خلال السنوات القليلة الماضية، تراجع الاقتصاد الهندي بشكل مستمر بسبب ارتفاع التضخم والسياسة النقدية المتشدّدة. فمنذ الأزمة المالية، لم ينخفض معدّل التضخم، الذي يقاس بمؤشر أسعار الجملة (WPI)، لأقل من 4.5 في المئة على أساس سنوي، وبلغ متوسطه السنوي خلال السنوات الأربع الماضية 8 في المئة.
وأحد أهم الأسباب المؤدية إلى هذه الزيادة في أسعار الجملة هو تدني مستوى البنية التحتية في الهند؛ ما ينتج عنه مصاعب تواجه عرض السلع وبالتالي انخفاض الكميات المتوافرة منها.
والسبب الآخر هو مزيج من اعتماد الهند على الطاقة المستوردة من الخارج وسعر صرف عملتها العائم. فالهند تستورد أغلب ما تستهلكه من الطاقة؛ ما يعني أن قوة العملة عامل مهم جداً. إلا أن البيئة الاقتصادية في العالم ضعيفة، وذلك منذ الأزمة المالية العالمية؛ ما يسبّب تذبذباً في الأسواق الناشئة.
ومنذ مايو/ أيار 2013، انخفض سعر صرف الروبية الهندية إلى أكثر من 15 في المئة ليصل اليوم إلى أكثر من 60 روبية للدولار، في أعقاب الشائعات حول خفض الولايات المتحدة للسيولة التي تضخّها.
وتتطلّب السيطرة على التضخم مناقشة وحلاً لهذين العاملين. فالحكومة تحتاج أن تزيد استثماراتها في البنية التحتية على المدى المتوسط، ولكنها بهذا تخاطر بزيادة عجزها المالي؛ ما يخفض من ثقة المستثمر الأجنبي، ويزيد من تدفق رأس المال خارجاً. وبالتالي، سينخفض سعر صرف الروبية أو يستمر بضعفه، مسبّباً المزيد من الضغوط التضخمية بسبب قطاع الطاقة.
ومن إحدى الطرق التي تمكّن الهند من التعامل مع هذا المأزق، هي زيادة الإيرادات المالية، أو عن طريق تخفيض النفقات الحكومية الأخرى. إلا أن التضييق المالي أمر صعب نظراً إلى طبيعته التي لا تحظى بشعبية عموماً، وخاصة قبل الانتخابات. لكن الأكثر ترجيحاً هو أن تطبّق الحكومة المقبلة مشاريع البنية التحتية التي تهدف إلى أن يكون لها تأثير إيجابي على الاقتصاد على المدى المتوسط.
وبدلاً من هذا، كان البنك المركزي الهندي يحارب التضخم لوحده. فتضخم أسعار الطاقة والمواد الغذائية عالٍ جداً، لكن البنك المركزي الهندي تمكّن من السيطرة على تضخم أسعار العقارات والمنتجات الاستهلاكية عن طريق رفع سعر الفائدة وتقييد السيولة، على رغم تضرّر النمو الاقتصادي. ونما الإنتاج الصناعي بمتوسط 0.6 في المئة في الأشهر 24 الأخيرة.
كميل عقاد
محلل اقتصادي في «آسيا للاستثمار»
العدد 4192 - الخميس 27 فبراير 2014م الموافق 27 ربيع الثاني 1435هـ