العدد 10 - الأحد 15 سبتمبر 2002م الموافق 08 رجب 1423هـ

واشنطن عززت خطوتها العسكرية بتوسيع تحالفاتها السياسية

عمران سلمان comments [at] alwasatnews.com

.

أذعن الرئيس الأميركي جورج بوش ونزل عند نصيحة عدد من أقرب حلفائه وأعاد ملف العراق إلى عهدة الأمم المتحدة، فما الذي سيحدث؟

حتى الآن كان عدد متزايد من دول العالم ينادي بأن تعود الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة لأخذ الموافقة في حال قررت ضرب العراق، وهم يعارضون قيامها بعمل منفرد.

إن وجهة نظرهم معقولة ومبرراتهم تبدو كثيرة. لعل أهمها أن الملف العراقي بالذات اختصت به المنظمة الدولية منذ البداية. فقراراتها هي التي سمحت بقيام تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة لإخراج القوات العراقية من الكويت في العام 1991. وبفضل هذه القرارات أنشئت لجان التفتيش على أسلحة الدمار الشامل العراقية. وفي الإجمال أصدر مجلس الأمن عددا من القرارات الخاصة بالعراق أكثر من أي قضية أخرى معاصرة.

من المنطقي إذا اليوم أن تتم العودة إلى الأمم المتحدة لمعالجة هذا الملف، وخصوصا أن المآخذ الأميركية تدور حول مواصلة العراق لبرامج أسلحة الدمار الشامل.

لكن، هل يمكن للجوء إلى الأمم التحدة أن يحول دون ضرب العراق، أو يشكل مخرجا مغايرا للأزمة الراهنة؟

يرجح أن مناصري هذا الاتجاه لا يعارضون من حيث المبدأ تغيير الرئيس العراقي صدام حسين. لكن موقفهم يصدر عن أسباب شتى. بعضهم تعوّد على مناكفة السياسة الأميركية، فهو ينظر كيف تتصرف واشنطن ثم يفعل عكسها. وبعضهم يريد أن يحقق أغراضه الانتخابية الداخلية، والبعض الآخر يعارض من منطلق مقاومة الهيمنة الأميركية. وقد وجد هؤلاء جميعا في الأمم المتحدة ملاذهم الأخير.

ولكن ألا يجب على هؤلاء أن ينتبهوا إلى وجود احتمال قد يعاكس جميع توقعاتهم، وهو أن اللجوء إلى المنظمة الدولية قد يسهل من مهمة واشنطن ولندن في ضرب العراق، بدلا من تعقيدها؟

فما الذي يمكن أن يعنيه نقل ملف العراق إلى الأمم المتحدة؟

إنه قد يعني قطع الطريق على أي عمل عسكري منفرد قد تلجأ إليه الولايات المتحدة ضد العراق، لكنه قد يعني أيضا إحراج المنظمة الدولية وتوريطها، وقد يعني إثبات عجزها، وقد يعني في نهاية المطاف استخدامها للحصول على غطاء سياسي للضربة المتوقعة.

وما قاله الرئيس الأميركي في خطابه يوم الخميس الماضي أمام الجمعية العامة يسير في هذا الاتجاه. فبوش طالب الأمم التحدة بمعالجة الملف العراقي، لكنه حدد في الوقت نفسه أن بلاده تحتفظ بحق التصرف المنفرد في حال أخفق خيار الدبلوماسية.

وكي لا يبدو لدى أحد شك في ذلك، حدد بوش بأن المطلوب هو إعطاء الرئيس العراقي مهلة تعد بالأيام والأسابيع وليس بالأشهر أو السنوات، كي ينفذ قرارات الأمم المتحدة. وفي حال فشله سيتعين على المجتمع الدولي إجباره على ذلك.

بالطبع العراق سيرفض هذه المهلة، كما سيرفض عودة المفتشين الدوليين، لأن الأمر ببساطة ليس مفاصلة قانونية أو سياسية، لكنه صراع يمس بقاء القيادة العراقية أو زوالها. وستجد الولايات المتحدة نفسها في نهاية الأمر أمام عمل عسكري يبدو أن نذره تلوح في الأفق. وسيتعين علينا أن نتساءل بعد ذلك: ما الذي كان يعنيه نقل الملف العراقي من واشنطن (حيث أدراج الإدارة الأميركية) إلى نيويورك (حيث أدراج الأمم المتحدة) ثم إعادته مرة أخرى إلى واشنطن؟

وسنجد إجابة واحدة هنا أيضا وهي أن الولايات المتحدة التي أدركت في اللحظات الأخيرة أن مصلحتها تكمن في عدم التحرك منفردة ضد العراق إن أمكن، وفي الوقت نفسه عدم تطلب الحل الدولي بأي ثمن، بدأت تربح الرهان في الحرب على العراق.

فخطاب الرئيس الأميركي في الأمم المتحدة نجح في تغيير مواقف الكثير من دول العالم ممن كانت تعارض (أو على الأقل تقول إنها تعارض) ضرب العراق. كما لقي الخطاب تأييد معظم هذه الدول، أوروبية وعربية وعالمية. وبعضها أشاد من حيث المبدأ بالخطوة الأميركية بالعودة إلى المنظمة الدولية. وذهب آخرون إلى مطالبة بغداد باستغلال هذه الفرصة والموافقة على عودة المفتشين الدوليين.

وفي ثنايا تأييد خطاب بوش ومباركة التوجه الأميركي يمكن رؤية أن هناك تحالفا دوليا ضد العراق قد أخذ يتشكل من جديد، وأن واشنطن ستقود هذا التحالف (وهو سياسي في الغالب إذ لا حاجة عسكرية إليه) إلى غايته المحددة وهي الإطاحة بالنظام العراقي.

أما حكومة بغداد والتي هي اليوم وكل يوم منذ 11 سبتمبر/ أيلول في وضع لا تحسد عليه، فستجد نفسها تردد، مع بعض الحكومات العربية والأوروبية البائسة: «أن ليس كل ما يلمع في الأمم المتحدة ذهبا».

كاتب بحريني

العدد 10 - الأحد 15 سبتمبر 2002م الموافق 08 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً