العدد 1031 - السبت 02 يوليو 2005م الموافق 25 جمادى الأولى 1426هـ

ملفات سورية في لبنان

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

منذ نهاية أبريل/ نيسان الماضي، كررت سورية القول إنها سحبت قواتها ومخابراتها من لبنان، طبقا لمحتويات اتفاق الطائف وتواصلا مع مضمون القرار الدولي 1559 فيما يتصل منه بالوجود السوري في لبنان.

غير أن الانسحاب السوري من لبنان، لم يضع حدا للقول، إن سورية مازالت تتدخل في الموضوع اللبناني، وقد ظهرت في هذا الجانب تقارير إخبارية وتصريحات لشخصيات لبنانية عن وجود استخباري سوري في عدد من المناطق اللبنانية وعن تدخلات سورية للتأثير على الانتخابات اللبنانية وخصوصا في منطقة البقاع والشمال، كما ظهرت إشارات بلغت حد الاتهام العلني عن دور سوري في عمليات التفجير التي شهدها لبنان في الشهرين الأخيرين، وكان من نتائجها اغتيال كل من الكاتب سمير قصير والأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي.

وتنتمي هذه التداعيات إلى سلسلة الترديات التي شهدتها العلاقات السورية - اللبنانية بعد جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري وما أعقبها من تداعيات فرضت نفسها على العلاقات السورية - اللبنانية، وجرى التعبير عنها بطرق ووسائل مختلفة ومتعددة، تداخلت في التأثير فيها، ولاتزال قوى محلية وإقليمية ودولية هدفها فتح المزيد من الملفات السورية في لبنان بالاستعانة بارث نحو ثلاثة عقود من الوجود السوري في لبنان، كانت طافحة بالتطورات والتحولات المختلفة، والكثير منها يمكن أن يتحول ملفا لسورية في لبنان.

إن الأبرز في ملفات سورية في لبنان، التي جرى الإشارة إليها، هو ملف الاغتيالات وقد بدأت أولى إشاراته في الاتهامات التي ربطت بين مسئولية أجهزة الأمن السورية في لبنان وأجهزة المخابرات اللبنانية في جريمة اغتيال الحريري، وترافق الكلام في هذا الجانب مع إشارات إلى صلة سورية بعمليات الاغتيال التي شهدها لبنان منذ دخول القوات السورية إليه في العام ،1976 وذهب ضحيتها عدد من كبار الشخصيات اللبنانية، التي بقي التحقيق في اغتيالها طي الكتمان، أو أنه لم يتم التوصل إلى كشف الفاعلين تنفيذا وتخطيطا في تلك الجرائم في وقت كانت فيه سورية هي المسئول الرئيسي عن الأمن والسلامة العامة في لبنان.

ولاشك، أنه في إطار فتح هذا الملف سيجري استغلال حيثيات وتفاصيل تتصل بالظروف التي أحاطت بعمليات الاغتيال التي تمت، وعلاقات التناقض والاختلاف السياسي أو الأيديولوجي التي كانت تحكم الذين تعرضوا للاغتيال بسورية، بحيث يجري إلى أبعد الحدود السعي نحو تثبيت التهم على سورية في موضوع الاغتيالات، حتى بالنسبة إلى بعض الذين كانت تربطهم مع دمشق علاقات وثيقة وقوية، وقد قدمت حادثتا اغتيال الشهيدين سمير قصير وجورج حاوي حيثيات تضاف بشأن دور سوري في ملف الاغتيال السياسي في لبنان بحسب بعض التصريحات اللبنانية.

والملف الآخر من ملفات سورية في لبنان، والممكن فتحه هو موضوع النفوذ السوري في لبنان والذي يتعدى في بعض الإشارات موقع الرئاسة اللبنانية، إذ يرتبط الرئيس لحود بعلاقات وثيقة وقوية مع سورية، وقد أشار الرئيس الأميركي جورج بوش إلى هذا الملف، عندما دعا سورية إلى "سحب ليس فقط قواتها وإنما عملائها السريين الداخليين في الكثير من الوظائف الحكومية"، وهو أمر يمكن أن يتضمن بحسب إشارة بوش أنصار سورية وأصدقائها في لبنان، وهم قطاع من اللبنانيين، وبينهم قيادات وأعضاء الجماعات السياسية مثل البعث والقومي السوري الاجتماعي وحزب الله وحركة أمل، وكلهم يمكن أن يدرجهم الأميركيون في بند "عملاء سورية" السريين.

وهناك ملف ثالث يمكن فتحه لسورية في لبنان، وهو ملف التجنيس والذي قيل إنه شمل عشرات آلاف السوريين في سياق عملية تجنيس المكتومين اللبنانيين الذين كثيرا ما مانعت حكومات ما بعد الاستقلال اللبناني في حل مشكلتهم وخصوصا عرب وادي خالد على قاعدة عدم الاخلال بالتوازنات، التي تحكم الطوائف اللبنانية، ومما يعطي هذا الملف حساسيته، اتهامات توجهها أطراف في المعارضة اللبنانية بشأن علاقة المجنسين بسورية وبالمخابرات السورية، وهو الكلام ذاته الذي يقال عن بعض السوريين المقيمين في لبنان وبينهم أصحاب مشروعات استثمارية، وكثير من العمال.

إن إثارة وتلفيق الملفات لسورية في لبنان في هذه الفترة أمر ممكن، بل هو قائم، يمكن أن تتشارك فيه قوى وجماعات محلية تعادي سورية، وأخرى إقليمية ودولية مثل "إسرائيل" والولايات المتحدة تتبنى الخط ذاته، ولها مصالح مباشرة في ممارسة ضغوط وعمليات ابتزاز على دمشق، والأمر قد لا يقتصر على ملفات معينة أو محدودة، بل يمكن فتح الكثير منها سواء كانت حقيقية أو مزعومة، وقد يكون استذكار ملف أسلحة الدمار الشامل الذي فتحته الولايات المتحدة لنظام صدام حسين في العراق مثالا.

ولاشك، أنه في ضوء الاحتمالات، وفي سياق إعادة تقويم وتصحيح العلاقات السورية - اللبنانية بعد الانسحاب السوري من لبنان، أن ثمة حاجة إلى تحرك سوري باتجاه لبنان الذي لا تنقص من علاقتنا معه شعارات وهتافات ظهرت هنا أو هناك، وتصريحات أطلقت، ما يعني الحاجة إلى مبادرات رسمية وشعبية سورية، لا تقتصر على جانب واحد من اللبنانيين، إنما تمتد إليهم جميعا من أجل دفع مسار علاقات البلدين والشعبين في الاتجاه الصحيح. وسورية اليوم وكذلك لبنان بحاجة إلى بعضهما أكثر من أي وقت مضى، وقد يكون لفتح ملفات سورية في لبنان، أثره السلبي على لبنان وسورية في آن معا، ذلك أن هذه الملفات لبنانية ربما بمقدار ما هي سورية، وفتحها في هذه الظروف العصيبة من تاريخ البلدين وعلاقاتهما وفي ظل الوضع الإقليمي والدولي الراهن، قد تكون له آثار مدمرة، تتجاوز حجم ومحتوى هذه الملفات، التي تستحق التصفية والإغلاق لكن في ظروف أقل حدة وتوترا

العدد 1031 - السبت 02 يوليو 2005م الموافق 25 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً