العدد 5366 - الثلثاء 16 مايو 2017م الموافق 20 شعبان 1438هـ

360 قرية بحرينية... بين وهم الصفائح وحقيقة الصحائف

الباحث يوسف مدن يوجه سهاماً إلى المشككين والمزورين...

نسخة مصورة من مخطوط كتاب الفوائد في علم البحر والقواعد عام 1920
نسخة مصورة من مخطوط كتاب الفوائد في علم البحر والقواعد عام 1920

بحياد تام، لكن بجزم الباحث الذي لا يتنازل عن الحقيقة، معه أو ضده، قدم الباحث البحريني يوسف مدن مقطعاً صغيراً من نسخة مصورة لمخطوط كتاب (الفوائد في علم البحر والقواعد) للملاح الخليجي أحمد بن ماجد، وفيه، ذكر الملاح الشهير (القرى الثلاثمئة والستين قرية بحرانية) في النسخة المؤرخة في العاشر من شهر ربيع الأول، بخط الناسخ الشامي جبرائيل فرَّان في (27 شهر ذي الحجة 1344هـ/ 1920م) من نسخة المكتبة الظاهرية بدمشق الشام.

بين الصحائف والصفائح

يسترسل الباحث مدن في محاضرته بعنوان :«قرى البحرين الثلاثمئة والستين بين الحقيقة والوهم» والتي قدمها مساء الاثنين (15 مايو/ أيار 2017) بمجلس المرحوم الشيخ عبدالأمير الجمري ليسوق ما يطرحه بعض المعاصرين من الباحثين عن كتاب (الفوائد) نفسه للملاح الخليجي العربي أحمد بن ماجد، وهو يتحدث عن نظام الحكم في الإمارات التابعة لمملكة هرمز بجنوب الخليج العربي، فيقول قائلهم - أي الباحثين المعاصرين - في شأن عدد قرى جزيرة البحرين المسماة بجزيرة أوال: «أما نظام الحكم في الإمارات التابعة لمملكة هرمز فقد كان في أيدي بعض القبائل، فالبحرين على سبيل المثال كانت تتكون من ثلاثمئة وستين قرية تسكنها قبائل من العرب تشتغل بالتجارة والزراعة، بلغت أوج قوتها في القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي»، لكن الصدمة؟ وكيف تواجه صحائف الحقيقة صفائح الوهم المسلولة؟

هنا، قدم الباحث مدن مقطعاً من الكتاب ذاته: «الفوائد في معرفة أصول علم البحر والقواعد» لابن ماجد السعدي النجدي، ونشر هذا المقطع في كتاب (تاريخ البحرين الحديث 1500 - 2002)، لكن الباحث مدن لاحظ أن المؤلف حذف من الفقرة التي نقلها وجود (360) قرية بحرانية في بداية القرن العاشر الهجري كما جاء في مخطوط كتابه المعروف (الفوائد)، ويمكن للقارئ مقابلة النصين في الكتابين (المخطوط والمطبوع).

ابن المجاور ووثائق عثمانية

ويتناول الباحث مدن في محضرته العديد من المحاور التي تدور حول كتابه الصادر حديثاً: «قرى البحرين الثلاثمئة والستين بين الحقيقة والوهم»، فيؤكد على أن ثمة قرائن مادية وتاريخية معززة مثل حديث المؤرخين القدامى كابن المجاور، أبي الفداء، ابن ماجد بالإضافة إلى الوثائق العثمانية، أضف إلى ذلك أقوال مؤرخين وباحثين متأخرين ومعاصرين كأمين الريحاني وعبدالكريم العريض، علاوة على ورود أسماء قرى مندثرة في أقوال الناس من السكان الأصليين والمحليين التاريخيين بخاصة المعمرين وكبار السن مثل قرى (كَتَكان، مرين أبو شريبة، بربورة، فارسية، العدايم، العقارية، المخروق، سبسب)، وهناك إشارات لقرى مندثرة في خرائط الجغرافيين الغربيين مثل خرائط لوريمر وروبرت جيرمان، كما أن بعض أسماء بضع قرى مندثرة وردت في دراسات ودواوين شعر كما في ديواني ابن المقرب العيوني، وأبي البحر جعفر بن محمد الخطي، ودراسات الشيخين التاجر وإبراهيم، والمرحوم الملا محمد علي الناصري.

أساليب تزوير غير أخلاقية

ويذهب مدن إلى أن عدة مواقف برزت للمناوئين لوجود (360) قرية في جزر البحرين، وانقسم المناوئون بدوافع مختلفة (علمية وغير علمية) إلى قسمين، فالقسم الأول هم (المشككون)، وأقصد تشكيكاتهم بالعدد الكبير لهذه القرى بدافع البحث العلمي أو غيره كما في تشكيك الباحث اللبناني فؤاد إسحاق خوري، والقسم الثاني هم (المزورون) فموقف التزوير وتزييف الحقيقة التاريخيَّة بتصرف غير لائق أخلاقيَّاً، لكن ثمة أساليب ملتوية في هذا الصدد قد عثرنا عليها وهي أساليب غير أخلاقية لا يمكن للمتنطعين الدفاع عنها مهما كانت مسوغاتهم، ولا يصح الدفاع عن مواقفهم لانطواء هذه المواقف والأساليب على عمليات غـش وتضليل وخـداع للرأي الآخـر، وما يترتب عنه من تطـاول على الهويَّة التاريخية والحضارية للسكَّان المحليين والأصليين التَّاريخيين، وادعاء قلة عددهم بشعار روَّجوا له وأشاعوه بينهم عن جزر البحرين «بلاد بلا عبـاد»، ومن هذه الأساليب بتر النصوص لتأكيد موقف سياسي بتقليل الكثرة العددية للسكان وهو بمثابة رفض وعدم اعتراف بحقيقة وجود (360) قرية بأسلوب بتر النصوص وشطب بعض كلماتها المُهِمَّة كما فعل بشـير زين العابدين ومحمد أحمد عبدالله في كتابهما (تاريخ البحرين الحديث من 1500 - 2001)، وبتر خمس كلمات عن وجود القرى (360) في نص ابن ماجد النجدي، وتدريسه لطلبة الجامعة بسحب الاعتراف بالقرى وكثرتها الكمية.

أما بالنسبة لبتر النص اللفظي وشطب الكلمات المهمة لتأكيد موقف طائفي مضاد للسكان الأصليين، فقد لجأ أحد ممن كَتَب في تاريخ البحرين وذكر رأي ابن مجاور عن جزيرة أوال (البحرين) إلى تشويه النص التاريخي لابن مجاور بألفاظه الشخصية المُزَوِّرة، وبشطب حقائق مهمة من باطن نص ابن مجاور كما فعل حسن الحسيني الشافعي في كتابه (مسند البحرين)، وغرضه تضليل الناس هروباً من الحقيقة التاريخية، وتخفيفاً لضغط الحساسية الانفعالية المتولدة عن تثبيت ابن مجاور وغيره لحقيقة وجود كم كبير من السكان في القرن السابع الهجري، أي قبل سبعة قرون خلت تقريباً هم من الإمامية.

اعترف بها... مستهزئاً!

وهناك اعتراف في صورة أسوأ من الإنكار، كأن يقوم باحث معروف وينكر الكم الكبير من عدد القرى الثلاثمئة والستين، بل واستخف بوجودها باستهزاء، وذلك حينما لم يجد بداً من مواجهة نصوص مؤرخين وعلماء سابقين وجغرافيين، اعترف بها، ولكن بصورة استهزاء، حيث فسَّـر وجـود هذه القرى بمزارع وضيعات، وإقطاعيَّات زراعية، مستعيناً في ذلك برأي أحـد الكُتَّاب الألمان الغربيين ممن لم يدرس تاريخ هذه القرى، وتجاوز آراء وتجارب العلماء المسلمين من مؤرخين وجغرافيين وعلمـاء دين وأدبـاء، وكأنَّهم بدون اعتبـار علمي، ولا لخبراتهم في رصد حقائق من تاريخنا، وتاريخ الشعوب.

نبذة عن الكتاب

وتحدث الكاتب عن كتابه الذي يتكون من 11 فصلاً، وتناول في الإطار العام مشكلة البحث وهي إنكار القرى والتشكيك في وجودها، ثم مناقشة الفكرة والبحث في مزاعم أن البحرين خالية من السكان، وأهم الدراسات التي ذكرت القرى البحرانية في كتب التراجم ودراسات المؤرخين البحرانيين، والقرى المندثرة، وشتات أهل البحرين وعلاقته بتناقص عدد السكان، والتنظيم الإداري للقرى البحرانية، ثم الفصل الأخير المخصص للوثائق الثقافية والتاريخية المتوافرة، أما الأسباب التي دفعته لهذا البحث فمنها أن الوثائق التاريخية وأقوال المؤرخين والجغرافيين وبعض الكتَّاب التي تؤكد الوجود التاريخي لهذه القرى كحقيقة موضوعية، كما أن خصوم الفكرة والمناوئين لها وتفسيراتهم واستفزازاتهم التي تطاولت على هوية السكَّان المحليين التاريخية وكثرتهم وانتمائهم العرقي، إلا أن واحداً من أهم الأسباب هو نقص الدراسات في هذا المجال باستثناء إشارات متفرقة في مصادر تاريخية وجغرافية وأدبية أو مقالات، وتخلل المحاضرة استعراض لعدد من الوثائق كنص رسالة الوثيقة العثمانية، ونص رسالة حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة لمستشار الحكومة البريطانيَّة (بلجريف الأب) صاحب كتاب ساحل القراصنة، كما فتح باب الأسئلة والمداخلات بمشاركة الحضور حول موضوع المحاضرة.

الباحث يوسف مدن يتحدث في محاضرته حول قرى البحرين
الباحث يوسف مدن يتحدث في محاضرته حول قرى البحرين

العدد 5366 - الثلثاء 16 مايو 2017م الموافق 20 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 5:26 م

      من المعروف في كتب التاريخ وجود هذا العدد الكبير جدا من القرى ومعظمهم من بني عبد القيس

    • زائر 15 | 6:00 ص

      اذا كانت البحرين بلاد بلا عباد لمن بعث الرسول رسالة الاسلام. من يزور كلام سيد الخلق و يضع بدلها كذا و كذا و فلان و فلان لا يزور تاريخنا.

    • زائر 14 | 5:43 ص

      زا ئر 4 الباحث وضع مراجعه بين أيديكم على ماذا تستند أن القرى المندثرة هي التي ذكرت فقط....أنت تستند على ذاكرة يمتد عمرها على ما نسمعه من الاجداد و الأباء و هذا لعمري غير موضوعي. شكراً

    • زائر 1 | 3:31 ص

      يمكن يقصد 360 قرية بالفريق
      لان حاليا القرية الواحدة تحتوي على عدة مناطق وفرقان كل فريق له اسمه القديم

    • زائر 2 زائر 1 | 3:55 ص

      اعتقد ان كلامك غير صحيح ... مستحيل يطلق مسمى القرية على فريج

    • زائر 5 زائر 2 | 1:24 ص

      صح كلامه في قرى صغيرة وسموها فريج تعتبر وماتعتبر قريه وللعلم جزيرة البحرين قبل ٣٠٠ سنه كانت اكبر من جذي ولكن التغيرات المناخيه ادت الى انسياب البحر على اغلب مناطق جزيرة البحرين بذاك الزمن وصغرت مساحتها وبخارطه قديما موجوده

    • زائر 3 زائر 1 | 3:56 ص

      اقراء الموضوع كاملاً اخي ثم علق، الباحث تحدث عن عدد القرى البحرينية في العصور الماضية و ليس اليوم و اغلب تلك القرى لم يعد لها وجود

    • زائر 12 | 3:21 ص

      لو لاحظتم ان المساحة المسكونة من البحرين حاليا تتركز فقط في الثلث الشمالي منها بينما الثلثان الوسطي والجنوبي حاليا خاليا كشبه صحراوي بينما الثلثان في سالف العصر والاوان كانا مسكونان وكذلك الجزر كانت مسكونة كام النعسان كانت تحتوي على قرى وكذلك الجارم والحال ينطبق 1على جزيرة جده بها قرى وحالها كحال المحرق وستره والنبيه صالح ولكن الظروف المعيشية والأمنية ادت لهجران اهل هذه الجزر واهل الثلثان الوسطي والجنوبي من جزيرة البحرين للهجرة منها والنزوح عنها وهناك العديد من البحارنة موزعون على بلدان العالم

    • زائر 11 | 2:52 ص

      قد يكون المقصود البحرين بما فيها المنطقة الشرقية في السعودية او ان البحرين معمورة بالكامل من اعلاه إلى اقصها

    • زائر 10 | 2:10 ص

      شكراً يا باحث على سبر هذه الأمور على الجمهور، فهناك من يريد أن يغير الماضي لسبب و لأخر و بمكن بعد كم سنة يطلعون البحارنة من بحرينيين، لا تستغرب عندنا باحثين في هذا الزمن يبدأ بحثه لأثبات ما يريده مقدماً، لا منهجية صبحية و لا حيادية، شكراً حزيلاً على هذا التوضيح الذي لا يعرف عنه الكثير من الناس لعدم إطلاعهم على تاريخ البحرين الكبيرة في صيتها و الصغيرة في مساحتها (أوال و ما أدراك ما أوال)

    • زائر 8 | 1:37 ص

      الأستاذ يوسف مدن (أبو محمد) .. باحث من الطراز الأول .. له إبداعات كثيرة وفي مجالات متنوعة (التاريخ والجغرافيا والدراسات الإسلامية) .. حبذا لو تبنت جهوده مراكز الدراسات والبحوث ..
      وفقت لكل خير ..
      (أبو علي) ..

    • زائر 7 | 1:34 ص

      ماذا تقول عن جزيرة سماهيج التاريخية
      المحرق حاليا
      عيوني قرى البحارنه كلهم

    • زائر 4 | 1:23 ص

      شخصياً أحصيت كل القرى في البحرين الصغيرة منها والكبيرة ووجدتها أنها 81 قرية ، ونعلم يوجد الكثير من القرى قد اندثرت مثل بربورة والفرساني والمسيّب لكن لا تصل لهذا العدد ، 360 قرية عدد مبالغ فيه جداً

    • زائر 13 زائر 4 | 4:09 ص

      عذرا اخي .. انت قلت شخصيا .. وهو بالدلائل و الوثائق و البحث الطويل غير ان هذا الشخص له خبرة طويلة في هذا المجال وهو شخص موثوق و معروف بين الناس منذ سنين طويلة .. و هذا الجهد و العطاء يشكر عليه

اقرأ ايضاً