العدد 5313 - الجمعة 24 مارس 2017م الموافق 25 جمادى الآخرة 1438هـ

القطان: السعادة دين يتبعه عمل ورضا وقناعة بالمقسوم... ولا تشترى بالدنانير أو تقاس بالكم

الشيخ عدنان القطان
الشيخ عدنان القطان

الجفير - محرر الشئون المحلية 

24 مارس 2017

أكد إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن السعادة دين يتبعه عمل، ويصحبه حمل النفس على المكاره، وجبلها على تحمل المشاق والمتاعب، وتوطينها لملاقاة البلاء بالصبر، والشدائد بالجلد، والسعيد من آثر الباقي على الفاني، مشيراً إلى أن السعادة أمر لا يقاس بالكم ولا يشترى بالدنانير، لا يملك بشر أن يعطيها، كما أنه لا يملك أن ينتزعها ممن أوتيها.

ورأى، في خطبته أمس الجمعة (24 مارس/ آذار 2017)، أن السعادة هي الرضا بالله والقناعة بالمقسوم، والثقة بالله، واستمداد المعونة منه؛ فمن ذاق طعم الإيمان ذاق طعم السعادة.

وقال إن: «السعادة والفلاح في الإسلام الذي هو الاستسلام الكامل لله -جل وعلا-، والخضوع له والخلوص له من الشرك والأنداد، والخروج عن داعية الهوى إلى داعية الرحمن».

وذكر أنه «لا يُعرفُ مفقودٌ، تواطأ الناسُ على البحثِ عنه وطلبه، مثلُ السعادة والطمأنينةِ وراحةِ البال، والحديثُ عن السعادة ، سيظلُّ باقياً ما دام في الدنيا بشرٌ، فكلٌّ يبحثُ عنها، ويود الوصول إليها والحصول عليها، ولو كلفهم ذلك كل ما يملكون، ألا وإن جمعاً من الواهمين، يعرفون السعادة بأنها لا حقيقة لها، وأنها خيال يبتدعه الوهم ويكذبه الواقع... والحق أن هؤلاء جاهلون أو مخادعون؛ لأنه لا يعقل قطعاً، أن يخلقنا الله تعالى ثم يريد لنا أن نشقى جميعاً».

واعتبر السعادة «جنة الأحلام التي ينشدها كل البشر؛ من المثقَّفِ المتعلِّمِ، إلى العامي البسيطِ، إلى السلطان في قصره المشيد، والفقير في كوخه المتهالك».

وأردف قائلاً: «ولا نحسب أحداً منهم يبحث عمداً عن الشقاء لنفسه أو يرضى بتعاستها... إن فقدان السعادة من قلب المرء؛ يعني - بداهةً - حلولَ القلق والاضطراب النفسي في شخصه، فتجتمع عليه السباع الأربعة، التي تهد البدن وتوهنه، ألا وهي: الهم والحزن والأرق والسهر.. ولا أشد من وقوع الهمّ في حياة العبد؛ إذ الهمّ جند من جنود الله -عز وجل - يسلطه على من يشاء من عباده ممن كان ضعيف الصلة بالله، غارقاً في المعاصي والذنوب.

ونوّه إلى أن «السعادة والطمأنينة عطاء من الله ورحمة، كما أن الهمّ والقلق والضيق غضب من الله ومحنة. السعادة تسير مع الإنسان حيث استقلت ركائبه، وتنزل إن نزل، وتُدفن في قبره معه».

وأفاد بأن «مشارب الناس اختلفت في فهم السعادة، فتوجه كل بحسب مشربه، فمن الناس من ظنّ أن السعادة في الملك كفرعون، وفعلاً مَلَك، ولكنه ملك بلا إيمان، وتسلط بلا طاعة، فتشدق في الجماهير... ومن الناس من ظنّ أن السعادة في جمع المال كقارون، فمنحه الله كنوزاً كالتلال، ما جمعها بجهده ولا بذكائه ولا بعرقه ولا بعبقريته، وظنّ أنه هو السعيد وحده، وكفر نعمة الله، وقد حذره ربه، وأنذره مولاه مغبة تصرفاته فأبى وأصر على تجريد المال من الشكر، والسعي في الأرض فساداً، فكان الجزاء المر».

وتابع «من الناس من ظنّ أن السعادة في كثرة الولد، كالوليد بن المغيرة، فآتاه الله عشرة من الأبناء، كان يحضر بهم المحافل؛ خمسة عن يمينه، وخمسة عن يساره، ونسي أن الله خلقه فرداً بلا ولد، فماذا فعل، وكيف تصرف؟ أخذ عطاء الله من الأبناء، فجعلهم جنوداً يحاربون الله إلا من رحم ربك».

وأفاد القطان بأن «من الناس من يظنّ بأن السعادة في الشهرة وذياع الصيت، فيقضي ساعاته في توجيه الناس إليه؛ ليصبح معبود الجماهير كما يقال، وحديث الركبان وشاغل الدنيا، فيقتلعه ربك من جذوره، ويمحق سعيه»، مشيراً إلى أن «من الناس من يظنّ أن السعادة في الفن؛ ليس الفن الهادف، ولكن الفن المتهتك الخليع الماجن، فيدغدغ الغرائز ويلعب بالمشاعر، ويفتن القلوب، ويسكب الغرام في النفوس، فيحمّله الله ذنوب من أغواهم، دون أن ينقص من ذنوبهم شيئاً، وكل ذلك من أجل أن يُصدّر اسمه بقولهم: النجم الساطع، والكوكب اللامع. فإذا الآلاف من الناس يصفقون له ويشجعونه، وربما حملوه على الأعناق، وربما يُسِرت له المعاملات، وربما التقطت معه الصور؛ أي تغريرٍ له أعظم من هذا التغرير؟! هل سيتفطن إلى أن بحثه عن الشهرة ربما كان سبب هلاكه؟! وهل سيتفطن إلى أن هؤلاء الذين يصفقون له ويطبلون، سينسونه يوم يوارى في التراب ويترك وحيداً؟!».

وواصل القطان «ومن الناس من غدا يبحث عن السعادة في اللهو والعبث والمجون؛ فتراه تارةً في ملهى، وتارة في مقهى، وأخرى يتعرى على شاطئ وغيرها في سوق، وهكذا تمر عليهم الأيام والشهور والسنين. طلبوها من طرق منحرفة، فكانت هذه الطرق سبباً لدمارهم وهلاكهم. كل هؤلاء -عباد الله- كانت نظرتهم للسعادة قاصرة، لا تجاوز مواطئ أقدامهم».

وذكر أن «من الناس من يرون السعادة في الوظيفة والسلطة، وتغمره السعادة عندما يفسح له في المجالس، ويصغى إليه عندما يتحدث، لهذا يحيى وعليه يموت، ولم يعتبر بمن قبله ممن خدع بهذه السلطة، وإذا به يفقد وظيفته، فتنقلب الدنيا عليه، وتكون سعادته تلك ديناً عليه، يقضيه هماً وغماً، تضطره تلك الوظيفة، بعد فقدها إلى أن يغلق باب بيته عليه، ينشد نسيان ذلك الماضي التعيس».

وقال أيضاً: «من الناس من طلب السعادة في زوج وولد، فلما حصلهم واستووا، إذا بهم ألد أعدائه وأشد خصومه، ينغصون عليه حياته، يتمنون علانية ساعة موته؛ لينقضوا على ما بقي من تركة يقتسمونها».

وبيّن أن «السعادة وجدها نبي الله يونس بن متى (ع) وهو في ظلمات ثلاث: في بطن الحوت، في ظلمة اليم، في ظلمة الليل، حين انقطعت به الحبال إلا حبل الله، وتمزقت كل الأسباب إلا سبب الله، فهتف من بطن الحوت بلسان ضارع حزين: (لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فوجد السعادة».

ولفت إلى أن :السعادة وجدها موسى (ع) وهو بين ركام الأمواج في البحر، وهو يستعذب العذاب في سبيل الواحد الأحد. السعادة وجدها يوسف (ع) وهو يسجن سبع سنوات، فيسألونه عن تفسير الرؤى، فيتركها، ثم يبدأ بالدعوة، فيعلن الوحدانية، فيجد السعادة. السعادة وجدها نبينا محمد (ص) وهو يطوّق في الغار بسيوف الكفر، ويرى الموت رأي العين، ثم يلتفت إلى أبي بكر ويقول مطمئناً: (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا)

وأوضح أن «هذه هي السعادة، وهذه بعض أحوال السعداء، ولا يكون ذلك إلا في الإيمان والعمل الصالح، الذي بُعث به الرسول (ص) فمن سكن القصر بلا إيمان كتب الله عليه: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) ومن جمع المال بلا إيمان ختم الله على قلبه: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا). ومن جمع الدنيا وتقلد الوظيفة والمنصب والوجاهه بلا إيمان جعل الله خاتمته: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)».

ونبّه إلى أن «من أراد السعادة فليلتمسها في المسجد؛ صلاةً وجلوساً وتعلقاً. من أراد السعادة فليلتمسها في المصحف: قراءةً وتدبراً وحفظاً. من أراد السعادة فليلتمسها في سنة نبينا؛ إتباعاً وتطبيقاً ومنهجاً. من أراد السعادة فليلتمسها في الذكر، في التلاوة، في الهداية، في الاستقامة، في الالتزام، في اتباع محمد (ص)».

وشدد على أن :السعيد من سعد بطاعة الله، والشقي من شقي بمعصيته لله.

ودعا إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الباحث عن السعادة بأن يقرأ القرآن، قائلاً: «يا من أحاطت به هموم الدنيا وأزعجـته المصائب، أُوصِيك بأن تجلس مع القرآن في كل يوم، وتخصص لك وقتاً تقرأ فيه، وتتأمل معانيه، وتعرض نفسك عليه، فوالله سوف تشعر بالسعادة وتذوق طعم الحياة، كلما نظرت فيه، كلما أشرق في قلبك نور الإيمان».

وخلص إلى أن :السعادة توجد عند أصحاب الأخلاق الحسنة. والله إنَّ المُتَّصفين بالصفات الحسنة والأخلاق الحميدة ليجدون من الراحة والسعادة ما لا يخطر بالبال إنّهم أقوام أحبهم الله وأحبهم الناس فكيف لا يجدون السعادة؟ إنّهم مُتواضعون مع الناس يبتسمون ويمزحون ويضحكون إنّهم يُساعدون المُحتاج ويعطِفون على الفقير والمسكين والأرملة واليتيم، إنّهم يُحسِنون الظن ويتجاوزون عن الخطأ إنّهم طيبون ويرحمون وينفعون، إذا رأيتهم رأيت فيهم أجمل الأخلاق وأحسن الصفـات، إنّهم يسيرون على منهجه (ص)»، مؤكداً أن «السعادة توجد في ترك المعاصي والذنوب، وتوجد عند التائبين، إنَّ جميع الخلق لابد أنْ يصدر منهم الذنب والخطأ مهما كانوا في صلاحهم واستقـامتهم. إنَّ للتوبة حلاوة ولذة وسعادة لا يشعر بها إلاَّ من ذاقها، واسألوا التائبين عن مدى سعادتهم عند رجوعهم إلى الله تبارك وتعالى.

وقال القطان: «وهناك سعادة توجد عند الموت، ولكن هذه السعادة خاصة للمؤمن الصالح الذي أفنى حياته في طاعة الله تعالى، فهذا له موعد مع السعادة عند مماته».

العدد 5313 - الجمعة 24 مارس 2017م الموافق 25 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً