نبَّه تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي أمس الثلثاء (12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013)، إلى تراجع الأوضاع المالية العامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان. بالإضافة إلى ذلك، وجد التقرير أن معظم البلدان المصدّرة للنفط لا تدّخر قدراً كافياً من إيراداتها النفطية الاستثنائية لصالح الأجيال القادمة. وقد بدأت بعض البلدان في سحب دفعة التنشيط المالي هذا العام. ومن دون مزيد من التخفيضات المالية، ستبدأ حكومات المنطقة في السحب من مدّخراتها بحلول العام 2016.
وضعفت آفاق الاقتصاد قصيرة الأجل لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان، بحسب آخر تقييم أصدره صندوق النقد الدولي عن المنطقة.
وتشير التوقعات الواردة في تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي للمنطقة، والذي أصدره الصندوق إلى تراجع النمو إلى 2.25 في المئة هذا العام وتحسّنه في العام 2014 مع تحسّن الظروف العالمية وتعافي إنتاج النفط.
وتواجه البلدان المصدّرة للنفط في المنطقة، الجزائر والبحرين وإيران والعراق والكويت وليبيا وعُمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة واليمن، انخفاضاً مؤقتاً في النمو الكلي نظراً إلى انقطاعات العرض المحلي وانخفاض الطلب العالمي؛ لكن التقرير يشير إلى مواصلة معظم البلدان تسجيل نمو قوي في القطاع غير النفطي.
وفي الوقت نفسه، تؤدي التحولات السياسية الصعبة وزيادة أجواء عدم اليقين الناتجة عن الحرب الأهلية المعقدة في سورية إلى التأثير على الثقة في بلدان المنطقة المستوردة للنفط، وخاصة مصر والأردن ولبنان والمغرب وباكستان والسودان وتونس.
البلدان المصدرة للنفط تحقق نشاطاً اقتصادياً جيداً
وعلى رغم هبوط معدّل النمو الإجمالي بسبب انقطاعات في عرض النفط المحلي وتراجع الطلب العالمي، فإن معظم البلدان المصدرة للنفط في المنطقة ستواصل نموها القوي في القطاع غير النفطي، بدعم من مستويات الإنفاق العام المرتفعة والتعافي التدريجي في نمو الائتمان الخاص. ويرجّح التقرير أن يؤدي انتعاش إنتاج النفط وزيادة قوة الاقتصاد غير النفطي إلى رفع معدّلات النمو الاقتصادي في العام 2014؛ حتى تعود إلى المستويات المسجّلة في الماضي القريب.
ويمكن أن يتسبّب استمرار انخفاض أسعار النفط في إصابة معظم البلدان المصدّرة للنفط في المنطقة بعجز مالي مع حلول العام 2014. وبينما تستطيع معظم دول مجلس التعاون الخليجي التعامل مع هبوط الإيرادات النفطية لفترة قصيرة أو بحجم طفيف، يشير التقرير إلى أن الحيّز المالي المتاح لها يزداد ضيقاً يوماً بعد يوم.
وفي هذا الصدد، صرح مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، أحمد مسعود للمراسلين الإعلاميين بقوله إنه «في هذه البيئة السائدة، ينبغي للحكومات أن تستكشف السبل الممكنة لكبح النفقات الجارية التي يصعب التراجع عنها، وخاصة الأجور والدعم، مع تركيز الإنفاق على الاستثمارات الرأسمالية والبرامج الاجتماعية عالية الجودة».
البلدان المستوردة للنفط وإجراءات مطلوبة
أدّى اقتران عدم اليقين السياسي والضغوط الاجتماعية والصراع في سورية إلى مزيد من التأخر في التعافي الاقتصادي. وطبقاً لتقرير الصندوق، من المتوقع أن تحقق البلدان المستوردة للنفط نمواً متوسطاً لا يتجاوز 3 في المئة في 2013 – 2014، وهو أدنى بكثير من معدّلات النمو الضرورية لتخفيض البطالة المزمنة وتحسين مستويات المعيشة.
وقال مسعود: «على مدار الثلاث سنوات الماضية، وتلبية للمطالب الاجتماعية المتنامية وإزاء ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، زاد الإنفاق على الدعم والتوظيف في القطاع العام ومدفوعات الأجور في معظم البلدان المستوردة للنفط، بينما هبطت الإيرادات بسبب الهبوط الاقتصادي».
وبالتالي، ارتفع العجز المالي في البلدان المستوردة للنفط مسجّلاً نحو 10 في المئة من إجمالي الناتج في المتوسط. وبالإضافة إلى ذلك ظلت الاحتياطيات الدولية منخفضة، بحسب ما ورد في التقرير.
وفي هذا الخصوص قال مسعود: «تواجه بلدان التحول العربي وضعا حرجاً. فعدم اليقين السياسي يزيد من صعوبة إجراء إصلاحات شاملة واسعة النطاق. وفي الوقت نفسه، عدم تحسّن الأوضاع الاقتصادية يمكن أن يعزز الاحتكاكات الاجتماعية والسياسية ويصيب التحولات في كثير من البلدان بمزيد من النكسات؛ ما يؤخر عودة الثقة واستثمارات القطاع العام على نطاق أوسع».
وفي هذه البيئة المليئة بالتحديات، يوصي صندوق النقد الدولي بأن يقوم صنّاع السياسات في المنطقة بما يأتي:
- خلق الوظائف للمساعدة على استمرار التحولات الاجتماعية والسياسية: فمع تعطّل استثمارات القطاع الخاص، ينبغي أن تقوم الحكومات بدور أساسي في دعم النشاط الاقتصادي على المدى القصير. ويدعو هذا إلى تحويل الإنفاق من الدعم المعمم إلى الاستثمارات العامة؛ ما يمكن أن يساعد على تعزيز النمو. وفي الوقت نفسه، ينبغي إقامة شبكات أفضل للأمان الاجتماعي تعمل على حماية الفقراء.
- ترتيب البيت المالي لإعادة الديون إلى مستويات يمكن الاستمرار في تحملها: ففي بعض الحالات، قد يكون هناك مجال لضبط أوضاع المالية العامة بمرور الوقت (تخفيض الإنفاق و/أو رفع الإيرادات) للحد من تأثيرها على النمو الاقتصادي في الأجل القصير. وستحتاج البلدان مزيد من الدعم من المجتمع الدولي لتحقيق هذا التوازن.
- الشروع في جدول أعمال جريء للإصلاحات الهيكلية: ويتضمّن هذا تحسين مناخ الأعمال وإتاحة المزيد من فرص التمويل لتحقيق مستويات أعلى من النمو القابل للاستمرار وخلق فرص العمل على المدى المتوسط.
العدد 4085 - الثلثاء 12 نوفمبر 2013م الموافق 08 محرم 1435هـ