العدد 1035 - الأربعاء 06 يوليو 2005م الموافق 29 جمادى الأولى 1426هـ

الولايات المتحدة الأميركية وشعار الحرية

منصور محمد سرحان comments [at] alwasatnews.com

على رغم الاخطاء التي تقع فيها السياسة الأميركية في بعض الأحيان، إذ هي ليست منزهة عن الخطأ، فإن أعمالها وسياستها الايجابية هي أكثر نفعا للعالم، مقارنة بسياسة بقية الدول الأخرى.

وبغض النظر عما يشاع من أن هناك أجندة معينة للولايات المتحدة ترمي الى الاستحواذ على العالم، فإن ذلك القول ليس صحيحا بالكامل. ولا يختلف اثنان في ان للولايات المتحدة أجندتها الخاصة بها، وتسعى الى تحقيق مصالحها وأمنها القومي، باعتبارها تمثل القوة العظمى الوحيدة.

وعندما يتبحر الباحث في السياسة الدولية يجد مدى مساعدة الولايات المتحدة شعوب العالم لنيل الاستقلال وتثبيت دعائم الديمقراطية. واذا كان للسياسة الاميركية غرض من وراء نشر الديمقراطية والحرية، فإن ذلك أمر مرحب به. فقد اكتوت الولايات المتحدة بنار الاستعمار حتى تم تحريرها على يد جورج واشنطن أول رئيس لها العام 1789م. ومن خلال تلك التجربة وجدت ان الشعوب المستعمرة هي شعوب مقهورة لابد من تحريرها، فنادت بنشر الحرية بين جميع شعوب العالم، وأصبح تمثال الحرية يرمز الى هذا الشعار العظيم.

والمتتبع لخطب رؤسائها يجد ان كلمة "الحرية" ترددت في معظمها. وتتردد الآن اضافة إليها كلمة "الديمقراطية" بشكل يؤكد حرص الولايات المتحدة على نشر مبادئ الحرية والديمقراطية بين دول العالم لسعادة البشر.

وعندما تولى الرئاسة ابراهام لنكولن العام 1860م عمل على تحرير العبيد والغاء الرق تماشيا مع شعار الحرية، وكانت البشرية حينها تعاني من مشكلات الرق واستباحة حرية الانسان. وقد عمل لنكولن على جلب الخير للجميع، وقال قولته المشهورة عندما نصب رئيسا للمرة الثانية: "دونما حقد على أحد، ولكن لخير الجميع".

أخذت الولايات المتحدة توسع من سياستها الخارجية منذ الحرب العالمية الثانية بشكل واضح، وبعد انتهاء الحرب حدث توتر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وبدأت "الحرب الباردة" التي برزت خلالها مشكلة توحيد ألمانيا وانقسم العالم الى معسكرين: الغربي والشرقي.

وتسببت سياسة ميخائيل غورباتشوف مطلع التسعينات في تعرض الاتحاد السوفياتي لهزات قوية أدت الى انهاء الاتحاد وسقوط الأنظمة الشيوعية في شرق أوروبا، وإعادة توحيد ألمانيا العام ،1990 ومن ثم اقامة علاقات ود بين روسيا والولايات المتحدة وانهاء الحرب الباردة.

كانت فترة الحرب الباردة قاسية على شعوب المعسكر الشرقي، ما جعل ابناء الشعب الألماني الذين كانوا يعيشون في ألمانيا الشرقية، يحاولون الهرب الى ألمانيا الغربية التي كانت تحت النفوذ الغربي، ولم نر العكس. لقد نعمت ألمانيا الغربية بالحرية والديمقراطية فنهضت اقتصاديا وأصبحت إحدى الدول المتقدمة صناعيا واقتصاديا، ما يبرهن على مدى نجاح السياسة الأميركية تجاه الحرية والديمقراطية. أما ألمانيا الشرقية فكان نصيبها التخلف الاقتصادي الصناعي. ولم يكتف الاتحاد السوفياتي بذلك بل بنى جدار برلين، وأصبحت سياسة الحزب الواحد تحكم البلاد.

سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الى توحيد شطري ألمانيا، وكان الدافع من وراء ذلك منح الحرية للجميع، الا أن خوف الشرق من الغرب أخر ذلك الى أن سقط جدار برلين العام 1990م.

كان المواطنون في الاتحاد السوفياتي ينظرون بشوق الى ما يجري في الغرب وخصوصا الولايات المتحدة من وجود ديمقراطية تتيح الحرية للفرد في حياته اليومية وعدم التدخل في خصوصياته. كما كانوا ينظرون باستغراب الى التقدم التكنولوجي الهائل في مختلف الصناعات في أميركا، في حين اقتصر التقدم التكنولوجي في بلادهم على تنمية الترسانة العسكرية من قنابل ذرية وهيدروجينية، وصواريخ عابرات القارات، والأقمار الاصطناعية التي سخرت لصالح المؤسسة العسكرية، وأدى ذلك الى تخلف البناء الاقتصادي والاجتماعي.

ونظرا إلى كون الحكم الصالح والراسخ يكون محصنا وعصيا على الأخطار والمشكلات، بقيت الولايات المتحدة قوية الى يومنا هذا، بل أصبحت القوة العظمى الوحيدة في العالم ولم تكن قوتها ناتجة عن الاستبداد والاحتكار، بل ان قوتها العملاقة ناجمة من انتشار مفهوم الحرية والديمقراطية، والاهتمام بحقوق الإنسان وصون حياته والمحافظة على خصوصياته وفق إطار التراث القومي الأميركي، والقوانين التي صيغت لحمايته.

أدى الاهتمام بالإنسان وبحريته وكرامته الى أن ينتج فكرا وعلما وثقافة، وأصبحت الولايات المتحدة متقدمة في جميع ميادين الحياة، بما فيها صناعة الأسلحة والطائرات والسفن والأجهزة الالكترونية المنزلية والاقمار الاصطناعية، كما تقدمت في الطب والحاسوب، وفن الإدارة والرياضة والفنون والآداب، وأصبحت قارة بتلاوينها المختلفة.

وعلى رغم بعض الاخطاء التي وقعت فيها بعض حكوماتها، كالحرب الكورية أو الحرب الفيتنامية، فإنها بقيت قوة راسخة متوحدة، لأنها دولة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، أي انها "دولة المؤسسات".

اما الاتحاد السوفياتي فقد انهار ولم يستطع مقاومة رياح التغيير، وبدأت فكرة الشيوعية تختفي تدريجيا، وأصبح الكلام عن "الاتحاد السوفياتي" شيئا من الماضي. وقد لاحظ من عاش فترة تفكك دول الاتحاد، مدى السعادة التي غمرت شعوب تلك الدول وهي تأخذ جانب الحرية مثل أوكرانيا، وجورجيا، ولتوانيا ولاتفيا وغيرها، وانهار بذلك حلف وارسو، ونعمت دول أوروبا الشرقية بالحرية وطالبت بالانضمام إلى مجموعة الدول الغربية.

وتماشيا مع مبادئها وقفت الولايات المتحدة الى جانب المسلمين في محنتهم في البوسنة والهرسك ضد الصرب، وهم جماعة مسيحية، وكانت نظرتها الى نشر الديمقراطية والحرية في بلدان العالم بغض النظر عن دينهم وعرقهم، وذلك ما دفعها الى أن تقف مع الحق الى جانب المسلمين ضد أبناء جلدتهم في الدين المسيحي.

وقد يتساءل البعض: هل الولايات المتحدة منحازة الى "إسرائيل"؟ والجواب نعم... ولكنها هي التي اوقفت العدوان الثلاثي على مصر العام 1956م، وهي التي أمرت "إسرائيل" بتوجيه من الرئيس "ايزنهاور" بسحب قواتها من سيناء في ذلك العام، وهي التي أجبرت "إسرائيل" على الاعتراف بحقوق الفلسطينيين في وجود دولة لهم، وهي غير راضية عن كل تصرفات "إسرائيل" بما في ذلك الجدار العازل. كما انها تؤمن ان خريطة الطريق هي الحل الناجح لمشكلة فلسطين. وقد عمل الرئيس كلينتون على حلحلة المشكلة بإعادة مساحات واسعة من الضفة وقطاع غزة للفلسطينيين، إلا أن الاختلاف في وجهات النظر أدى الى عدم تطبيق مقترحاته حينذاك.

إن الولايات المتحدة ليست خالية من الأخطاء، ولكن كفة الايجابيات الأكثر رجحانا وفي تزايد مستمر. وعلى المرء النظر بشفافية تامة من دون تحيز الى انجازاتها في خدمة البشرية والتي أصبحت فعلا واقعا ملموسا على الأرض.

لقد كانت وفية لدول غرب أوروبا بعد أن تضررت جراء الحرب الثانية، وأعلن الرئيس هاري ترومان مشروع مارشال لمساعدة أوروبا بعد الحرب وأدى ذلك الى انتشال أوروبا من محنتها وتخطيها المشكلات الاقتصادية التي كانت تعصف بها في تلك الفترة.

وبقدر ما كانت وفية للغرب فهي تقدم يد العون والمساعدة السخية إلى شعوب العالم على اختلاف أجناسهم ولغاتهم ودياناتهم في حال حدوث كوارث طبيعية أو مجاعة أو حروب طاحنة. ويمكن البرهنة على ذلك بالمساعدات التي قدمتها الى المتضررين من إعصار تسونامي، والدعم المادي الذي تقدمه للقضاء على الايدز والمجاعة في بعض الدول الافريقية، فهي جهود تستحق الاشادة بها

إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"

العدد 1035 - الأربعاء 06 يوليو 2005م الموافق 29 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً