العدد 93 - السبت 07 ديسمبر 2002م الموافق 02 شوال 1423هـ

ما قدمته المرأة الكاتبة جاء أعمق ممّا قدمه الآخرون

الممثلة السورية «لينا حوارنة» في حوار مع «الوسط»:

نشأت الفنانة العربية السورية «لينا حوارنة» في عائلة تقدس العلم والثقافة والمشاركة الايجابية في الحياة السياسية والاجتماعية في سورية العربية، وانعكست هذه البيئة على توجهاتها وأفكارها، فتسلحت بالعلم والمعرفة لمواجهة المستقبل، واختارت المجال الابداعي الفني مجالاً لهذا المستقبل.

وبعد سلسلة من الخطو ات الواثقة، تجاوزت «لينا حوارنة» خطوة ناجحة متميزة في تجربتها المسرحية، (خواطر)، حين جسدت شخصية مركبة معقدة، هي نموذج للبنت المستلبة المقهورة التي تكسرت أحلامها وأمانيها بعصا عنجهية الطرف الآخر - الرجل - ، المتمثل في الأب والأخوة الشباب، إذ تغدو خادمة وتابعة إلى رغباتهم، و«لينا حوارنة» التي قدمت شخصية (مريم) في فيلم (نسيم الروح) و(فطمة) في مسلسل (ابوكامل) و(ميّادة) في مسلسل (اسرار المدينة) و(ريما) في ثلاثية (ريما والسائق)، وشخصيات كثيرة في مسلسلات تلفزيونية مثل: (أحلام مؤجلة) و(القيد) و(النصية)، و(حمام القيشاني)، وسواها، تعاملت مع البنية النفسية والاجتماعية لهذه الشخصية باقتدار وحرفية، وأظهرت ما فيها من انكسار وقهر وحب وحزن وصدق، وأضافت، بشهادة الكثيرين ممن تابعوا العرض في دمشق واللاذقية وايطاليا، نجاحاً مسرحياً آخر بعد النجاح الأول في مسرحية (الأقوى) التي حملت أيضا توقيع المخرج «مأمون الخطيب»، واختيرت مسرحية (خواطر) لتشارك في مهرجان شعوب المتوسط الذي أقيم في مدينة «بيشيليه» جنوب ايطاليا، إلى جانب فرق فنية من سورية والعراق والاردن والامارات العربية والمغرب وايطاليا وكوبا ويوغسلافيا، إذ لاقت حضوراً متميزاً واعجاباً واستحسانا من الذين تابعوا فعاليات المهرجان.

«الوسط» التقت الفنانة العربية السورية المثقفة «لينا حوارنة» عبر الحوار الآتي...

ما المعايير والمقاييس التي تحكم علاقتك بالنص المعروض أمامك؟

- تهمني أولاً وقبل أي شيء الفكرة وماذا سيقدم هذا النص، لأن الفن رسالة سامية وعظيمة، ثانياً أحاول أن أتجنب شخصية تشبه ما قدمته سابقاً، فأبحث عن الشخصية المركبة التي تؤرقني وتشغلني في البحث عن مفاتيح الدخول إلى مجاهلها وأسرارها، ففي مسرحية (خواطر) مثلاً حاولت أن أميز بين التركيبة النفسية والبعد الاجتماعي لشخصية البنت المقهورة التي على رغم بؤسها تحب أباها وأخوتها، وفي مسلسل (أسرار المدينة) قدمت شخصية (ميّادة)، البنت المتعلمة التي تحاول اثبات وجودها من خلال أن تكون الأخت والأم والصديقة لأبيها وأخوتها، فهي بذلك توزع أحلامها على الآخرين، وفي ثلاثية (ريما والسائق) قدمت البنت العفوية التي تعيش قصة حب حالمة والتي تربي طفلاً وجدته في الشارع.

من المعروف أن بداياتك كانت تلفزيونية، على رغم دراستك المسرحية الأكاديمية، مع مسلسل (أحلام مؤجلة)، وكانت نقطة الانطلاق باتجاه الابداعات الفنية الأخرى، سواء السينما أو المسرح، ما هي برأيك نقاط التطابق والاتفاق والاختلاف بين هذه الفنون؟

- تتفق هذه الفنون في أنها صدى لرسالة واحدة، هي دور الفن في حركة التاريخ والمجتمع، وهي تتبنى مُثلاً وقيماً واحدة، كالامتاع والتغيير ومعالجة القضايا الانسانية، وليس ثمة اختلافات جذرية بين التلفزيون والسينما والمسرح، لأن لكل منها خصوصيته التي تتوازى من دون أن تتنافر مع خصوصية الآخر، فالتلفزيون هو الضيف الدائم في كل بيت، والسينما في عروضها وفي مهرجاناتها لها سحر ورونق خاص، أما المسرح فهو المحك الذي يفرز الممثل الجيد من السيئ، وهو تماس مباشر مع المتلقي، وتستطيع أن تأخذ، بوصفك ممثلاً مسرحياً، النتيجة مباشرة. وعلى صعيد الممثل، فالتعامل مع السينما يختلف عن التعامل مع التلفزيون، لكن المهم من كل ذلك أن تبقى فضيلة تقديم الأحسن هي التي تدفع الفنان إلى أن يرتقي بأدائه على أي منبر بصري.

هل تعتقدين أن مثل هذا التنوع في مجالات الابداع خدمك، وإلى أي مدى؟

- في ظل الثورة العلمية والمعرفية التي شهدتها الأعوام الأخيرة من القرن العشرين على صعيد الفنون كلها، كان لابد للفنان أن يواكب هذه الثورة المعرفية لتدفعه إلى أفق واسع محكوم بالتجريب، وكان التنوع واحد من هذه المواكبة التي خدمتني كثيراً على الصعيد النفسي والشخصي، لقد أضاف التلفزيون والمسرح والسينما، كل على حدة، الكثير مما كنت أتمناه حين خطوت خطوتي الأولى في التمثيل في فيلم (الليل) مع المخرج «محمد ملص»، وها أنا بعد ما يقرب من أثني عشر عاماً مازلت أبحث في سراديب هذا الفن عن أحرف وأبجديات رسالتي الفنية التي أتمنى أن تصل بأمانة واخلاص وصدق.

كيف تنظرين إلى صورة المرأة التي قدمت الدراما العربية السورية ولاسيما أنك قدمت صوراً مختلفة وأشكالاً متنوعة لها خلال مسيرتك الفنية؟

- حتى الآن، وعلى رغم وجود بعض الاستثناءات النادرة، مازالت المرأة مظلومة درامياً، فهي تقدم بصورة التابعة إلى الرجل والتي تدور في فلكه، ولم تستطع الدراما مواكبة المنجز التحرري الذي وصلت إليه المرأة العربية، الآن هناك شريحة واسعة من النساء الطبيبات، الكاتبات، الممثلات، الموظفات، القياديات اللواتي لم تستطع بعض الأعمال الدرامية التغلغل إلى عوالمهن المجهولة، وقدمتهن كنساء فقط يؤدين دوراً أسروياً، وابتعدت قليلاً وبسطحية واضحة عن معاينة جوهر علاقة هذه المرأة بالبيئة المحيطة وبالآخر، الرجل، والنظرة إلى طبيعة العلاقة التي تحكم بينهما. في المقابل لامست بعض الأعمال والمسلسلات واقع المرأة ومشكلاتها، ففي (حمام القيشاني) مثلاً رأينا الجانب النضالي السياسي للمرأة التي تعبر عن حريتها بشكل مطلق وفي الوقت ذاته تحافظ على انسانية المرأة وجوانيتها، في (أحلام مؤجلة) كمثل آخر قدمت الزميلة «صباح الجزائري» دوراً مميزاً للمرأة الصحافية التي تملك طموحات لا حدود لها.

أيضاً هناك اشكالية اعترت بعض الأعمال التي قدمت المرأة الشرقية وكأنها مازالت تعيش في ظلمات القرون الوسطى، فهل هذه هي الصورة التي نسعى إلى تكريسها في ذهنية المتلقي الغربي وغيره؟

نحن نعيش المتناقضات على الصعيد الحياتي، فالمرأة الفاعلة المؤثرة في الحركة الاجتماعية بين الناس هي امرأة قد تكون مضطهدة في بيتها، يجب أن ننظر بقدسية وانصاف إلى هذه المرأة، يجب طرح مشكلاتها كما هي في الواقع من خلال نصوص درامية تتبنى كل هذه المشكلات، ودعنا نقر أن ما قدمته المرأة الكاتبة، المرأة المخرجة، في مسيرة الدراما السورية كان أقدر وعلى نحو أعمق مما قدمه الآخرون.

الفن والابداع عموماً هو رسالة سامية، ما المطلوب من الفن عموماً والدراما خصوصاً في ظل ما يعيشه المجتمع العربي من تحولات؟

- التحول الذي نعيشه لا يشمل المجتمع العربي وحده، انما هو تغيير شامل في ظل انتشار الفضائيات وتبعات العولمة، لقد أصبح كل شيء مخيفاً ولا ندري إلى أين سيقودنا هذا السباق المحموم. الآن برأيي جاء دور الفن الذي يسمو بالانسان إلى آفاق انسانيته المفقودة، الفن الحقيقي الذي يجب أن يقدم الأفضل، وإلاّ صار محكوما بالفشل. أما الدراما فيجب أن تبتعد عن التقليد والابتذال والاستسهال، فالكوميديا ليس المطلوب منها الاضحاك فقط، والتراجيديا ليست لتحزننا أو تبكينا، انما لتؤديا رسالة الفن السامية، هذا هو المطلوب من الفن والدراما، ويجب أن يكونا أكثر جدية وعمقاً وأكثر مواكبة للتطورات، ونحن بوصفنا عاملين علينا أن نعد العدة لمواجهة أخطار هذه التحولات بما نملك من معارف واهتمامات، وأؤكد أن ما يحدث غير طبيعي، هناك أشياء تبعث على الأسى وهناك أشياء تنهض لترمم انكسارات الروح.

لقد عاصرت التحول الكبير الذي شهدته الدراما العربية السورية، فما الذي اختلف بين الأمس واليوم؟

- اليوم كثر العاملون وصار الانتاج ضخماً وغزيراً، وهذا شيء طبيعي جاء مع توسع الطاقة الارسالية لقنوات البث الفضائية...

في المنظور العام صارت المسئولية أكبر لأن خطابنا الثقافي ومقولتنا الدرامية صارت تجوب الأرض من مشارقها إلى مغاربها، وصار لزاماً علينا أن نختار الفكرة الأفضل والمقولة الأرقى، وما حدث في السنوات الأخيرة هو نتيجة التراكم الذي أنجزته الدراما العربية السورية خلال ما يقرب من خمسين عاماً من العطاء.

وهذا كله لم يمنع دخول أناس ليس لهم علاقة بالفن يخضعون انتاجهم للربح والخسارة، الأمر الذي أدى إلى انتاج غزير بسوية بعضها سيئ جداً، ولنقلها صراحة إننا بدأنا نحس بأن الدراما العربية السورية بدأت تستهلك وتجتر بعض موضوعاتها وأفكارها، في المنظور الخاص أصبح المطلوب مني، بوصفي ممثلة، أكبر، وصار الاطلاع والقراءة والمتابعة الأعمق والاختيار الموفق هو الدافع للحفاظ على المنجز السابق والانطلاق نحو أعمال ترضي طموحاتي وأمنياتي.

هل استطاعت الأعمال الدرامية التي قدمت بعد هذا التحول أن تلامس جوهر القضايا الانسانية والحياتية أكثر وأعمق؟

- بعضها نعم، وبعضها الآخر جاء مستنسخاً مكرراً أفكار غيره، انظر مثلاً إلى ما يقدم من عشرات المسلسلات في شهر رمضان المبارك، الذي بات يشبه سوق عكاظ، قد يخرج المشاهد بانطباع حسن عن مسلسلين أو ثلاثة على الأكثر، والباقي ان شاهدها سينساها بعد عرض الحلقة الأخيرة، بالتأكيد مرد ذلك إلى أن تلك المسلسلات لم تلامس شغاف روحه وقلبه ووجدانه، وجاءت كأنها تتحدث عن مجتمع آخر غير المجتمع العربي، وطرحت قضايا هي أبعد ما تكون عن القضايا الجوهرية للإنسان العربي، خذ مثلاً مسلسل (حمام القيشاني)، أو مسلسل (الفصول الأربعة) أو (قوس قزح) أو (بقعة ضوء)، وعلى اختلاف أبعادها السياسية والاجتماعية، لامست الكثير من هموم الشرائح التي نصادفها في حياتنا اليومية، وحققت نجاحاً جماهيرياً على عكس المسلسلات التي كانت صناعة، وصناعة فقط، ولا مجال لذكرها إذ يعتبرها صانعوها فوق مستوى النقد والتقييم?

العدد 93 - السبت 07 ديسمبر 2002م الموافق 02 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً