العدد -1 - الخميس 27 يونيو 2002م الموافق 16 ربيع الثاني 1423هـ

البحث عن (الفأرة) التي صدّعت سد زيزون

كيف تناقص عمر السد السوري من 001 إلى ثلاثة أعوام فقط؟

كما انهار سد (مأرب) قبل آلاف من السنين جارفاً معه حضارة اليمن السعيد بسبب (فأرة) كما يقال؛ جرف سد زيزون السوري في انهياره أحلام أهالي القرية الواقعة بالقرب منه، فأغرق ثرواتهم من الأراضي الزراعية الخصبة والمواشي وترك لهم أصابع تمتد إلى الجهات الرسمية متهمة إياها بالتقصير والإهمال...وربما التكسب من وراء بناء هذا السد الذي كان يفترض أن يعمر قرن من الزمان فإذا به ينهار في عامه الثالث، فإذا كانت الفأرة تسببت في انهيار سد مأرب اليمني، فمن ستكون يا ترى (الفأرة) المعاصرة لسد زيزون؟

سد (زيزون) واحد من اشهر السدود السورية البالغ عددها 150 سداً تتوزع على المحافظات السورية، غير أن هذا السد ـ الذي يعتبر رابع اكبر سد في سورية ـ لم يبق منه سوى اسمه وبعض ذكريات أليمة عاشها المزراعون بعدما انهار في الرابع من يونيو الجاري، مخلفا وراءه كارثة حقيقية أهلكت القرية بأكملها، وصار أثراً بعد عين.

فبعد مرور بضعة أسابيع على وقوع الانهيار، تتسع دائرة التأويلات لتنظر في الأسباب التي مهدت لوقوع فاجعة راح ضحيتها 20 مدنيا وخسائر مادية قدرت بعشرات الملايين من الدولارات.

عشرات القتلى والمفقودين. منازل المزارعين التي طمرها الوحل. مساحات شاسعة من الأراضي المزروعة بالقطن والقمح والخضار التي دمرت تماما وتحولت إلى مستنقعات خربة، ولم يبق من القرية سوى الحطام والأنقاض ومشاهد أخرى تراجيدية تعصف بأهالي زيزون والقرى القريبة منها منذ انهيار السد.

القوافل بدأت تشد الرحال عائدة إلى القرية الهالكة، بينما كثفت وزارة الصحة السورية حملات تلقيح الأطفال ورش المبيدات تخوفا من انتشار الأوبئة، وفي غضون الأيام التي أعقبت انهيار السد، توالت قوافل الإغاثة التي تحمل المساعدات العربية من الإمارات والسعودية والمغرب والجزائر والعراق والبحرين، غير أن هذه الأخيرة قد كثفت جرعات المساعدات الإنسانية فأرسلت 12 طبيبا محملين بالمواد الطبية والعينية خلال عشر حملات متتالية.

الخبراء السوريون يرجعون سبب انهيار السد إلى عيوب إنشائية تعود إلى سوء التنفيذ، ويشير فريق آخر من الخبراء إلى أن الأسباب استثمارية بحتة، إذ أن عمليات الضخ المستمرة، وتخزين كمية كبيرة من المياه تفوق ـ نظريا ـ الطاقة الاستيعابية للسد قادت إلى كارثة من هذا النوع.

أحمد علي الحجي، الأستاذ في جامعة حلب، عزا الحادث ـ في تصريح لصحيفة «الثورة» الحكومية ـ إلى عيوب فنية في الإنشاء والتنفيذ، وقال: «إن الانهيار كان محتوما ومتوقعا بسبب سوء تنفيذ القسم العلوي من جسم السد وعدم مطابقته للمواصفات الهندسية، ناهيك عن استمرار ضخ كميات متزايدة من المياه لتغطية التوسع في شبكة الري الممتدة إلى أراضي الغاب القريبة من قرية زيزون».

المحللون يرون أن العمر الافتراضي للسد كان يفوق نظريا المئة عام، غير أن الانهيار حصل بعد ثلاثة أعوام من تسليم المشروع بصورته الشبه النهائية.

بدأ العمل في تنفيذ المشروع منذ العام 1989عندما قدمت «مؤسسة الدراسات المائية» التابعة للحكومة تصميمها الهندسي وباشرت تنفذه شركة «ريما» للإنشاء والتعمير، بيد أن العمل قد توقف في العام 1994 بسبب عدم وجود ما يكفي من الاعتمادات المالية، إذ قدرت التكلفة بـ 90 مليون دولار حسب تقدير ممول المشروع الصندوق الكويتي للإنماء الاجتماعي والاقتصادي.

وفي شتاء 1995 حصل انفجار جزئي في الطبقة العلوية من السد، مكان الانفجار الحالي مما ترتب عليه استئناف العمل في المشروع، غير أن الشركة المنفذة لم تقم بتسليم المشروع بشكله النهائي منذ ذلك الحين.

الصحف السورية أشارت في تعليقاتها على الحادث إلى تحذيرات أطلقها المزارعون وجماعة من أساتذة الجامعات تنذر بأخطار تنبئ عن وضع السدود السورية الموزعة على المحافظات وكان زيزون في مقدمة تلك السدود.

في خطاب وجهته كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق إلى وزارة الري السورية في العام 2001 جاء فيه تحذير بني على دراسة مسحية لعدد من السدود السورية يشير بصورة واضحة إلى خروقات وتشققات وتسربات كثيرة وتحديداً في جسم سد زيزون بالتحديد، والى إهمال واضح في الصيانة والرقابة، بيد أن الوزارة المعنية لم تعر اهتماما للخطاب.

بعض الأهالي عبر ـ بدوره ـ عن تخوفه من وجود تسربات في جسم السد ومن انسداد مصفاته بسبب تراكم الأوساخ بداخلها قبل اسبوع من الانهيار. وأهمل المهندسون العاملون في السد شكوى المزارعين و لم يكترثوا لتلك المخاوف.

عبد الكريم الحلبي ـ الذي دمر منزله القريب من السد ـ قال:سطالبنا قبل أيام من انهيار السد بفتح الماء لري أراضينا العطشى، غير أن انهيار السد والمياه المتدفقة وكأنها شريط من نار قد روت الأراضي ثم أغرقتها من الشبعس.

وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) قالت إن القرية اختفت بالكامل ولم يبق لها أثر عدا قبة مسجد صغير وخزان المياه التابع للقرية، في الوقت الذي أتلف ما يربوا على 8000 هكتار من الأراضي الزراعية، وتسبب في نفوق 300 رأس من البقر و12 ألف رأس من الغنم و3180 خلية نحل في المنطقة القريبة من السد.

يؤكد محافظ حماة محمد سعيد، أن الأضرار لحقت البنية التحتية لمشروع استصلاح أراضي الغاب والبنية التحتية لشبكات الهاتف والماء والكهرباء والطرقات، إضافة إلى تلف 3 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية إذ دمرت المياه محاصيل ضخمة من القمح والقطن والشمندر السكري وباقي الخضار.

الصحف السورية الرسمية أشارت بأصابع الاتهام إلى المسئولين الذين أهملوا عمليات التفتيش والصيانة، أكدت أن سورية لم تشهد حالات مشابهة، غير أن صحيفة «تشرين» أشارت من جانبها إلى أن كارثة سد زيزون لم تكن الأولى من نوعها سبقها عدد من الانهيارات في السدود الصغيرة المقامة في البادية لعدم تطابقها والمواصفات الفنية.

وتتواصل التحقيقات والاستجوابات لعدد من المسئولين الذين توجه إليهم أصابع الاتهام وعلى رأسهم وزير الري السابق وعدد من المدراء المسئولين عن تنفيذ المشروع كخطوة نحو معاقبة المسئولين المباشرين عن سوء استثمار السد وتشغيله.

ويذكر أن رئيس المشروع المهندس حسين علوش لاذ بالفرار بعد الكارثة مباشرة، بينما تواصل الجهات الرسمية في دمشق تحقيقاتها في الحادث، فأوقفت نحو 20 شخصا يمثلون هيئات ذات صلة بالسد لإخضاعهم للمساءلة القانونية.

لا يزال ملف كارثة زيزون مفتوحا في الوقت الذي تواصل فيه جهات عدة تقديم تبريراتها التي تشير إلى التبرؤ من المسئولية وأن تكون لها يد في صنع كارثة زيزون

العدد -1 - الخميس 27 يونيو 2002م الموافق 16 ربيع الثاني 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً