كتب سكوت ريبورن، يوم الأحد الماضي (18 مايو/ أيار 2014) في صحيفة "نيويورك تايمز"، تقريراً تناول فيه الخطوات الملفتة التي حققتها بيوت المزادات وتجّار الفن والمقتنيات المرتبطة به من خلال شبكة الانترنت، على رغم أن حجم المبيعات التي تحققت للعام 2013، تكاد لا تذكر بالنظر إلى إجمالي المبيعات حول العالم؛ إذ شكّلت نسبة 2.4 في المئة فقط.
سوق الفن - مثلها مثل أي عالم آخر في الحياة التجارية - يتم تحويل اتجاهها، وهذه المرة بواسطة الإنترنت. ولكن كم هي قدرة الثورة الرقمية على ترجمة الواقع إلى مزيد من عمليات الشراء عبر ذلك الفضاء الافتراضي؟
في العام 2013، وصلت المبيعات العالمية فيما يتعلق بالمقتنيات الفنية على اختلاف تنوّعها على الانترنت إلى 1.57 مليار دولار أميركي، وفقاً لتقرير نشر الشهر الماضي (أبريل/ نيسان 2014) من قبل شركة التأمين "Hiscox" ومقرها لندن. هذا الرقم يبدو رائعاً بما فيه الكفاية، ذلك قبل أن تتم مقارنته مع 47.4 مليار يور، أو نحو 66 مليار دولار، هو إجمالي المبيعات التي تحققها دُورُ المزادات والتجّار في العالم في مجال المقتنيات الفنية خلال الفترة نفسها، وفقاً للمؤسسة الأوروبية للفنون التشكيلية.
بعبارة أخرى، المبيعات عبر الإنترنت، تُظهر في الوقت نفسه حجم ما تم شراؤه من خلال المواقع نفسها، والتي تمثل نسبة 2.4 في المئة من سوق الفن إجمالاً. بالكاد يمكن سبْر غور المقارنة، مثلاً، تبدو صناعة الموسيقى قياسية؛ حيث يتم تحميل ملايين الأغاني كل يوم. ولكن بطبيعة الحال، يمكن القول إن أغاني تايلور سويفت (مغنية وكاتبة أغاني بوب ريفي وممثلة أميركية من مواليد 13 ديسمبر/ كانون الأول 1989)، من خلال (MP3) (أسهل خدمة عبر الإنترنت لتحويل الفيديو إلى mp3 - Youtubeولا يحتاج المستفيد إلى حساب، والشيء الوحيد المطلوب هو رابط فيديو موقع يوتيوب)، هي أرخص كثيراً وأسهل في الوصول إليها من متاخمة مكان لوحة لداميان هيرست (داميان ستيفن هيرست، فنان إنجليزي، وهو أبرز عضو في مجموعة تعرف باسم الفنانين البريطانيين الشباب، الذين كانوا يهيمنون على المشهد الفني في بريطانيا خلال العقد 1990، وهو مشهور عالمياً، ويقال إنه أغنى فنان يعيش في بريطانيا، مع ثروته التي تبلغ قيمتها 215 مليون جنيه إسترليني للعام 2010؛بحسب قائمة "صنداى تايمز" للأثرياء).
في هذا السياق، قال التاجر في أعمال الجرافيتي (البانكسي)، والمتخصص معرضه بلندن في أعمال طبعات محدودة من اللوحات لفناني الشارع، ستيف لازاريدز: "إن شبكة الإنترنت جيدة لبيع المطبوعات وبشكل مُضاعف. من الصعب أن تبيع الأشياء لمرة واحدة على الإنترنت. لا يمكنك تكرار عمل من لوحة على موقع على شبكة الانترنت، وإذا كنت تريد إنفاق 50 دولاراً في عمل فني، تريد في الوقت نفسه أن تطوّر وتعمّق علاقة مع الشخص الذي تبيعه. أنت لا تريد فحسب استرداد بطاقة الائتمان الخاصة بك".
وهنا لابد من التعريف بـ "البانكسي"، وهي نسبة إلى رسام جرافيتي إنجليزي مشهور ومجهول في الوقت نفسه، يُعتقد أن اسمه روبرت بانكسي من مواليد العام 1974 وأصله من بلدة ييات القريبة من مدينة بريستول؛ إلا أنه لا يوجد تأكيد على هويته الحقيقية، وسيرته الذاتية تبقى غير معروفة. ظهرت رسوماته المختلفة في عديد المواقع في بريطانيا، وخصوصاً في مدينة بريستول ولندن وحول العالم، منها في الضفة الغربية على الجدار العازل الذي أقامته "إسرائيل". وتتنوع رسومات بانكسي في الموضوع وتشمل في أغلبها الموضوعات السياسة والثقافية والأخلاقية.
وعودة إلى لازاريدز الذي أشار إلى أنه بمجرد أن يتم تأسيس الثقة بين المشترين والبائعين في سوق الفن، حينها يمكن لشبكة الإنترنت أن تدفع بقيمة المبيعات إلى مستويات أعلى، على رغم أن الصفقات تلك لا يتم تصنيفها دائماً على أنها معاملات تمّت عبر الإنترنت.
وقال: "أبيع ما بين 70 و 80 في المئة من لوحاتي على من خلال ملفات (JPEG) عالية الدقة". ويعني الرمز المذكور صيغة للصورة الرقمية.
وتقوم صالات العرض ودُورُ المزادات كل يوم، بطرح آلاف الأعمال للزبائن في جميع أنحاء العالم عبر البريد الإلكتروني. وأصبح موقع الصور (إنستغرام) محيطاً لاختيار ومواكبة الفن من خلال أحدث ما تنتجه الأسماء المعروفة التي تقوم بعمليات البيع من خلال الموقع المذكور.
الأخصائي في دار "كريستي"، ومقرها نيويورك، لويك غوزير، استخدم "إنستغرام" يوم الاثنين (12 مايو الجاري) للترويج الشخصي لما ستطرحه الدار لليوم الذي سيليه، وقال لسْكوت ريبورن: "إذا قُدّر لي أن أعيش سأراك يوم الثلثاء". وأضاف، أنه والشركة التي يعمل لديها حظيا بمكافأة تلك الليلة (الثلثاء)، مع وصول إجمالي المبيعات إلى 134.6 مليون دولار، منها 16 سعراً قياسياً لعدد من أعمال الفنانين.
التسويق قد يكون افتراضياً، ولكن معظم المشترين للأعمال الفنية بأسعار أعلى من تلك التي يتيحها ذلك العالم الافتراضي، في مرحلة ما، يريدون عرض الشراء على شخص محتمل، ويفضّلون تقديم عطاءات في مزاد إما عن طريق الهاتف أو عن طريق وكيل موثوق به في صالة العرض. حتى الآن، لم تكن المزايدة على الانترنت فيها الكثير من العوامل التي تصل فيها الأسعار إلى سبعة وثمانية أرقام بالصورة نفسها التي كان يتم فيها ضخ تلك الأرقام في دُور "كريستي" و "سوثبي" بعد الحرب العالمية الثانية والفن المعاصر.
وفقاً لبيانات "Hisox" فإن الغالبية العظمى من المعاملات الخالصة عبر الإنترنت يتم تسعيرها دون 15 ألف دولار، وهو مستوى يشعر معه الناس بارتياح أكبر من إمكانية الدفع عن طريق بطاقة الائتمان. وعلى رغم أن الأسعار في سوق الفن على الانترنت قد تبدو صغيرة نسبياً، إلا أن تلك السوق تشهد توسعاً سريعاً، ونمواً بمعدل 19 في المئة سنوياً. وعندما تصبح الأعمال الفنية المعاصرة أكثر كلفة، وبأسعار معقولة، فإن السوق تقدم نفسها باعتبارها فرصة للتجارة الإلكترونية في هذا المجال.