العدد 4267 - الثلثاء 13 مايو 2014م الموافق 14 رجب 1435هـ

"قصص بومباي" لسعدات حسن مانتو... لآلئ من ندم

الوسط (فضاءات) - جعفر الجمري 

تحديث: 12 مايو 2017

تضيء مراجعة بعنوان "لآليء من ندم" في صحيفة "نيويورك تايمز" كتبها سوكيتو ميهتا يوم الخميس (8 مايو/ أيار 2014)، لـ "قصص بومباي" التي قام بترجمتها إلى الانجليزية كل من: الشاعر مات ريك والمحاضرة في اللغة الأردية بجامعة كولمبيا أفتاب أحمد، جانباً من الأصوات الإبداعية في جنوب آسيا، وهذه المرة يتصدّرها سعدات حسن مانتو الذي تجد فيه أصوات نقدية وأدبية، واحداً من أعظم الكتّاب في جنوب آسيا في القرن العشرين، بما تكتنز به كتبه وإصداراته الوافرة التي كتبها باللغة الأردية، من جنون، وهذيان يصاحب تعاطيه الكحول في فترة تم فيها تقسيم بلاده (الهند) إلى بلدين، أحدها باكستان حالياً، وما حدث من اقتتال الإخوة من جميع الأديان، وقتل الرضّع وحالات الاغتصاب. وبعبارة أخرى، ما صاحب ذلك الانفصال من فظائع، لم تُمحَ آثارها على رغم مرور عقود من الزمن.

يعد مانتو أفضل من القصص التي تناولت تقسيم شبه القارة الهندية بعد الاستقلال في العام 1947، على رغم أنه كتب اللافت من المقالات والسيناريوهات إضافة إلى رواية واحدة. كل تلك الأعمال لم تبتعد كثيراً عن موضوعة الحنين وما يصاحبه من تفاصيل تطول الإنسان والمكان، وتفاصيل هي الجامع في نهاية المطاف لوفرة الجنون الذي اتسمت به معظم كتاباته، والهذيان الذي أخذت طابعه.

حرفة مانتو الأساسية تجلّت في براعته بكتابة القصة القصيرة؛ إذ نشر أكثر من 20 مجموعة قصصية. كان بمثابة سكوت فيتزجيرالد الهندي في موهبته.

انتقل من شمال الهند إلى مومباي لبيع عدد من قصصه على صناعة السينما، ومات عن 42 عاماً بعد حياة عُرفت عنه بإدمانه الكحول.

كتب مانتو معظم قصصه التي جُمعت في الكتاب موضوع المراجعة في "نيويورك تايمز" بعد انتقاله إلى باكستان في العام 1948 بعد شوق عارم اجتاحه إثر مغادرته مدينته في القسم الهندي.

كانت بومباي في الثلاثينيات والأربعينيات مدينة المهاجرين الذين يعملون في مصانع النسيج، الرجال من دون النساء. وبالتالي فإن كل النساء في "قصص بومباي" هن تقريباً من المومسات.

تلك هي تحولات في الطقوس التي تنتاب الإنسان ساعة شعوره بالوحدة. ولكن عن أية مومسات يتحدث ويتناول! في قصة "عشر روبيات"، تحضر ساريتا البالغة من العمر 15 عاماً، التي تذهب برفقة 4 رجال إلى الشاطئ. مانتو يلعب بأعصابنا لتوقع مصير الفتاة التي نظن أنها ستُفترس من قبل أولئك الرجال كبار السن. القصة فيها بناء قريب من مشهد لقصة جويس كارول أوتس؛ أو فيلم ديفيد لينش. تنتهي القصة بقلب الفتاة الطاولة على الرجال، بمعنى تخلصها منهم بطريقة غير متوقعة. إنها ليست مثل أي ضحية. إنها ساريتا.

مانتو يخطط للمفارقة الأساسية في العلاقة بين البغيّ وجون في "بيبي حامد"؛ إذ يختار زبونٌ فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً: "شاب آخر كان يجلس أمامه في أنقى صورته بحيويته والنضارة، كان سبقه إلى المكان، يبدو وكأن يده ملفوفة في الحرير، ويمكنه أن يحظى بها، ليس فقط لليلة واحدة، بل ربما لليالٍ عديدة. فبمجرد أن يدفع لها ستكون له. لكن مثل تلك الفكرة أشعرته بمرارة وحزن عميق. قال: لماذا تحدث مثل هذه الأشياء والمواقف للبشر؟ لا ينبغي أبداً أن تباع هذه الفتاة مثل السلعة. عندها (تبرز حقيقة أنه لن يحظى بها)".

لكل من يبحث عن مزيد من التبصّر، حين متابعة قصص الأخبار التي تتحدث عن الرجال الهنود ووحشيتهم تجاه النساء، سيخرج بفائدة وعبرة كبيرة من قراءة هذا الكتاب (المجموعة القصصية).

الزائر للمدينة اليوم سيجد نفسه محاطاً بعدد كبير من بيوت المتعة الرخيصة جنباً إلى جنب مع دور العبادة التي تكاد التي لا تفصلهما مسافة تذكر.

يوفر مانتو التفسير في نسغ غني على لسان بابو جوبي ناث، بإجاباته، عندما سئل لماذا تحب دور المتعة الرخيصة والمزارات في الوقت نفسه": "لسبب أنه من حيث الجهات جميعها، من الأعلى والأسفل، كل شيء في دور المتعة الرخيصة والمزارات، يمنحك ويحدّثك عن الخداع. هي تمتماً الأمكنة النموذجية للشخص الذي يريد أن يخدع نفسه ويتصالح مع ذلك"!

قصص كثيرة لمانتو وجدت طريقها إلى صناعة السينما الهندية، تم استلهامها من بيوت المتعة الرخيصة تلك؛ قصص مليئة بالفتيات الراقصات والمغنيات، وهي الأفلام التي حققت نجاحاً كبيراً. الأفلام التي لا تخلو من الأغاني الصاخبة والحزينة في الوقت نفسه، ولا تخلو من الرقص. حين تخلو الأفلام الهندية من ذلك لن تجد لها جمهوراً بطبيعة الحال.

هناك، لن تسمح العائلات المحترمة لبناتها بالغناء والرقص للترفيه عن الجمهور العام، وحتى الممثلات في تلك السنوات، يعد عملهن مسيئاً في الفترة تلك لعائلاتهن. الرائع في هذه المجموعة قصة "نجوم من سماء أخرى"، فهي ترصد وتتقصّى الجانب السري الذي يعرفة مانتو عن بوليوود، ولنقل "العالم السفلي" لتلك الصناعة والمرتبطين بها، وهي خليط من ذاكرة السكْر حدّ الثمالة، وعالم القيل والقال. عالم الشائعات بكل ما يحمله من أسى ووجع وكوارث أيضاً.

الشخصية الأكثر إثارة في الكتاب هو مانتو نفسه، الكاتب المتواطئ، والذي يظهر باسمه الحقيقي في عدد من القصص. إنه يرتّب المهام لأصدقائه. يحاول أن يميل إلى النساء اللاتي تم جرح مشاعرهن من قبل أولئك الأصدقاء، أو سواهم. وسنجد انعكاس ذلك من خلال النكتة السوداء التي لا تخلو من مرارتها، على رغم حسّها الفكاهي العالي، وخصوصاً فيما يتعلق بما يمكن للرجال والنساء أن يفعلوه لبعضهم بعضاً.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً