وزير الخارجية كيري: شكرًا جزيلا لكم، السيد الأمين العام، والسادة الموقرين وزراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن.
قبل خمسة أسابيع، شهد العالم صفوفًا تليها صفوف من الأطفال القتلى ممدّدين على أرضية مستشفى، وحدهم أو بجانب آبائهم وأمهاتهم المقتولين، وكلهم ملفوفون في أكفان لا أثر للدماء عليها. لقد صُدم ضمير العالم، لكن تصميمنا الجماعي اشتد صلابة. وهذه الليلة، أثبت مجلس الأمن الدولي، من خلال قرار قوي وقابل للتنفيذ يؤسس سابقة بمطالبته سوريا أن تتخلى عن أسلحتها الكيميائية، أن الدبلوماسية يمكن أن تكون قوية جدًا، إذ يمكنها أن تنزع فتيل أسوأ أسلحة الحروب بشكل سلمي.
ولذا، فإننا، في هذه الليلة، نعلن معًا لأول مرة، أن استخدام الأسلحة الكيميائية، التي جعلها العالم منذ فترة طويلة خارج حدود السلوك الإنساني المقبول، يشكل أيضًا تهديدًا للسلم والأمن الدوليين في أي مكان وفي أي وقت يمكن استخدامها، وتحت أي ظرف من الظروف. إننا، كمجتمع من الأمم، نؤكد من جديد مسؤوليتنا عن الدفاع عن العزّل، أولئك الذين تتعرض حياتهم للمخاطر في كل يوم يعتقد فيه أي شخص أنه يمكن أن يستخدم أسلحة الدمار الشامل دون عقاب. إن العالم، معًا وبصوت واحد للمرة الأولى، يفرض تعهدات ملزمة على نظام الأسد تشترط عليه التخلص من الأسلحة التي استُخدمت بتأثيرها المدمر كأداة للإرهاب. ويعكس هذا القرار المهم ما سيبدأ في فعله الرئيس أوباما والرئيس بوتين ونظراؤهما في جميع أنحاء العالم.
إنني أود أن أشكر وزير الخارجية لافروف على تعاونه وجهوده الشخصية التي بدأت قبل جنيف واستمرت خلال هذا الأسبوع، حتى نتمكن من إيجاد أرضية مشتركة. كما أود أيضًا أن أشكر صديقيّ العزيزين ونظيريّ، وزير الخارجية هيغ ووزير الخارجية فابيوس، اللذين كانا شريكين في كل خطوة على الطريق.
لقد كان هدفنا الأصلي هو إضعاف وردع قدرة سوريا في استخدام الأسلحة الكيماوية، وكان يمكن لخيار القوة العسكرية الذي أبقاه الرئيس أوباما مطروحًا على الطاولة أن يحقق ذلك. لكن في الواقع فإن قرار هذه الليلة يحقق أكثر من ذلك. فمن خلال الوسائل السلمية، سوف يسعى القرار، للمرة الأولى، إلى القضاء كليًا على قدرة دولة على إنتاج الأسلحة الكيميائية، وفي هذه الحالة تحديدًا هي سوريا. وسوف تبدأ عمليات التفتيش داخل المواقع التي يتم تخزين هذه الأسلحة فيها بحلول تشرين الثاني/نوفمبر، ووفقًا لأحكام هذا الاتفاق، ستتم إزالة هذه الأسلحة وتدميرها بحلول منتصف العام المقبل.
كما كان هدفنا أيضًا هو إخضاع نظام الأسد للمساءلة علنًا بخصوص استخدامه المروع للأسلحة الكيميائية ضد أفراد شعبه في 21 آب/أغسطس. وهذا القرار يجعل من الواضح أنه يجب أن تتم محاسبة المسؤولين عن هذا العمل الشنيع.
إن المجلس، في هذا القرار، وهذه نقطة هامة، يؤيد بيان جنيف، الذي يدعو إلى نقل السلطة إلى هيئة حكم انتقالي، مما يمهد الطريق لإجراء انتخابات ديمقراطية وتشكيل حكومة يمكن أن يختارها الشعب السوري لتمثّل الشعب السوري.
وقد سعينا لاستصدار قرار ملزم قانونيًا وهو ما تبناه مجلس الأمن الدولي. وللمرة الأولى منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا يُفصح مجلس الأمن بالتفصيل عما سيتعين على سوريا عمله للامتثال لالتزاماتها القانونية. ولا يجوز لسوريا أن تختار أو ترفض المفتشين، إنما عليها أن تمنح أولئك المفتشين فرصة الوصول غير المقيد لجميع، وأي موقع، ولأي فرد أو كل الشعب.
كما ابتغينا قرارًا قابلا للتطبيق. وأكرر، هذا ما تبناه مجلس الأمن. ونحن حضرنا إلى هنا لأن الأفعال يترتب عليها تبعات وإذا فشل النظام (السوري) في اتخاذ الإجراءات ستكون هناك تبعات. وستُقدّم تقارير دورية إلى مجلس الأمن عن أي تقدم، وفي حال كان هناك عدم امتثال، سيفرض المجلس إجراءات بموجب الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة.
قبل أسبوعين فقط حينما امتنعت الحكومة السورية حتى عن الإقرار بوجود مخزون هائل من الأسلحة الكيميائية وعن الإعلان أنها بحوزتها فإن مثل هذه النتيجة، بصراحة، كانت أمرًا لا يمكن تخيله بتاتًا. لكن بفضل تعاون مجموعة الدول الخمس في الأمم المتحدة وبفضل أصدقائنا وشركائنا حول العالم، كثير منهم حاضرون في هذه القاعة، أظهر مجلس الأمن أنه حينما نضع السياسة جانبًا من أجل الصالح العام، نكون قادرين على إنجاز أمور لا يُستهان بها. وإذا نُفّذ القرار بالكامل سنكون قد استأصلنا أحد أكبر برامج الأسلحة الكيميائية في المعمورة من أحد الأماكن الأكثر اضطرابًا على وجه الأرض.
ويقع على عاتق نظام الأسد عبء الوفاء ببنود هذه الاتفاقية وحينما يتعلق الأمر بأولئك الذين يفتكون بمواطنيهم أنفسهم فإن صبر العالم ينبغي أن يكون قصيرًا. لكن لا يخطئن أحد، فإن بقية العالم لا يزال يتحمل عبء عمل ما يجب أن نعمله لوضع حد للقتل الجماعي بوسائل أخرى. وعلينا العمل سوية بالقدر من التصميم والتعاون الذي قادنا إلى هنا هذا المساء من أجل إنهاء الصراع الذي ما زال يمزق سوريا إربًا حتى يومنا هذا. وعلينا مواصلة توفير المساعدات الإنسانية التي تمس الحاجة لها. ولا الأسد ولا غيره ينبغي أن يقف حجر عثرة بين المساعدات والذين يحتاجونها. وحينها فقط نكون قد وفينا بمسؤوليتنا تجاه الشعب السوري وتجاه أنفسنا. وحينها فقط نكون قد دفعنا نحو الأمام بمصالحنا وأمننا ومصالح وأمن حلفائنا في المنطقة. وحينها فقط نكون قد بينا أن مجلس الأمن يفي بمسؤوليته عن تطبيق السلام والأمن الدوليين.
إذن، هذا المساء نحن نقف صفًا واحدًا في دعم إيماننا بأن المؤسسات الدولية لها أهمية وأن الأعراف الدولية مهمة. ونحن نعلن بصوت واحد أن الفظائع التي ارتُكبت بأشنع أسلحة العالم لن يتم التساهل حيالها. وحينما تهب مؤسسات مثل مجلس الأمن للدفاع عن المبادئ والقيم التي نتشاطرها جميعًا، وحينما ننذر أنظمة حكم تلجأ للعنف أن العالم سيتحد في مواجهتها، فإن ذلك سيقود، ليس إلى سوريا أكثر أمانًا فحسب، وإنما إلى عالم أكثر أمانًا كذلك.
شكرًا لكم.