رأى المستشار الإعلامي ورئيس مجلس إدارة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون سلطان البازعي، أن مفهومي الديمقراطية وحرية الصحافة، لا يتوافران بشكل مطلق في أية دولة من دول الإعلام، معتبراً أن هذين المفهومين يتوافران في المدينة الفاضلة فقط.
جاء ذلك في مداخلة ألقاها في المنتدى الخليجي للإعلام السياسي، الذي أقيم أمس الإثنين (23 ديسمبر/ كانون الأول 2013)، تحت عنوان: «دور الإعلام في التنشئة السياسية»، بتنظيم من معهد البحرين للتنمية السياسية وجمعية الصحفيين البحرينية، وبرعاية نائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة.
وشهد المنتدى حضور عدد من الأكاديميين والخبراء والمستشارين الإعلاميين في البحرين والخليج، إلى جانب طلبة إعلام في عدد من الجامعات في البحرين.
وقال البازعي، في الجلسة الأولى من المنتدى الخليجي للإعلام السياسي، إن الصحافة قد تكون محفزاً لنشوء الديمقراطيات والحريات، إلا أنه لا توجد ديمقراطية وصحافة حرة بشكل كامل.
ورأى أنه «مازالت هناك قيود موجودة وفاعلة في نشاط الصحافي والإعلامي، وبالتالي فمفاهيم الديمقراطية والحرية نسبية، والصراع في المجتمعات موجود لرفع سقف الحرية والديمقراطية».
وأشار إلى أن هناك تأثيرات سياسية وعاطفية ورأسمالية في حرية الصحافة، تؤثر على عمل الصحافة والإعلام.
واعتبر أن الإعلام الحقيقي هو الإعلام الاجتماعي، الذي يعبر القارات، ويخترق الأزمنة، ولا ينتظر صدور الصحيفة في اليوم التالي لقراءتها وقراءة عناوينها الرئيسية.
وقال: «لا يجب أن نفرض على الشباب والجيل الحالي الأفكار والذوق الذي كان مفروضاً علينا، فهم سيشكلون ثقافتهم بشروطهم الحالية، والمؤثرات في الرأي العام لن تعود كالتأثيرات السابقة، فالعملية الإعلامية تغيرت، واختلفت عما كانت عليه سابقاً.
واعتبر أن من غير المجدي طرح سؤال عن كيفية إعادة الشباب إلى جيلنا السابق، بل السؤال: كيف نتعايش مع هذا الجيل، ونستطيع أن نعيش معه ونعرف ما هي المؤثرات التي تؤثر عليه، ونستطيع التعايش معهم.
وفي الجلسة التي حملت عنوان «مستقبل الإعلام السياسي»، رأى مشاركون في الجلسة أنه لا توجد حيادية وموضوعية بالمعنى المطلق في الإعلام السياسي، سواءً في الدول العربية أو الغربية.
وقال مدير عام ورئيس تحرير «قناة العرب» الفضائية جمال خاشقجي: «لا توجد حيادية كاملة، لكن يجب أن نسعى لها»، مؤكداً أن الوعي السياسي موجود لدى شعوب الدول العربية، ويجب على الإعلام التعامل مع هذا الوعي.
وذكر أن «الإعلام السياسي يوصف بأنه أهم وظائف العملية السياسية التي تقوم بها أية دولة، فأية دولة لديها رسالة، فإن هذه الرسالة تصل عبر الإعلام السياسي».
ورأى أن «الظروف التي مر بها العالم العربي، لم تسهم في صناعة الإعلام السياسي، إلا أنها غيرت طبيعة الإعلام السياسي، وغيرت طبيعة السياسة».
واتفق أستاذ الإعلام بجامعة البحرين عدنان بومطيع، مع ما طرحه خاشقجي، إذ رأى أنه «لا توجد حيادية أو موضوعية أو نزاهة في الإعلام، وحتى في الإعلام الغربي».
وتحدث بومطيع عن نشأة الإعلام، موضحاً أن «إعلامنا المحلي والخليجي نشأ مع السياسة، والسياسة هي التي أنشأت الإعلام، منذ إنشاء أول صحيفة في البحرين على يد مؤسس الصحافة عبدالله الزايد، فلا توجد سياسة من دون إعلام».
واعتبر أن الفشل الإعلامي الموجود في الدول العربية، سببه «النشأة غير الصحيحة للإعلام، ونتائج هذه النشأة ندفعها من أموالها، وإعادة الفشل في الكثير من مواقعنا الإعلامي، فحدث يقع من تحت أرجلنا ونضطر إلى مشاهدته عبر قناة أجنبية، بسبب أن الإعلام المحلي لا يستطيع أن يبث هذا الحدث، وهذا هو سبب الفشل الذي نعاني منه».
وأشار إلى أن «هناك مآسي تكرر في كل منتدى وكل مؤتمر، ونأمل من الجيل الجديد أن ينهض بالمسئولية الإعلامية والاجتماعية، ويخدم الدولة».
إلى ذلك، أفاد مدير إدارة التشريع والجريدة الرسمية بهيئة التشريع والإفتاء القانوني مال الله الحمادي أن أي مجتمع من مجتمعات العالم لا يخلو من الالتزامات والحقوق، وهذه منصوص عليها في الدساتير والمواثيق الدولية.
وفي الحديث عن الجيل الجديد، ومن يكتبون في مواقع التواصل الاجتماعي وينقلون الأخبار والصور، قال: «لا أعتبر أن من يكتبون في مواقع التواصل الاجتماعي صحافيين بالمعنى الحقيقي، فهناك الكثير من الأخطاء وعدم الدقة في نقل الأخبار، فضلاً عن الأخطاء الإملائية، وطريقة صياغة ما يكتبونه».
من جانبه، أكد رئيس مجلس أمناء معهد البحرين للتنمية السياسية، نبيل الحمر، أن الإعلام السياسي أصبح أداة مهمة لرسم مستقبل الدول، وعنصراً أساسيّاً في عملية التنمية الشاملة، وخصوصاً في ظل التطورات التي تشهدها دول العالم، مشدداً على ضرورة التعاون والتكاتف للوقوف بوجه الهجمات الإعلامية التي تتعرض لها دول المنطقة.
ورأى أن «أهمية الإعلام السياسي تبرز كأداة توعوية فاعلة حقيقية، وخصوصاً في خضم التطورات والتحولات التي تعيشها المنطقة العربية والخليجية، والمساهمة في رسم المستقبل السياسي للمنطقة، لكون الإعلام السياسي عنصراً أساسيّاً في عملية التنمية الشاملة». وأكد أن علينا اليوم بالتعاضد والتكاتف والاتحاد أكثر من أي وقت مضى من أجل الوقوف في وجه الهجمات الإعلامية الشرسة على مجتمعنا ودولنا، كما أن تحديات كهذه تفرض على أبناء دول المنطقة أن يكونوا على قدر المسئولية للذَّود عن دولهم.
الى ذلك، قال رئيس جمعية الصحفيين البحرينية مؤنس المردي، إن البحرين أدركت الدور الإعلامي البارز بعد الأزمة التي مرت بها في العام 2011. وذكر أن الحرب اليوم ليست حرب أسلحة، فالتأثير الذي يخلفه الإعلام ليس بأقل وطأة من دمار الأسلحة.
وقال رئيس تحرير صحيفة «السياسة» الكويتية، أحمد الجارالله، إن الإعلام الخليجي مازال مهمّاً في التصدي للهجمات الإعلامية التي تتعرض لها البحرين، وخصوصاً من «صحف ومحطات ومواقع إلكترونية مرتبطة بمشروع الهيمنة على الخليج والذي تعمل عليه إيران».
ورأى الجارالله، أن الإعلام الخليجي استطاع أن «يدحض الشائعات التي روّجت لها المنظومة الإعلامية الصفراء ضد البحرين».
وقال: «إن الإعلام لم يعد ناقلاً للخبر فقط، بل أصبح موجهاً رئيسيّاً للرأي العام، وكلنا نعلم أنه في ظل التطور الكبير في وسائل الإعلام، تغيرت وظائف الإعلام، وأصبحت الصحيفة مطالبة بتقديم دور أكبر مما كانت عليه في القرون الماضية، وخصوصاً بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الاتصالية الجديدة.
وأكد أن الإعلام له النصيب الأكبر في التنشئة السياسية، وتوعية المجتمع حيال قضاياه، ووسائل الإعلام المملوكة للقطاع الخاص تكون مسئوليتها أكثر حساسية من وسائل الإعلام الرسمية.
وأفاد بأن «التنشئة السياسية هي عملية تنقيل الفرد مبادئ مشاركته السياسية، عبر إطلاعه على القضايا الوطنية، وتنمية إدراكه بكيفية المشاركة فيها».
ونقل الجارالله تجربته الشخصية، وذلك عندما تعطلت الحياة في الكويت إبان الحرب العراقية الكويتية، وتوقف إصدار صحيفته، إلا أنه وبتوجيه من أمير الكويت السابق، كانت الصحيفة تصدر من مدينة جدة في السعودية، وهي أول صحيفة تصدر مما وصفه بـ «المنفى»، بحسب ما قال الجارالله.
وأشار إلى أن الصحيفة كانت تعمل على التنشئة السياسية، ووازنت بين الموقف الوطني والقضية الأساس، والتصدي للمحتل.
وقال: «صرنا على يقين بأن الديمقراطية الكويتية أصبحت أكثر صلابة، وأن الصحافة قادرة على تحمل الدور والموقف الوطني والاستقلالية في الوقت نفسه».
وأضاف «خلال 50 عاماً الماضية خضت الكثير من التجارب، فصحيفتي حجبت مرات عدة، بأمر من السلطات، وسجنت أكثر من مرة، وتعرضت شخصيّاً لنحو 6 محاولات اغتيال بواسطة إطلاق النار، ومازلت أحمل في جسدي آثار تلك المحاولات».
وأشار إلى أن «بعضنا يقع ضحية فهم حرية الرأي والتعبير في الصحف الغربية، في حين أن مؤسسات الإعلام في تلك الدول مرتبطة بمصالح أصحابها ودولها، وهناك الكثير من القضايا التي تدل على ذلك، ومن بينها القضية الفلسطينية، والنزعة العدوانية ضد العرب والمسلمين، وخصوصاً بعد تفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول».
اما الإعلامي والكاتب في صحيفة «الوطن» الكويتية أحمد الفهد فقد أشار إلى أن الإعلاميين والجمعيات الصحافية في جميع الدول، يقع على عاتقها التفاعل مع الشباب، وتنشئتهم سياسيّاً، معتبراً أن ذلك تحدياً يقع على هاتين الجهتين، وخصوصاً في ظل التطور المستمر في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
وأشار الفهد، في الجلسة الأولى من المنتدى الخليجي للإعلام السياسي الذي افتتح أمس الإثنين (23 ديسمبر 2013)، إلى أن «التحدي من الإعلاميين والجمعيات الصحافية هو أن نعيد دور الإعلام في التنشئة السياسية. وإذا لم يتم التعامل بواقعية مع كل شائعة فهذا يعني أن الشخص بعيد عن الواقع وما يدور من حوله».
وشدد على ضرورة أن «نطور آلياتنا، ونتفاعل، ونعرف ما يريده الشباب، ونلبي طلباتهم».
وأوضح أن وسائل التواصل الاجتماعي أوجدت إعلاماً اجتماعيّاً، وكل مواطن أصبح إعلاميّاً، ولذلك نرى الشباب يصوّرون الحوادث اليومية، ويعتبرون الصورة أولى من إنقاذ حياة (إنسان) ربما سيفارق حياته.
ورأى أن «المؤسسات الإعلامية أصبح عليها عبء لتواكب السبق الصحافي بسبب انتشار مواقع التواصل الاجتماعي».
وفي سياق كلمته في المنتدى، اعتبر الفهد أن «لكل صحيفة هابطة جمهور هابط، فهناك جمهور يريد النقد الهادف، وهناك جمهور يريد النقد الهابط»، مشيراً إلى أن «الإنسان يحب أن يرى المخالف ويتابعه، ولا يحب أن يرى الشيء العادي. وكثير من الأشخاص الذين أعرفهم يقرأون صحفاً لا يحبونها».
من جانبه، اعتبر الكاتب الصحافي إبراهيم الشيخ أن التنشئة السياسية هي التي أدت إلى الأحداث التي تشهدها الدول العربية حاليّاً. وأوضح الشيخ، أن التنشئة السياسية هي عبارة عن «معرفة سياسية، واهتمام سياسي ومشاركة سياسية، يقوم بها أي شخص».
وأفاد بأن «مصادر مختلفة للتنشئة السياسية، فبالإضافة إلى أن الوالدين لهما دور في هذه التنشئة، فهناك الأصدقاء والإخوان، ورجال الدين والسياسة، فهذه جميعها عناصر مؤثرة في التنشئة السياسية، يضاف إليها عناصر الإعلام الجديد».
العدد 4126 - الإثنين 23 ديسمبر 2013م الموافق 20 صفر 1435هـ