العدد 93 - السبت 07 ديسمبر 2002م الموافق 02 شوال 1423هـ

مافيا... أميركي صنع في مصر

بعد مشاهدة مركزة بعين... حذرة، كانت النتيجة فيها إيجابية لصالح فيلم شريف عرفه الأخير (مافيا)... باعتبار أن الدعاية التي سبقت الفيلم، نجحت في شد انتباه الجميع وخلق حال شعورية مسبقة، على أن هذا الفيلم أميركي الصنع... وهو فعلاً أميركي الصنع والتوجه أيضا.

أولا... نتحدث عن ذلك الإحساس الغامر الذي كنا مشحونين به بعد المشاهدة مباشرة... وهو أن السينما المصرية، بهذا الفيلم، وصلت إلى مستويات تقنية وفنية عالية، توازي تلك التي يتمتع بمشاهدتها المتفرج في أوروبا وأميركا... مما يعني أن الفيلم لم يأت بجديد من عنده، كل هذا كان موجودا منذ سنين طويلة في السينما العالمية... فقط احتاج إلى الوقت لكي يأتي ذلك المنتج الجريء والذي يحترم جمهور السينما عندنا، ليقدم لهم متعة بصرية أخاذة، حتى ولو تكلفت الشيء الكثير.

وهذا ما يؤكد أن أزمة السينما المصرية هي في الأساس أزمة إنتاج، وأن هناك فرقا كبيرا بين المنتج الفنان والمنتج التاجر. فالسينما المصرية في الوقت الحاضر قائمة على الترفيه أساسا، بينما وظائف السينما الأخرى ليست متاحة (المتعة... الحلم... الطرح الفكري والاجتماعي). فالإنتاج التقليدي المصري نجح في تأخر السينما عندنا... والسينما المصرية تفتقد كثيرا ذلك المنتج الفنان والجريء، الذي لا تهمه الماديات، بقدر اهتمامه بتطوير أدواته الإنتاجية وبالتالي تطور مستوى الفيلم العربي، والسعي لنجاحه جماهيريا. والمسألة ليست صعبة أو مستحيلة.. فقط علينا أن نوفر ثلاثة شروط أساسية لسينما المستقبل. أولا وثانيا... سيناريست ومخرج يمتلكان جرأة مع حرية كاملة في التخيل والإبداع. ثالثا... منتج مثقف وفنان جريء يؤمن بتقديم الجديد ومستعد لأن يقاوم التيار التقليدي في الإنتاج.

لقد كان الإنتاج في فيلم (مافيا) هو البطل من دون منازع... إنتاج جريء وسخي، لم يبخل لا بالمال ولا بالجهد على كل لقطة أو مشهد، مما جعل لأحداث الفيلم صدقية أكثر وتأثيرٍ أعمق على المتفرج، من خلال زوايا التصوير والإضاءة وكادرات فنية جميلة ومتقنة، إضافة إلى مواقع التصوير المختارة بعناية فائقة، والمقصود منها إظهار مناطق جديدة على شاشة السينما، مناطق تمتاز بالجمال الأخاذ، والخروج على المألوف الذي تعودنا عليه في ظل هذا الكم الهائل من الأفلام التقليدية.

الملاحظة الأخرى والمهمة، تتعلق بالمضمون الدرامي والطرح الفكري، الذي تناوله وتبناه الفيلم أساسا. صحيح أن الفيلم نجح في توصيل رسالة مهمة عن حب الوطن إلى المتفرج وبشكل سهل وبسيط على رغم احتوائها شعارات مباشرة عن الوطنية، إلا ان بناء العمل الدرامي جاء مفككا وغير متناسب مع الحدث الدرامي. فالفيلم ارتكز أساسا على حدثين متوازيين، الأول هو قضية مقاومة الإرهاب وإفشال العملية الإرهابية، والثاني هو تدريب وتجنيد وتكييف البطل للقيام بهذه العملية. فمن الطبيعي أن تكون القضية الأولى هي بؤرة الفيلم، إلا أن الذي حدث هو العكس. إذ لم تأخذ القضية الأولى حقها على خريطة الفيلم بشكل يتناسب مع المساحة التي خصصت للقضية الثانية. مما دفع إلى السرعة في فبركة الحوادث في النصف الأخير من الفيلم، وكأن كاتب السيناريو قد استدرك بأن الفيلم قارب على الانتهاء، مما جعله ينهي الفيلم من دون تفاصيل مهمة، كانت بالطبع ستفيد وتعمق مفهوم القضية المطروحة، فبدا للمتفرج وكأن البؤرة الأساسية هي البطل وليس البطولة، مما أفقد الفيلم الكثير من المصداقية.

مصطفى شعبان ومنى زكي كانا مفاجأة الفيلم الثانية، إذ نجحا وبجدارة في سرقة الكاميرا من بطل الفيلم أحمد السقا، وشدا انتباه المتفرج على ذلك الأداء الأخاذ والجيد في دورين مختلفين عما سبق لهما من أعمال... أما السقا، فقد كان نمطيا، ولم يضف إلى ما قدمه من أعمال أي جديد. ولا يمكننا أن ننسى أحمد رزق، الذي كان فعلاً فاكهة الفيلم اللذيذة، إذ أعطى للفيلم جوَّا مرحا بعيدا عن الجدية التي كانت تسيطر على أحداث الفيلم.

المخرج المتميز شريف عرفة، عرف كيف يتعامل مع أدواته الفنية والتقنية، مع وجود حرية إنتاجية تمتاز بالجرأة. وهو بوصفه مخرجا أثبت من جديد أنه فنان له أسلوب خاص في التعامل مع الصوت والصورة، وفي اختيار فريق عمله الفني، منذ أول أفلامه (الأقزام قادمون)، مرورا بأفلام (اللعب مع الكبار، طيور الظلام). في هذا الفيلم، تبرز موهبة عرفه بشكل أكبر، من خلال اختياره حجم اللقطات والكادر الجمالي والإضاءة ، وجميعها ساهمت فعلاً في إعطاء رونق وجمال فني يحسبان لهذا المخرج وفريق العمل الفني الذي اختاره بعناية شديدة?

العدد 93 - السبت 07 ديسمبر 2002م الموافق 02 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً