».

ولا ينكر الشيخ الحاجة إلى دراسة علمية بأجهزة دقيقة لإثبات نظريته تلك، إذ يقول في دراسته انها « مجرد دراسة مبدئية للركن الشمالي الغربي لمعبد سار ونظرية التقويم الدلموني الشمسي، وهي بحاجة إلى دراسة علمية جادة وبأجهزة قياس دقيقة ومتطورة كجهاز تحديد المواقع (جي بي اس GPS لأخذ نقطة على هذه الزاوية وبعد عدة سنوات اخذ قراءة جديدة للتمكن من قياس هذا الانحراف السنوي البسيط، إلى جانب جهاز التيودوليت لأخذ زاوية الركن الشمالي الغربي للمعبد وأخذ زاوية غروب الشمس في يوم 21 من شهر يونيو، إضافة إلى إعادة تصور وضع المعبد قبل 4000 سنة (بمقدار نحو 10 درجات إلى الغرب) باستخدام الحاسب الآلي عبر برنامج خاص سيرجع تعامد أشعة غروب الشمس على الركن الشمالي الغربي لمعبد مستوطنة سار الدلمونية في 21 من شهر يونيو ومطلع السنة الدلمونية الجديدة».

خاتمة

اجتهاد مشوق ذلك الذي وضعه الباحث السعودي نبيل الشيخ، يحتاج إلى أدلة علمية ودراسة دقيقة تثبت صحته كما قال. غير أنه من الأفضل لنا أن نفترض صحته، لأنه إن لم يكن صحيحاً، فهذا يعني أن الدلمونيين لم يكن « إحساسهم بالزمن» قويا مثلناًَ، ولم يكونوا يترقبون الفصول، والأشهر، والسنوات. ولم يكن يستهويهم، مثلما يستهوينا جميعاً في هذا الزمان، ترقب الرقم واحد، متبوعاً بالرقم واحد، مطلع كل عام?

العدد 1577 - السبت 30 ديسمبر 2006م الموافق 09 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً