يشغّل إيفان بوزدايف وزملاؤه في الصف في «مدرسة الفضاء الدولية» في هذه الثكنة العسكرية الروسية مجسم صاروخ مصنوعاً من قناني الكوكاكولا، ويبتسم عندما ينطلق الصاروخ فوق رؤوس الأشجار.
ولكن إيفان البالغ من العمر 12 سنة يقطب حاجبيه عندما تسأله إذا كان يريد أن يصبح رائد فضاء... أو ربما عالم صواريخ؟ يهز إيفان كتفيه ويقول: «ربما».
حتى هنا في بايكونور - المدينة التي انشئت في بادية كازاخستان القاحلة في خمسينات القرن الماضي لتكون القلب السري للبرنامج الفضائي السوفياتي - ليس من السهل إقناع صغار الروس بأن يبحثوا عن مستقبلهم في البرنامج الفضائي المتعثر الذي يواجه شحاً في التمويل. العثور على منضوين جدد يتسم بالالحاح بالنسبة لروسيا، فالبرنامج الفضائي يعمل فيه خبراء معظمهم انضموا إليه في مطلع عصر الفضاء وكثيرون منهم هم الآن في أواخر الخمسينات أو مطلع الستينات من عمرهم وقد شارفوا على التقاعد في الوقت الذي ينبغي أن يضمن البلد وجود جيل جديد ليحل مكانهم. يذكر أن وكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) تتوقع ايضاً تقاعد عدد كبير من عامليها خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة. إلا أن الخبراء الفضائيين يقولون ان (ناسا) كانت أوفر حظاً من الروس في التجنيد. وكبارمديري الناسا اليوم هم في أواخر أربعينات أو خمسينات عمرهم.
وقال مؤلف كتاب عن التحالف الفضائي الروسي - الأميركي جيمس أوبرغ: «الروس يواجهون مشكلة. ولعله بات متأخراً «جداً» تفادي خسارة مدمرة... نقل المعارف أو الخبرات، فيما يجب أن نعمل جنباً إلى جنب سنوات عديدة».
ويتمثل جزء من المشكلة التي يواجهها البرنامج الفضائي الروسي في اقناع الشباب بالتخلي عن فكرة العمل في مجالات الاعمال ذات الرواتب المرتفعة والانخراط في البرنامج الفضائي اذ لا يزيد معاش رائد الفضاء عما يوازي ثلاثمئة دولار أميركي في الشهر.
ويقول خبير الفضاء الاميركي جون بايك، مشيرا الى بيع الروس تذاكر السفر إلى المحطة الفضائية الدولية: «اذا نظرت الى البرنامج الفضائي الروسي اليوم ترى أنه مؤلف من الكثير من كبار السن الذين لا يقبضون «معاشات» كبيرة وان الشيء الرئيسي الذي يعملونه هو توفير فرص تمضية العطلات لأصحاب الملايين الضجرين».
ويخالف المسئولون الفضائيون الروس هذا الرأي بشدة ولكنهم يعترفون بأن نقص الأموال يجعل من الصعب إطلاق المشروعات الملفتة للأنظار... مثل مشروع «مارس أوديسي» الأميركي.
وقد ركز الروس في المقابل على البرامج الدولية. التي لاتضطرهم الى دفع الفواتير كلها، مثل المحطة الفضائية الدولية ولكن بطبيعتها لا تولد مثل هذه البرامج حماساً «وطنيا» مثلما أثارته المحطة الفضائية السابقة «مير».
إلا أنه في خطوة يرى بعض الخبراء انها تحمل بعض الآمال اقترح المسئولون الفضائيون الروس في شهر اغسطس/ آب الماضي إرسال رواد إلى المريخ مع حلول العام 2015. في إطار مشروع طموح، إلا أن التفاصيل كانت غامضة فيما قال خبراء إن مثل هذا المشروع المتألق هو ما تحتاج إليه روسيا لإعادة الوهج إلى برنامجها الفضائي ولفت أنظار الشباب الروس.
خلال العهد السوفياتي كان ذلك سهلاً فالبرنامج الفضائي آنذاك كان ينتج بطلا تلو البطل ويحفز الكثير من الأطفال لأن يحلموا بأن يصبحوا غاغارين التالي أو كبير المصممين السوفياتي سيرغي كوروليف. وقد حملت طرق ومدن اسمي هذين النجمين السوفياتيين بعد وفاتهما، وشيدت نصب تذكارية لتكريمهما. وكوفئ العاملون في البرنامج الفضائي الذين اعتبرهم كثير من مواطنيهم رموزاً للنجاح السوفياتي بعلاوات سخية مثل السماح لهم بشراء سلع فاخرة وقضاء الاجازات في أماكن مرفهة.
واليوم، يقود العاملون الفضائيون في بايكونور سياراتهم على طريق مليئة بالحفر ويقيمون في شقق في أبنية متداعية تبقى المياه الساخنة مقطوعة فيها لعدة أسابيع متتالية.
كما أنهم يعانون من العزلة التي تفرض عليهم لكونهم يعملون في بلد أصبح أجنبيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
ويتعين على مدير المدرسة الفضائية الدولية في بايكونور ديمتري شاتالوف، ألا يغفل مثل هذه الحقائق عندما يتحدث عن مجالات العمل في البرنامج الفضائي مع تلاميذه، وهم فتيان معظمهم وبعضهم أقارب العاملين في القاعدة.
ولكنه متفائل بأن تلاميذه سيجدون أنفسهم منجذبين نحو الصناعة الفضائية إلى حد أنه لا يمانع في السماح لهم بالاقتراب من صواريخ سوفياتية قديمة العهد ولكنها حقيقية في فناء المدرسة.
ويقول شتالوف عن التلاميذ: «قد لا يعرفون ذلك الآن. ولكنه سيجب عليهم أن يقرروا كيفية إطلاقها. وستكون روسيا في أيد جديدة»?
العدد 102 - الإثنين 16 ديسمبر 2002م الموافق 11 شوال 1423هـ