تسلط مراجعة أندريا جيليس في صحيفة "الغارديان" يوم الجمعة الماضي (6 يونيو/حزيران 20149)، الضوء على رواية "إليزابيت مفقودة" للكاتبة والروائية الشابة إيما هيلي، تتقصّى الرواية حالة وعالم الخَرَف، حين تتلاشى الذاكرة تمتلئ بما يشبه ويقود إلى حياة أخرى. تلك الحياة تتطلب بالضرورة رؤية البشر والأشياء وكأنها تتواجد للمرة الأولى. ما سبق لا مكان له. في الخرف الوعائي (vascular dementia)، بما يشوبه من التشوش، واختلال النطق، أو ضعف التفكير.
رواية تُحكى من قِبل امرأة في الثانية والثمانين من العمر، تعاني الخَرَف وتبحث في الحي عن صديق مُسن. يبدو خياراً غير عادي لكاتبة شابة مثل إيما هيلي. كان يمكن لها أن تكون قراءة قاتمة، لولا أن إيما هيلي تمتلك موهبة في براعتها بهذا النوع من الكوميديا السوداء التي منحت العمل تألقاً يتبدّى في أي مأزق يصادفنا في الرواية.
هناك نوعان من الترتيب الزمني المنسوج ببراعة في الرواية: لغز إليزابيث، ولغز اختفاء شقيقة مود الذي لم يتم حله قبل 70 عاماً، نُسجا معاً في تداعي السرد بنجاح، وفي نهاية الرواية يثبت أنهما متصلان، وعن طريق المصادفة التي تبعث على السرور، تبدو النهاية تلك مريحة نوعاً ما.
ربما يكون تصرّفها لا يتجاوز كونها امرأة تعاني من الخرف الوعائي (vascular dementia ... يظهر عندما لا تتمكن الأوعية الدموية من توفير إمدادات كافية من الأكسجين إلى المخ. وتحرم الانسدادات الصغيرة في مجرى الدم بعض خلايا الدماغ من الأكسجين؛ ما يؤدي إلى موتها. وقد تشمل الأعراض: التشوّش، واختلال النطق، أو ضعف التفكير. وفي حالات أندر يمكن أن يحدث الخرف الوعائي نتيجة التعرض لسكتة دماغية قوية تحدث بعد انسداد مجرى الدم مسببة ضرراً كبيراً في المخ. وقد تسبّب هذه الحالات تغيّرات عقلية مفاجئة، تصاحبها أحياناً حالات الشلل واختلال النطق)، ولكنها تعبّر عن نفسها من خلال صوتها الداخلي تماماً مثل الروائية بالبراعة التي كانت عليها، في عبارات جميلة، كما لو أن المرض استتبع فشلاً في التواصل بالتفكير المعقّد، ذلك المقترن بفقدان الذاكرة غير الخطِر.
هنالك الكثير من الفكاهة في هذا الكتاب المضحك، تنبع من عدم ملاءمة "مود" للقيام بدور المحقّق، جنباً إلى جنب مع حَزْم مُحبّب للحفاظ على تلك الفكاهة. أتاح استخدام صيغة المضارع للقارئ الإقامة في تطوّرات الأحداث دقيقة بدقيقة. في التقاء مراسل "الغارديان" معها، اتضح له أن لهيلي أذناً جيّدة للحوار وتصغي جيداً، سواء في الحديث منها أو من تلك الجزئيات المتعلقة بالعام 1940. في الحديث عن أسرة ما بعد الحرب، ثقافتها، والبحث عن الشقيقة مود كل ذلك مُتخيَّل بشكل جيد.
نبدأ مع إليزابيث. اليزابيث مفقودة؛ و "مود" تعرف هذا لأن التفاصيل تلك في جيْبها، وتظل محافظة على استحضار الملاحظات التي كتبتها لتوحي لنفسها معرفتها بذلك. هنالك تأييد لمخاوفها: منزل إليزابيث فارغ، وابنها الجلف والغبي يظهر بأنه متورط في عملية التفريق التي حدثت في المنزل. "مود" تعمد إلى إزعاج الناس - ولاسيما برزانتها، وابنتها المُضجرة، هيلين - بإصرارها على أن إليزابيث قد اختفت. (حلقة دائرية من الأحاديث هي صحيحة تماماً).
ينخرط السرد باستمرار وصولاً إلى تجلّي موهبة هيلي في توظيف تفاصيل الدخول في الحياة التي تتبّعها القصة. ثمة ما يشبه لملمة لحالات من الالتواء، يتم التعامل معها بتصاعد الأحداث في القصة، ينثال من تلك الحالات السؤال الأكثر قتامة، الذي يُطرح لاستعادة ذكريات الماضي، ذلك المتعلق بما يمكن أن يحدث لسوكي، الأخت الكبرى لـ "مود"، والتي تزوّجت مؤخراً من فرانك الشرّير، الذي ربما يكون أحد المبتزّين في السوق السوداء. يتم التعامل مع اللغزين اللذين هما بمثابة توأمين وشكلين حلزونيين مزدوجين بثقة فيما يطرحانه من غموض، على رغم أن صوت الرواية يُدخل نفسه قليلاً باتجاه العقدة.
حتماً، ستظهر "مود" في دخيلتها والسيدة الطاعنة في السن المشوشة لتبدو وكأنها طافية على السطح في تراتب السرد، ولا يبدو دائماً كما لو أنهما الشخص نفسه.
من المغري أن نتساءل: لماذا تكتب امرأة ملاحظات لنفسها باستمرار، وما تزال قادرة على قراءتها؟ تكتفي هيلين في الرواية بالتشويق الذي يعتمد كلياً على التفسيرات التي لم يحدث أن طرقت أسماعنا.
تلك قصة تستحق الثناء للحرفية التي تمتعت بها. السقوط السريع لـ "مود"، في الصفحات الأخيرة من الكتاب، من امرأة لايزال بإمكانها الذهاب إلى التسوق بمفردها إلى تلك التي لم تعد قادرة على التعرّف على ابنتها. تم ذلك في السرد بمهارة ملفتة، ولاتزال هناك ومضات تتجلّى في الفكاهة النابعة من طبيعة الخَرَف وما يصدر عنه.
من جانبها قالت مدونة (BleachHouseLibrary)، بأن رواية "فقدان إليزابيث" تحكى على لسان روائية موهوبة للغاية. هي قصة قوية مليئة بالخوف وعدم اليقين والإحباطات التي تأتي مع الخرَف. تنطوي على نظرة مفجعة إلى مدى صعوبة الرعاية الرئيسية التي يمكن أن تُقدَّم لأولئك المرضى.
قراءة لذيذة
شكرن شقيق.. استمتعت في قراءتها.. أن نعطي الخرف مكانته!!
مودتي لك ولنشاطك الهم جدا في هذه الصحيفة