العدد 5348 - الجمعة 28 أبريل 2017م الموافق 02 شعبان 1438هـ

بالفيديو...أحمد جناحي «الراحل بلا ضجيج»... وعبر مجلسه كانت الحكاية: مساحة مشتركة جمعت الأضداد

الفقيد أحمد جناحي
الفقيد أحمد جناحي

 

بعيداً عن ضجيج الأضواء وصخبها، اختط البحريني أحمد جناحي لنفسه منهجاً، عبره كان الراحل في 18 مارس/ آذار 2017، ينأى بنفسه عن حالة الاستقطابات الحادة في مملكة البحرين.

وعبر مجلسه الكائن في منطقة عراد، كتب جناحي أبرز فصول حكايته: «مجلس هو منبر لمن لا منبر له، ومساحة مشتركة جمعت الأضداد»، أما فلسفة ذلك فيوضحها نجله خالد بقول غير معقد «فتح قلبه للناس قبل مجلسه، ومن كان يحضر المجلس يشعر أنه في مجلسه، والوالد كان يتصرف كضيف».

«الوسط» تحفر في بعضٍ من سيرة الراحل، ذا الصيت المتواري، وصاحب «المواقع الخلفية»، في إشارة من القريبين منه لتفضيله النأي بنفسه عن «المقدمة والظهور».

جناحي... مربياً

يشرع الناشط أحمد عبدالملك، والذي أتاح له القدر ملازمة الراحل جناحي لسنوات عدة، الحديث، وهو يستعيد البدايات «في العام 1971 كان المرحوم أحمد جناحي معلماً في مدرسة الهداية الخليفية وكنت طالباً فيها. يومها تعرضت لألم مفاجئ في البطن، وكان المرحوم يتولى الرعاية الصحية في المدرسة، فتوجهت له، وقام باستخراج سجلي الصحي وفاجأني بالقول (أنت أعمى)».

وأضاف «بعدها مباشرة، توجهت للمستشفى وقد أنساني قول جناحي موضوع ألم البطن»، وتابع «اللافت هو مقدار ما أظهره الفقيد من اهتمام ورعاية نابعة من شخصيته كمربي، وهذا ما يتضح من خلال متابعته لي حتى بعد ذهابي للمستشفى، فحين أعلمته بعدم قدرتي على شراء النظارة، أمرني بالذهاب إليه لاستلام رسالة أتوجه بها لمحلات محمد الوزان لشراء النظارة، وبفضله حلت المشكلة»، وتساءل «من ذا الذي سيهتم بأمر شخص لا تربطه به حتى أدنى علاقة (وبالمناسبة فإن تعامله هذا كان مع الجميع)، ولازلت أتذكر عتابه اللطيف لي: (كيف تريد تنجح وانت ما تشوف المكتوب على السبورة؟)».

وفيما يتذكره الابن خالد عن أبيه، أنه كان عصامياً ذا سيرة تجارية ناجحة وشخصية جادة في الحياة، وفي البيت كان حريصاً على القيام بدور المعلم والمربي، ليستدرك «حدث ذلك، دون أن يتدخل في اختيارات الأبناء وخياراتهم».

جناحي... وطنياً

عرف جناحي بتموضع وطني خاص. لم يسجل له انتماء عضوي محدد في أي من التنظيمات السياسية الحالية في البحرين، لكنه كان «ناصري الهوى، وقومي الاعتقاد، وهو ما استمر معه حتى آخر أيام عمره»، يقول ذلك عبدالملك وهو يقرأ اتجاهات جناحي بالقول «كان يحب أن يكون حراً».

وجناحي، قليل الكلام، مضى وفي الصدر بوح لم يوثق بعد، فرحل بأسرار وتفاصيلٍ لم تعرف بعد.

عن قوميته، يقول عبدالملك «كان يمتدح عبدالناصر، وتشعر من خلال هذا المديح ميله للناصرية، أما عربياً فكانت عناوين الفساد، الديمقراطية، تطغى على أحاديثه»، مضيفاً «المرحوم قارئ جيد، تنطق بذلك مكتبته الكبيرة والمتنوعة في مختلف المجالات، فكان بفضل كل ذلك مطلعاً ومهتماً بالوضع العربي، يبرز ذلك من حديثه عن القضية الفلسطينية وعن مصر والوحدة العربية بين سوريا ومصر. كل ذلك كان دليلاً على مقدار إطلاع وقراءات الرجل».

وتابع «تغيرات ومستجدات طرأت منذ الستينات حتى اليوم، وظل جناحي وفياً لمبادئه، متشبثاً بها».

جناحي... اجتماعياً

لم يقتصر سجل جناحي على صيته الوطني، فـ (أبوخالد) حاضر بإسهاماته الاجتماعية على مستوى منطقة الحد، مسقط رأسه، فأسس الجمعية التعاونية في الحد، ودار يوكو، وترأس نادي الحد في إحدى دوراته.

«صاحب يد ممتدة لفعل الخير، واسم متواري»، بذلك يعبر أحمد عبدالملك عن الراحل جناحي وهو يشير إلى موقف لا تزال تفاصيله عالقة في الذاكرة: «يفرح كثيراً حين توصل محتاجاً إليه، وذات مرة كنت أتحدث معه بعفوية عن أحد الأشخاص الذي أصيب بمرض عضال، فباشر على الفور متبرعاً بمبلغ عبر (شيك) وكلفني بإيصاله للمحتاج، وفي اليوم التالي كان يحادثني وهو يقول: (تصدق أحنا غلطنا بالتبرع من خلال الشيك) في إشارة منه لمعرفة المحتاج باسم المتبرع، وهو ما لم يكن يرغب فيه، وعلى هذا النحو كان منهجه في تقديم عمل الخير».

وأضاف عبدالملك وهو يسرد موقفاً ثانٍ: «قبل وفاته بنحو أسبوعين، سلمني ظرفاً يحوي مبلغاً معيناً، وطلب مني أن أتصرف فيه بمعرفتي، أي أن أوصله للمحتاجين»، وتابع «لم يفرق بين أتباع هذا المذهب أو ذاك، فكانت مساعداته تذهب للمحتاج بغض النظر عن مذهبه أو حتى دينه، وكان تعامله مع الإنسان، كإنسان فقط».

مجلسه... والحكاية الأم

من حيث مجلسه، اتخذ جناحي وسيلة لكتابة حكايته الأم. ومنذ العام 1993 كان أبوخالد، يؤدي دوره الوطني اللافت. ومن هنا، من المجلس ذا اللون الأبيض، كان جناحي يضم مختلف أطياف المجتمع البحريني تحت سقف واحد. «فعل عجزت عنه مؤسسات، وأنجزه جناحي»، يقول عبدالملك وهو يشير إلى بعض من مواصفات الفقيد «وطنياً، لم يكن يضع حدوداً للمذهب والجنس، وعبر مجلسه كان يحتوي جميع أطياف المجتمع، ولم يقتصر ذلك على الحضور بل طال المشاركين أيضاً، فلم يكن يفرق بين مذهب وآخر، ولا انتماء وانتماء آخر».

وأضاف «احتضن المترشحين للانتخابات النيابية في إحدى الدورات السابقة، وأتاح الفرصة للجميع للتعبير عن برامجهم، وترك الخيار للناخب. لم يقتصر على مترشح دون آخر، فكان المجلس تعبيراً عن فكره الجامع».

ومع انتقال الحديث للابن خالد أحمد جناحي، كانت الإطلالة على بداية تأسيس المجلس. يقول «تأسس المجلس مع وفاة جدتي (والدة والدي)، ووقتها اقترح أهالي (الفريج) على والدي فتح مجلسه، وهو ما تلقفه الوالد مضيفاً له حرصه على أن يكون لهذا الافتتاح قيمة خاصة، فتم تحديد مساء يوم الأربعاء من كل أسبوع موعداً، والبداية كانت من محاضرة في الشأن الديني وذلك عبر استضافة الشيخ محمد عبدالوهاب المحمود».

وعبر محاضرات متنوعة شملت مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع وحتى الزراعة، انطلق مجلس أحمد جناحي ليدشن ما يمكن القول عنه بـ «مرحلة المجالس الأهلية» التي انتشرت وبشكل مركز في محافظة المحرق.

يقول جناحي الابن «منذ العام 1993 استمر المجلس في إقامة محاضراته بلا انقطاع، فكان الوالد حريصاً على فتح أبواب المجلس حتى في أوقات سفره»، مضيفاً «وفي فترة الانتخابات، أراد أن يتوسع، فأتاح للمترشحين فرصة اللقاء بالأهالي، وذلك عبر مجلسه وبيته».

المجلس مستمر... والأثر

وفي الحديث عن الأثر الذي تركه مجلس جناحي، قال عبدالملك «لمجلس جناحي طابع مميز، فبدأ بالطريقة العادية وتطور مع تطور العملية السياسية في مملكة البحرين، أما الموضوعات، فتجد هنا طرح لا تجده في مجالس أخرى. هنا تسمع الرأي والرأي الآخر، وكان المرحوم يقول وهو يشير لاعتراضات واجهها: (يقولون لا تجيب فلان...، هو حر وأنت حر)، فكان لديه هذا النوع من الفكر، وهذا ما ميز مجلسه حتى يمكن اعتباره ودون مبالغة منبر من لا منبر له»، مضيفاً «كان ذو نظرة تقدمية حيال المرأة، يتجلى ذلك عبر جرأته في منحها مكانة ضمن مجلسه، تحديداً في فترة الانتخابات».

أما الابن خالد، فيقول موضحاً بعضاً من أثر مجلس والده: «الأثر يوضحه كل هذا الصيت المنتشر في البحرين، ويكفي القول إنه مثل بداية ظهور المنتديات وله الريادة في ذلك»، مضيفاً «لم يكن حضور المجلس محصوراً في منطقة محددة بل تنوع وامتد لمختلف مناطق البحرين».

وعرف عن أحمد جناحي بساطته، وحرصه على خدمة رواد مجلسه، وفي ذلك يقول عبدالملك «لم يتخذ من المجلس وسيلة للحصول على الوجاهة، يجلس على أدنى الكراسي مستوى، ويتصرف كخادم للمجتمع، فكان ذلك تعبيراً عملياً عن طبيعة الفكر الذي يحمله».

ويختتم الابن خالد، حديث التوثيق وهو ينوه: «بالنسبة للضيافة، فقد كان يصر على ضيافتنا للرواد حتى الفترة الأخيرة، حيث تعذر ذلك بسبب الانشغال، ومن باب حبه لخدمة الناس كان هو من يباشر خدمتهم وضيافتهم»، مضيفاً وهو يعقب على سؤال بشأن مصير المجلس وأرشيفه «بعض من حصيلة السنوات الـ 25 مؤرشفة وليس جميعها، أما الاستمرار، فنحن كعائلة حريصون على ذلك، على أن يتحول الافتتاح من مرة كل أسبوع إلى مرة واحدة شهرياً».

من اليمين: خالد أحمد جناحي وأحمد عبدالملك يتحدثان إلى «الوسط» - تصوير أحمد ال حيدر
من اليمين: خالد أحمد جناحي وأحمد عبدالملك يتحدثان إلى «الوسط» - تصوير أحمد ال حيدر

العدد 5348 - الجمعة 28 أبريل 2017م الموافق 02 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً