العدد 1028 - الأربعاء 29 يونيو 2005م الموافق 22 جمادى الأولى 1426هـ

درس حقوقي آخر عن الحريات... يأتي من المغرب

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

ها هو تطور حقوقي نوعي مهم آخر يأتينا من المغرب: الصحافيون لن يسجنوا بعد الآن، ولن تكون هناك استدعاءات لأحدهم لأنه كتب كذا أو قال كذا، في ذلك البلد الذي فتح ملفات الانتهاكات بشجاعة نادرة، ونصب زعيم المعارضة "وزيرا أول" في عملية تبادل سلمي للسلطة.

إذا، هناك توسيع للحريات العامة وفي القلب منها حرية الصحافة في المغرب. إذا، إنه مشروع قرار تسامحي وشجاع وسط مخاض ديمقراطي لم يبهره مديح أميركي أو غربي، بل نابع من الذات والحاجة إلى المغرب والمغاربة وتطويرهم.

فبعد فتح ماضي الانتهاكات لحقوق الإنسان وتشكيل لجان الحقيقة، ها هم اليوم يعيدون النظر في قانون الصحافة عبر نقاشات واسعة ليقرر إلغاء عقوبة حبس الصحافيين حتى لو تعرضوا للذات الملكية، على رغم أن هناك توافقا بين الحكم والمعارضة على "قدسية الذات الملكية"، وعدم المساس بها، وظني أن الصحافة العاقلة لن تمس هذه الذات بسوء بقدر ما تنتقد مواقف اقتصادية أو سياسية، وفي لغة الصحافة لم تتوافر مفردات الشتم والقذف حتى للمواطن العادي، فكيف لشخص الملك؟!

واضح أن الأمر لا يحتاج إلى تعليق أكثر من عمق تعليقات أصحاب الشأن في المغرب "الرسميون منهم أو المستقلون أصحاب المهنة، أو المعارضة" الذين اعتبروا أن مناقشة مثل هذا المشروع بقرار بشأن الصحافة بحد ذاته يشكل تطورا نوعيا مهما، ورافدا مهما لتوسيع الحريات العامة. أي إنه إذا لم نناقش، لن نتطور. وإذا لم تكن مراجعة شاملة مع المهنيين الصحافيين، وإعادة النظر في القوانين القديمة، لن يكون هناك تكريس لحرية الصحافة.

في المغرب أيضا، هناك توجه لتأسيس مجلس وطني للصحافة، وإنشاء برامج من أجل تأهيل المهنة رصدت لها موازنة تقدر بـ 50 مليون دولار، وهناك توجه لتحرير الفضاء وخصخصته - تحرير الراديو والتلفزيون من تدخلات الدولة، ليقول الناس ما يشاءون ويستفزون بالتالي الناس للصراخ على السائد لتغييره من دون خوف مادام الناس يريدون التطوير والتحديث والتنافس، ويكشفون موجات من آلام ماضية، ليس من باب الانتقام والثأر، بل حتى لا يعاد تكرارها.

درس حقوقي آخر يأتي لنا من المغرب يسيل له لعاب الحقوقيين والصحافيين عندنا، فنضرب أخماسا في أسداس، ونسأل: لماذا هناك تسامح وفتح المجال للتدرب على الصراخ ويتعلمون من كتاب "القسوة" لعامر بدر حسون، ويفعلون أي شيء كيلا يقال: "إنهم سمعوا وقرأوا وعرفوا بما يحصل للأمهات والصبايا على أيدي وحوش بشرية وبقوا صامتين"، غير اننا نستجدي صرخة ولو بصمت... صرخة ولو في الفضاء قد نعتبرها أفضل من الصمت وقد حصلنا على بصيص منها، غير انه لا يكفي ولا يشبع رغباتنا في مناقشة الملفات الثقيلة أو المتجددة.

وها نحن نتعلم من حسون الصراخ بقوله لنا: "إن لم تستطع الصراخ بأعلى صوتك فاصرخ بنصفه أو بربعه... اصرخ، إن شئت بصمت، إن كنت عاجزا عن كل هذا فلا بأس: اكتب صرختك على الورق، اكتب صرختك هكذا: آآآه ه ه .... آه! هكذا يصرخون على الورق".

ولولا الصرخات المسموعة على الورق عبر صحيفة "الوسط" التي تبنت الحملة الوطنية عن "الساتر البحري" في المالكية؛ ولولا صراخ الأهالي، وأهل القرى والمدن في كل زاوية من زوايا البحرين، لما تنفسنا الصعداء في بدء عملية إزالة الجدار، فكان الإعلام الآخر يحاول تحويل الظالم إلى مظلوم وسط سخرية المواطنين من الشمال إلى الجنوب. فبعض الصحف أرادتها أن تكون "هرقلية"! كأنهم يعيشون فترات قانون امن الدولة "حبيب المتنفذين"، فيكذبون على الناس بدل السعي وراء بناء الحقيقة التي هي من صلب مهمات الصحافة في المجتمعات المدنية.

إنه من دون حرية القول، ومن دون حرية العمل المستقل، يخرج علينا دائما خدم للمتنفذين ووعاظ لهم، كأنهم مفرزة من مفرزات الشرطة... ألسنتهم طويلة ملفوفة بكلام معسول يفسرون كل شيء بالمقلوب؛ فأي إنسان يطالب بحقه فهو إما إرهابي أو طائفي! ألم تراقبوا ذلك مثلي لجوقة من الكتبة تفسر الأشياء بطريقتها وترغمكم على التفكير نيابة عنكم، وعن همومكم ومطالبكم، وانهم يفهمون أوجاعكم أفضل منكم، وإلا فأنتم تارة "غوغائيون" وتارة أخرى "باكونينون - فوضويون" تحملون أجندة سرية لقلب نظام الحكم، وما وراء الأكمة ما وراءها!

ألم يقل شاعر في التسعينات: "إش عندهم عيال شبر ومرهون/ ضجيجهم عال بليا سبايب!"، فلولا صراخ عيال شبر ومرهون، وعيال جوهر ومبارك، وعيال المنامة والمحرق وجل القرى، لما تحقق مثل الذي نحن فيه الآن. غير أن الوجوه العتيقة، بحرسها القديم والجديد والمتجدد، التي مازالت متربعة بأدواتها القديمة على كرسي صاحبة الجلالة "الصحافة" تحن إلى الماضي، حين كانت تكذب وتصدق كذبتها. ودائما يقال: "المتصل بالمتصل متصل"، فها هي الوجوه نفسها التي كانت تكذب في الماضي تكرر نفسها، في عصر ليس عصرها، ولا نطلب منها سوى الاعتذار إذا كانت تملك شجاعة أدبية.

يبدو أن المغاربة فهموها صح، وإنهم ليس لديهم شيء يخفونه، بعد أن فتحوا كل الملفات "الدسمة"، وإن عصر ثورة المعلومات والاتصالات بات لا يستطيع فيه أي نظام أن يخفي شيئا عن العالم، فكيف عن شعبه! فقد فتحوها "علآخر"؛ لأنهم ينشدون التطوير وليس التزوير، لكن... كما يقول المفكر الايطالي أنطونيو غرامشي: "القديم مازال قديما والجديد مازال ينتظر الولادة"

العدد 1028 - الأربعاء 29 يونيو 2005م الموافق 22 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً