عاشت البحرين بعد إلغاء قانون أمن الدولة، وصدور ميثاق العمل الوطني مرحلة تُحسد عليها من اتساع هامش حرية التعبير، إذ انطلقت أقلام الصحافيين المكبوتة لفترات طويلة، وتبعثرت الانتقادات عبر الصحف المحلية للمسئولين، وكان (حينها) من المستبعد أن يُساق الصحافي للتحقيق معه ومحاسبته.
ومرت تلك المرحلة (الذهبية) بفترات حرجة، إذ توالى إغلاق المواقع الالكترونية، الأمر الذي أثار استياء شريحة كبيرة نتيجة هذا الإجراء لاسيما أننا نعيش في مرحلة انتقالية، ينبغي لها أن تتخطى سلبيات الماضي، وأن تتعامل بمرونة وإيجابية.
تلا ذلك إصدار قانون المطبوعات الجديد، ومن ثم رفع قضية على صحيفة «الوسط» و«أخبار الخليج» وأخيرا رئيس تحرير نشرة العمل الديمقراطي رضي الموسوي.
احتجاز الموسوي أو التحفظ عليه (سمه ما شئت) لساعات ــ احتجازه ــ يبعث على القلق، ويرفع بطاقة إنذار صفراء لكل الصحافيين لتوخي الحذر، ومعرفة ما يُقال وما لايُقال، وفرض رقابة ذاتية على أنفسهم كي لا تتم (بهدلتهم) بالمساءلات والاستدعاءات.
متى يُفسح المجال لإطلاق الكلمة المسئولة من دون هواجس؟، ومتى يعي المسئولون أن دور الصحافة يتمثل في تعريف المواطنين بحقوقهم والارتقاء بحقوق الإنسان، وتعرية الحقائق والنقد للمخطئين، وكشف مواقع التمييز ومواطن الفساد الإداري والمالي. ينبغي للصحافة أن تكون مدافعة عن من يقبع تحت (الرقابة) فهي السلطة الرابعة (كما يطلق عليها)... إلا أنها اليوم تحتاج إلى من يدافع عنها!
وإن رُفعت البطاقة الصفراء للصحافيين فقد رُفعت أختها الحمراء منذ مدة للمواقع الالكترونية، ولحسن حظها لم تُرفع عليها قضية حتى الآن!
سؤالان يطرحان نفسيهما بقوة... الأول: متى يسود الاطمئنان ويُطلق العنان لحرية التعبير التي يقاس من خلالها تحضر الأمم ورقيها ونهضتها فجزيرة إنجلترا لم تتحول إلى إمبراطورية بريطانيا العظمى ولم تتفجر الثورة الصناعية إلا بسبب تحليها بهامش كبير من الحرية الأمر الذي أدى إلى نزوح العلماء والمفكرين إليها.
والثاني: متى تُطبق النصوص القانونية المُلزمة؟ فدستور 2002 وميثاق العمل الوطني كفل حرية التعبير، عوضا عن الاتفاقات والمواثيق المتمثلة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
حق الإنسان في ممارسته لحرية الرأي والتعبير يلي حق الحياة، ويعد المدخل الطبيعي ومن لا يملك هذا الحق لا يملك أي حق آخر، وإذا كانت الدولة - أية دولة - ستعاقب مواطنيها على ممارسة حقوقهم فلا يمكن الحديث بحال من الأحوال عن حقوق هؤلاء المواطنين في ممارستهم أية حريات أخرى?
العدد 392 - الخميس 02 أكتوبر 2003م الموافق 05 شعبان 1424هـ