التقاء الشرق بالغرب في مدينة هونغ كونغ، ذلك ما يتيحه معرض "سيمفونية الأضواء"؛ حيث النحت خارج المتحف ينشط خلال عرض ليلي يضيء الأفق.
معرض بازل هذا العام في الجزيرة الصينية يعرض بشكل متميز مقتنيات لـ 245 من تجّار الأعمال الفنية العالميين. ذلك ما بدأ به سكوت ريبورن تقريره في صحيفة "نيويورك تايمز" في عدد يوم الخميس الماضي (15 مايو/ أيار 2014). نحن على وشك الدخول إلى القرن الآسيوي.
وفقاً لأحدث إحصاءات البنك الدولي، فإن الصين ربما تتفوّق على الولايات المتحدة في القوّة الشرائية بحلول نهاية العام 2014. هذا التحوّل في القوة الاقتصادية باتجاه الشرق ربما لم يغب عن ملاحظة تجَّار الأعمال الفنية العالميين الـ 445، لعرض مقتنياتهم في معرض بازل بهونغ كونغ، في منطقة مرموقة باتت قبلة للأعمال الفنية الحديثة والمعاصرة.
النسخة الثانية من المعرض، والتي انطلقت في 14 مايو الجاري، بدأت أولاها في معرض هونغ كونغ للفنون العام 2008، وتم شراء حقوق العرض من قبل شركة المعرض السويسري المحدودة في العام 2011، وتنضم الآن النسخة الثانية من المعرض في هونغ كونغ إلى "بازل للفنون" و "بازل للفنون - ميامي بيتش"، ضمن أنشطة ثلاثية من وجهات عديدة، تعتبر الأكثر ازدحاماً بالأنشطة دولياً من بين أكثر من 270 معرضاً حول العالم.
فن المقتنيات:
فنون بازل في هونغ كونغ ترفد هونغ كونغ بالأعمال المحلية وتغذّيها من خلال معارض جمع المقتنيات انطلاقاً من 15 مايو الجاري: فنانو الجداريات الإندونيسيين يذهبون إلى ما بعد جدران المدينة، في موازييك من الأعمال التي تجمع ثقافات متنوعة. لوحة "التنين" التي لم تحمل اسماً، وهي عمل أنجز في العام 1985 من قبل كيث هارينغ في مدينة نيويورك، تم تقدير سعرها بـ 1.7 مليون دولار أميركي.
وبحسب التقرير السنوي الصادر عن المؤسسة الأوروبية للفنون التشكيلية، الذي نشر في مارس/ آذار الماضي؛ فإنه بحلول العام 2015، يتوقع أن يمتلك الأفراد من ذوي الملاءة المالية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ أصولاً تعادل قيمتها 15.9 تريليون دولار أميركي، تطيح بتلك التقديرات بالولايات المتحدة وأوروبا.
وعلى رغم أن الفن الجاد يبقى نشاطه محدوداً، فهنالك ما يعادل أقل من 2 في المئة من أصل 31.7 مليوناً من أصحاب الملايين في العالم يصنفون على أنهم من متوسطي – رفيعي الاهتمام بجمع المقتنيات الفنية وفقاً للتقرير. ولكن في حال تم إنفاق جزء يسير من الثروات القابلة للتصرف في آسيا في المعرض، فإن ذلك من شأنه أن يخلق شعوراً إلى حد الجنون بتلك الأعمال في بعض الأحيان كما يحدث في فعاليات ومناسبات في كل من سويسرا والولايات المتحدة.
العديد من التجّار – الغربيون منهم خصوصاً - لا يزالون ينتظرون أن تحدث حالة تقترب من الجنون ذاك باقتناء الأعمال الفنية في هونغ كونغ.
وقال مدير معرض فيكتوريا ميرو، وأحد العارضين من لندن، كان على معرفة بالنشاط المتواضع لبعض التجّار الغربيين في معرض العام الماضي، جلين سكوت رايت: "سيكون قاسياً أن يتم انحسار المبيعات والحد منها". وأضاف أنها "مجموعة صغيرة من المشترين. عليك أن تكون عقلانياً بعرض أعمال الفنانين المعروفين في المنطقة. إنها سذاجة أن تعتقد إمكانية بيع أعمال فنانين غربيين لم يرهم أحد قط. إنك بحاجة إلى أن تجذّر العلاقات في هكذا مناسبات وأمكنة".
في الوقت نفسه، استمتع معرض فيكتوريا ميرو، أفضل من أي وقت مضى بمشاركته في معرض بازل للفنون في هونغ كونغ العام 2013. ويشارك "ميرو"، كشكاً مع "أوتا للفنون الجميلة"، تابعاً إلى تاجرة من طوكيو، باعت 18 عملاً للفنان الياباني المخضرم يايوي كوساما، بسعر قدّر بمليوني دولار لكل منها، خلال الأيام الثلاثة الأولى.
وكانت كوساما في ذلك الوقت تتعاون مع لويس فويتون. يمكن معرفة ذلك على الفور بأن الفنانين العالميين والعلامات التجارية الفاخرة لا تكل استئناف مناشدة المشترين الآسيويين الأثرياء، الذين يشعرون بالقلق تجاه الأعمال غير المألوفة، ويميلون إلى تفضيل الشراء من المزادات مطمئنين إلى منافسة الآخرين في المزايدة. وبالنسبة إلى التجّار الأميركيين والأوروبيين، فإن الأمر مرتبط بعرض الأعمال الغربية التي قد تضرب على وتر حسّاس في آسيا في موضوعاتها كجزء من العمل. "معرض ميرو" يقدّم هذا العام عدداً من المنحوتات يقدّر سعرها بنحو 400 ألف جنيه إسترليني، للفنان البريطاني كونراد شوكروس، والذي سيفتتح معرضاً خاصاً به في مؤسسة أرتيما في بكين يوم الخميس (29 مايو الجاري). وجلب معرض فان دي ويغ في نيويورك عملاً من قطعة قماش دائرية يتوسّطها تنين صيني متعدّد الأرجل أنجزت العام 1985 للفنان كيث هارينغ ويقدّر سعرها بـ 1.7 مليون دولار.
وفي 7 مايو، اشترى مزايد آسيوي في "سوثبي" في نيويورك، أعمالاً لبابلو بيكاسو، وألبيرتو جياكوميتي وهنري ماتيس بمبلغ يتراوح ما بين 13 و 19 مليون دولار لكل عمل.
المليارديرات الآسيويون يشعرون بثقة أقل بشأن إنفاق ذلك القدر من المال على أعمال لكريستوفر وول أو جيف كونز. (كريستوفر وول فنان أميركي ولد في العام 1955، في بوسطن. ومنذ العام 1985، انخرط في الأعمال والممارسات التي تعالج القضايا والأفكار المحيطة، ضمن ما يعرف بما بعد المفاهيمية. يعيش ويعمل في مدينة نيويورك. والفنان جيف كونز أميركي الجنسية، ولد في 21 يناير/ كانون الثاني 1955، واشتغل على عدد من الأعمال تجسّدت في الحيوانات المنتجة من الفولاذ المقاوم للصدأ مع مرايا مسطّحة. يعيش ويعمل في مدينة نيويورك. بيعت أعماله بمبالغ كبيرة، بما في ذلك الرقم القياسي العالمي لعمل واحد في مزاد.
في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني العام 2013، باعت دار كريستيز عمله "بالون الكلب كونز"، ويجسد مرحلة ما بعد الحرب بقيمة 58.4 مليون دولار، ليصبح العمل الأغلى في العالم لفنان مازال على قيد الحياة).
وقال أدريان تشنغ (34 عاماً)، الذي يمثل شاهداً على موجة التفكير الدولي في الصين من "جامعي التحف السوبر" وخريج جامعة هارفارد، ابن مطور العقارات الملياردير هنري تشنغ: "ثمة مسألة تنمّ عن الكثير، أن (سوثبي) و (كريستيز)، لم يعقدا حتى الآن مزادات لبيع الأعمال الفنية المعاصرة في هونغ كونغ".
لاعبون بارزون آخرون هم: ليو يكيان وزوجته وانغ وي، والمقاول الصيني الإندونيسي بودي تيك، والذين افتتحوا مؤخراً متحفاً خاصاً في منطقة الواجهة البحرية الغربية في وسط شنغهاي. لو شون، وهو خريج جامعة كامبردج، بنى متحف سيفانغ للفن المستقبلي في نانجينغ. وتضم منازل وقصور كياو زهيبينغ في بكين وشنغهاي مجموعة من الأعمال الدولية والصينية المعاصرة.
ومع ذلك، فإن هذه الطبقة من أصحاب الثروات الكبرى من جامعي المقتنيات الفنية في الصين لا ترتكز حتى الآن على أسس عميقة من نفوذ المشترين الأثرياء من الطبقة المتوسطة من الذين يدعمون مبيعات الأعمال متوسطة الأسعار في معرض الفن الدولي.
وبحسب تقرير المؤسسة الأوروبية للفنون التشكيلية، فإن الذين يملكون ثروة تتجاوز 100 ألف دولار، في الصين، يمثلون أقل من 3 في المئة من السكّان العام 2013.
وبالنسبة إلى جامعي المقتنيات من الطبقة الوسطى والناشئة في الصين، فإنهم يفضّلون شراء التحف الخاصة وبعض أعمال في الفن الحديث، بدلاً من أعمال في القرن الـ 21 تتناول المفاهيمية الغربية (العمل الفني من النوعية المفاهيمية يشبه "بيئة" تدعو الزائر إلى التفاعل معها. إنها بيئة ليست مثل البيئات في الواقع لأن الرمز فيها حل محل الشيء الحقيقي؛ كما أن ما تشتمل عليه من عناصر هامشية تستدعى التساؤل عن المعنى غير المباشر؛ الذي هدفه توسيع أبعاد الوعي. ومن الفن المفاهيمي نوعية أكثر تجرداً من المادة وأكثر ذهنية؛ تشتمل على لدائن غير متماسكة؛ وأخرى ناعمة أو تبدو ضعيفة مقارنة بالفراغ المحيط بها؛ أو معرضة للعطب؛ وفى كل الحالات تفترض اهتمامات نقدية متعلقة بالنشاط الفني أكثر من تعلقها بالمنتج النهائي) تلك التي تخضع لضريبة استيراد تصل إلى أكثر من 20 في المئة حين يتم شراؤها من خارج البلد الرئيسي.
يقال إن الأمور تتغيّر بسرعة في آسيا؛ إذ تكتسب بكّين بشكل سريع سمعة باعتبارها برلين المنطقة، مع آلاف من الفنانين الصاعدين الذين يبيعون أعمالهم من خلال شبكة متنامية من المعارض المحلية. وخلافاً لبرلين، ينمو عدد سكّان بكين بشكل متسارع من المستهلكين المحليين الأثرياء.
وقال تشينغ: "هنالك بالتأكيد حاجة إلى التفاهم بين الثقافات؛ ولكن هناك الآن جيل ثانٍ من جامعي الأعمال الفنية الذين درسوا في الغرب ويتحدثون اللغة نفسها مثل أقرانهم في عالم الفن. هناك أندية لجامعي الأعمال الفنية من الشباب يظهرون في جميع أنحاء الصين".
ويخطط تشنغ لتقديم الفن الصيني المعاصر في قصر طوكيو في باريس، ولديه خطط أكثر طموحاً لـ "النظام الإيكولوجي" المستمد من قرى الفنانين و "مراكز فن نمط الحياة" التي تحمل علامته التجارية (K11) في جميع أنحاء الصين.
وفي وقت مبكر للفترة ما بين 1990 و 2000، استثمر جامعو الأعمال الفنية الغربيون بكثافة في الأعمال التي تتناول موضوعات فرق البوب السياسية وفناني الواقعية الساخرة مثل يوي مينجن، تشانغ شياو قانغ، وتسنغ فان تشي، والأخير بيعت أعماله بشكل روتيني بأكثر من مليون دولار في مزادات في نيويورك ولندن وهونغ كونغ والبر الرئيسي للصين. أولئك الفنانون يستمرون في ضبط ارتفاع الأسعار بالمزادات العرضية في الصين، ولكن فتُر الطلب العالمي منذ انهيار سوق الفن في الفترة مابين 2008 و 2009، وهي الفترة التي شهد فيها العالم الأزمة الاقتصادية العالمية التي اجتاحت الأسواق.
جامعو الأعمال الغربيين لا يزالون يضعون نصب أعينهم إمكانات الاستثمار طويل الأجل في آسيا باعتبارها المنطقة المحتملة للبحث عن نتاجات جديدة للفنانين الشباب والناشئة، ويعتبرون معرضاً كـ "بازل للفن" في هونغ كونغ مكاناً لاكتشافها.