دعا رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان في «خطاب النصر» من شرفة مقر حزب العدالة والتنمية الحاكم أمام الآلاف من أنصاره بعد انتخابه رئيساً للجمهورية التركية من الجولة الأولى أمس الأحد (10 أغسطس/ آب 2014)، إلى فترة من المصالحة الاجتماعية. وقال «أقول هذا من القلب. فلنبدأ فترة مصالحة اجتماعية جديدة اليوم ولنترك المناقشات القديمة في تركيا القديمة». كما أعلن أردوغان في الخطاب ذاته أن بلاده «ستبدأ نقل المصابين الفلسطينيين من غزة للعلاج في تركيا اعتباراً من الليلة (مساء أمس)».
اسطنبول - أ ف ب
انتخب رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان أمس الأحد (10 أغسطس/ آب 2014) رئيساً للجمهورية التركية من الدورة الأولى للانتخابات لولاية من 5 أعوام تطيل بذلك سيطرته المطلقة على مقاليد الحكم التي تثير بالفعل الانتقادات بشأن نزعته الاستبدادية.
وكما توقعت استطلاعات الرأي تقدم رجل تركيا القوي بفارق كبير على منافسيه في الجولة الأولى من الانتخابات التي جرت للمرة الأولى بالاقتراع العام المباشر بحصوله على نحو 52 في المئة من الأصوات.
وحصل مرشح حزبي المعارضة الاشتراكي الديمقراطي والقومي أكمل الدين إحسان أوغلي، الذي تولى قيادة منظمة المؤتمر الإسلامي، على 39 في المئة من الأصوات فيما جمع مرشح الأقلية الكردية صلاح الدين دمرتاش أكثر من 9 في المئة.
وعلى رغم أنه بعيد عن المد الكاسح الذي توقعته بعض استطلاعات الرأي، فإن هذا الفوز يشكل نجاحاً لأردوغان الذي ينضم بذلك إلى مؤسس الجمهورية التركية الحديثة والعلمانية مصطفى كمال باعتبارهما أكثر القادة تأثيراً في تاريخ تركيا الحديثة.
الرئيس المنتخب لم يخف أبداً رغبته في وضع يده على السلطة التنفيذية من خلال تعزيز صلاحيات منصب رئيس الدولة الذي لايزال حتى الآن منصباً فخريّاً إلى حد كبير.
وقال أردوغان وهو يدلي بصوته ظهر أمس في مدرسة على الضفة الآسيوية لمدينة اسطنبول: إن «الرئيس المنتخب والحكومة المنتخبة سيعملان يداً بيد». وعقب معرفة النتائج النهائية توجه رئيس الوزراء إلى مسجد أيوب سلطان في اسطنبول لإداء الصلاة، كما كان يفعل السلاطين العثمانيون قبل اعتلائهم عرش السلطنة العثمانية، كما عرضت قنوات التلفزيون التركية.
وقال أردوغان أمام المئات من أنصاره الذين تجمعوا أمام المسجد «أشكر كل الذين عملوا على تحقيق هذه النتيجة»، مضيفاً «ليكن الله في عوننا في هذا الطريق».
لم يكن من المفاجئ أن يتغلب أردوغان بسهولة على منافسيه في ختام حملة انتخابية طغى عليها كليّاً بخطبه النارية وبالقوة المالية الضخمة لحزبه وسيطرته على وسائل الإعلام الوطنية. وأعلن كل من إحسان أوغلي ودمرتاش هزيمته لكنهما نددا بحملة «غير عادلة» و «غير متناسبة» لمنافسهما.
أردوغان، الذي مازال يحظى بشعبية كبيرة على رغم الانتقادات والفضائح، تمكن من تعبئة أنصاره بكثافة. في المقابل، لم يتمكن أوغلي سوى من إعطاء صورة الرجل الطيب الحكيم لكن بلا تأثير أو بريق وبذلك لم يتمكن من إحداث صحوة «الجماهير الصامتة» التي كان يعول عليها. أيضاً مرشح الأقلية الكردية النائب صلاح الدين دمرتاش، المحامي صاحب الابتسامة الجذابة البالغ من العمر 41 عاماً، لم ينجح في استقطاب أصوات من خارج هذه الأقلية المؤلفة من 15 مليون كردي.
زاهيد وهي ممرضة متقاعدة في الثانية والخمسين قالت لوكالة «فرانس برس» وهي تدلي بصوتها في مكتب بحي سيسلي «اخترت أردوغان لأنني أعتقد أنه الزعيم الوحيد القادر على قيادة البلاد بشكل سليم»، مضيفة «لقد أطعم الفقراء واهتم بأمر العديد من المهمشين في مجتمعنا».
في المقابل، قالت مليح كوجاك، وهي طبيبة في الأربعين لدى خروجها من مكتب تصويت في حي بشيكتاش باسطنبول: «إنني هنا حتى لا يتم انتخاب أردوغان»، مضيفة «لكن للأسف نعلم بالفعل انه سيكون الرئيس». المفارقة هي أن فوز أردوغان ابن أحد أحياء اسطنبول المتواضعة يأتي بعد سنة بالغة الصعوبة.
ففي يونيو/ حزيران 2013 نزل ملايين الأتراك إلى الشارع للتنديد بما اعتبروه «نزعته استبدادية إسلامية» ليهتز نظامه بقوة. لكن أردوغان نجح في خنق هذا التمرد بقمع قاس أضر بصورته كرجل ينادي بالديمقراطية. وفي الشتاء الماضي اندلعت فضيحة فساد مدوية غير مسبوقة شوهت سمعة الحكم وطالته شخصيّاً. وندد أردوغان بـ «مؤامرة» دبرها حليفه السابق الداعية الإسلامي فتح الله غولن قبل القيام بحملة تطهير في جهازي الشرطة والقضاء وشبكات التواصل الاجتماعي غير آبه بسيل جديد من الانتقادات الموجهة إليه.
وعلى رغم كل ذلك حقق أردوغان فوزاً كاسحاً في الانتخابات البلدية التي جرت في مارس/ آذار الماضي وحافظ على شعبيته الكبيرة في بلد تمكن فيه من غل يد الجيش الذي قام بأربعة انقلابات عسكرية خلال نصف قرن.
وفي عهده سجل الاقتصاد التركي فترة نمو قوي استفادت منه بشكل كبير الغالبية المتدينة والمحافظة.
اسطنبول - أ ف ب
أبرز المحطات في المسيرة السياسية لرئيس الوزراء التركي الإسلامي المحافظ رجب طيب أردوغان المرجح فوزه في الانتخابات الرئاسية التي تجرى مبدئياً على دورتين في 10 و24 أغسطس/ آب الجاري:
-- نشأته --
ولد أردوغان في حي متواضع بإسطنبول في 26 فبراير/ شباط 1954 لعائلة فقيرة متدينة متحدرة من مدينة ريزة شمال شرق تركيا، ودرس في مؤسسة دينية وباع حلوى في الشارع لدفع ثمن كتبه.
وهو شغوف بكرة القدم وكان لاعباً شبه محترف في سبعينات القرن الماضي، وقد تخرج من جامعة العلوم الاقتصادية في مرمرة في 1981. وفي 1976 انضم إلى حركة نجم الدين أربكان مرشده السياسي الذي تولى بعد سنوات من ذلك منصب رئيس الحكومة الإسلامية في تركيا.
-- بداياته في السياسة --
الانقلاب العسكري الذي حصل في 12 سبتمبر/ أيلول 1980 أبعده عن المعترك السياسي حتى 1983 عندما أنشأ أربكان حزب الرفاه الذي أصبح مسئوله في إسطنبول في 1985.
ثم انتخب رئيساً لبلدية إسطنبول في 27 مارس/ آذار 1994 واكتسب شعبية كبيرة بفضل إدارته الفعالة.
وبعد سقوط أربكان اضطر للاستقالة تحت ضغط العسكر (1997)، وأدين في 1998 بتهمة التحريض على الكراهية الدينية وأقصي عن الحياة السياسية وسجن أربعة أشهر في 1999.
وأخذ عليه القضاء أنه قرأ أثناء خطاب جماهيري في ديسمبر/ كانون الأول 1997 شعراً يقول فيه «مساجدنا ثكناتنا، قبابنا خوذنا، مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا، هذا الجيش المقدس يحرس ديننا».
-- صعوده إلى الحكم --
في يوليو/ تموز 2001 أجازت له المحكمة الدستورية العودة إلى السياسة فأسس في 14 أغسطس 2001 حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه.
وفاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2002 لكن أردوغان لم يتمكن من تولي رئاسة الوزراء لإعلان المجلس الانتخابي الأعلى عدم أهلية انتخابه قبل شهرين من ذلك.
وطلب من عبد الله غول ذراعه اليمنى تولي المنصب حتى يتسنى له تنظيم انتخابه شخصياً أثناء انتخابات تشريعية جزئية تمكن من الترشح إليها بفضل تعديلات أقرها البرلمان الذي يهيمن عليه حزب العدالة والتنمية. وأصبح رئيساً للحكومة في 11 مارس 2003.
-- إحدى عشرة سنة في الحكم --
مع توليه ثلاث ولايات متتالية -- مع فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية في 2007 و2011 -- وضع أردوغان حداً لفترة طويلة من عدم الاستقرار الحكومي. وهو يؤكد فوز حزبه في 12 انتخابات خلال اثنتي عشرة سنة في الحكم.
وفي ظل حكمه سجل الاقتصاد التركي فترة نمو قوي حتى العام 2011 حيث بدأ يتباطأ منذ ذلك الحين. واعتمد نهجاً جديداً بخصوص المسألة الكردية وأنجز إصلاحات كبيرة محركها عملية انضمام إلى الاتحاد الأوروبي التي حصل على إطلاقها في أكتوبر 2005.
وقد تمكن خصوصاً من كف يد الجيش التركي الذي قام بأربعة انقلابات عسكرية في خلال نصف قرن.
لكن المعارضة تتهمه بالإنحراف «الاستبدادي» و»الإسلامي» وتعيره بفساد نظامه. وقد قمع بوحشية الحراك الاحتجاجي في يونيو 2013.
ونظام حزب العدالة والتنمية لا يجيز له تولي أكثر من ثلاث ولايات لكنه يريد الاستمرار بالحكم كرئيس للدولة. وفي الأول من يوليو رشحه حزب العدالة والتنمية لهذا المنصب.
نافس مرشحان رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية أمس (الأحد) لكنهما واجها مهمة صعبة جداً في إحداث تأثير على نتيجة التصويت.
وأظهرت نتائج استطلاعات الرأي أن أبرز مرشح للمعارضة الرئيس السابق لمنظمة التعاون الإسلامي، أكمل الدين إحسان أوغلي سيحل بفارق كبير جداً خلف أردوغان.
أما مرشح الأقلية الكردية النائب صلاح الدين دمرتاش فواجه صعوبة كبرى في تحقيق نتيجة جيدة تتجاوز العشرة في المئة.
في ما يأتي نبذة عن منافسي أردوغان:
- تعيين إحسان أوغلي مرشحاً من قبل حزبي المعارضة العلمانية أثار جدلاً كبيراً لأنه، على غرار أرودغان، مسلم ملتزم. لكنه تعهد باحترام أسس تركيا العلمانية الحديثة.
وإحسان أوغلي نجل رجل دين تركي أقام في المنفى في مصر، ولد في القاهرة وهو ما كان موضع استهزاءً من أردوغان خلال الحملة الانتخابية حيث وصفه بالمرشح «المستورد».
وإحسان أوغلي (70 عاماً) يجيد عدة لغات لكنه يبدو بعيداً عن واقع السياسة التركية التي أصبح أردوغان خبيراً في خفاياها.
وفيما شارك أردوغان في عشرات التجمعات الانتخابية في أنحاء البلاد، فضل إحسان أوغلي عقد مؤتمرات صحافية ولقاء المواطنين العاديين في الشارع.
وترشيحه لا يقدم رؤية مختلفة كثيراً لمستقبل تركيا لكنها مختلفة عن رؤية أردوغان.
وفيما يريد أردوغان أن يكون الرئيس التركي شخصية سياسية قوية، شدد إحسان أوغلي على أن الرئيس يجب أن يكون فوق اعتبارات السياسة وليس تابعاً لأي حزب.
وقال إحسان أوغلي لوكالة «فرانس برس» في مقاربة قبل بدء الانتخابات «ما دفعني أن أوافق على الترشح هو أن تركيا اليوم تتجه نحو بيئة فوضوية منقسمة غير موحدة».
وقد انتقد أردوغان عدة مرات إحسان أوغلي خلال التجمعات الانتخابية لكن أوغلي رفض الرد وتحدث في غالب الأحيان بلهجة هادئة جداً.
أما مرشح الأقلية الكردية النائب صلاح الدين دمرتاش المحامي البالغ من العمر 41 عاماً فيتوقع ألا يسمح له خطابه اليساري المؤيد للحريات، بالتأثير كثيراً خارج إطار هذه الأقلية التي تضم 15 مليون شخص.
ودمرتاش الذي ولد في دياربكر، أبرز مدينة كردية في تركيا محام وسيحاول جاهداً تحقيق نسبة تفوق 10 في المئة من الأصوات لكنه لفت الانتباه إثر حملته النشطة.
ويتمتع بالكاريزما وقد حاول خلال التجمعات الانتخابية توسيع قاعدة الدعم له واستمالة ليس فقط الأكراد وإنما كل الأتراك الذين سئموا من هيمنة أردوغان على السلطة.
وبعدما ركز على سياسات اشتراكية الأسس، حاول جاهداً أن يوضح أنه مرشح كل الأتراك وليس فقط الأكراد.
ولا ينفك دمرتاش عن الترديد أن «تركيا تقف على مفترق طرق. فإما نختار تعزيز دولتنا السلطوية أو نفتح الطريق أمام تغيير حقيقي عبر اتخاذ إجراءات ديمقراطية جذرية ترضي تطلعات جميع المضطهدين».
ولا يتقاطع خطابه السياسي الذي يشدد على الاعتراف بالحقوق والاختلافات مع خطاب المرشحين الآخرين.
وبالعزم ذاته بعيداً عن الصوت الكردي فقط، قال دمرتاش في إسطنبول الأسبوع الماضي «إذا اتحد الفقراء والمثليون والنساء والعمال (...) فلن يستطيع أي دكتاتور سد الطريق أمامهم».
العدد 4356 - الأحد 10 أغسطس 2014م الموافق 14 شوال 1435هـ