العدد 1040 - الإثنين 11 يوليو 2005م الموافق 04 جمادى الآخرة 1426هـ

خيار مؤجل

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

في دستور 1973 ودستور العام ،2002 تقول المادة 15 في كلا الوثيقتين: "أ- الضرائب والتكاليف العامة اساسها العدالة الاجتماعية، واداؤها واجب وفقا للقانون" اما الفقرة "ب" فتقول: "ينظم القانون اعفاء الدخول الصغيرة من الضرائب بما يكفل عدم المساس بالحد الادنى اللازم للمعيشة".

تم تثبيت هذه المادة في دستور العام 1973 وبعد 29 عاما بقيت ايضا بالنص نفسه في دستور مملكة البحرين الصادر في .2002 لم يتغير ترتيب المادة ولا رقمها ولا اي كلمة فيها. اضف الى ذلك ان تسعة وعشرين عاما بكل ما شهدته لم تدفعنا حتى اليوم في التفكير في امر اساسي: هل هذه المادة معلقة طالما اننا لا ندفع ضرائب حتى اليوم؟ السؤال المؤجل ايضا: "متى ستصبح الضرائب خيارا لا مفر منه؟".

في الوقت الحاضر، مازالت الحكومة مثل سائر الحكومات الخليجية تستخدم مفردة "الرسوم" بدلا من الضرائب. رسوم تدفع للكهرباء والماء وبعض الخدمات العامة. وأحد أكثر المزايا التي تتباهى بها الحكومة كميزة جذب اقتصادية هي انها لا تفرض ضريبة دخل لا على ارباح الشركات ولا على الاجور ولا ضرائب خدمات بنية اساسية مثل الشوارع والطرقات.

لاتزال الحكومة في البحرين مثلها مثل سائر دول الخليج المنفق الاكبر، وعلى رغم لجوئها للاقتراض والزيادة في الدين العام تباعا، لاتزال الحكومة ممسكة بالدور الاساسي في الانفاق على المشروعات العامة والخدمات. مازال التعليم والرعاية الصحية مجانية للمواطنين وهذا من المكاسب الكبرى في البحرين.

تبدو الضرائب كلمة مخيفة لا للحكومات الخليجية فحسب بل حتى لمواطنيها. ان نموذج الرفاه الذي ساد منطقة الخليج ومازال، لم يدفع الحكومات لتأجيل الاستحقاقات التي تترتب على الضرائب، اي المشاركة والرقابة الشعبية السياسية فحسب بل انه وفر للمواطنين نوعا استثنائيا من مستويات المعيشة. وان يتحول مواطنو الخليج من مواطنين يتلقون كل اشكال الخدمات مجانا ومن دون ضرائب الى مواطنين دافعين للضرائب امر لا يملك اي جاذبية من اي نوع لا في البحرين ولا في دول الخليج ولا في اي مكان من العالم. فالغاية القصوى لأي نظرية في الحكم والادارة هي تحقيق الرفاه والضرائب ليست سوى اداة ضرورية لذلك لكنها ليست نهائية. ان ابرز الوعود التي يقطعها مرشحو الرئاسة في الولايات المتحدة مثلا وبلدان غربية اخرى هي "تخفيض الضرائب". ومن بين سائر الوعود الانتخابية في الغرب، لا يبقى في ذهن الناس سوى هذا الوعد، فالضرائب بالنهاية عبء وليست ميزة.

الفوارق ستبقى كبيرة بين دول الخليج وبين الدول الغربية. فميزانية الدولة بأسرها هناك من الضرائب على العكس مما لدينا هنا فهي من دخل النفط. كما ان الضرائب لا يمكن فرضها من دون جملة من الشروط الضرورية فـ "عندما توزع الثروة بصورة عادلة يمكننا جميعا دفع الضرائب" مثلما يرى منصور الجمري "امران حتميان: الضرائب والموت - الوسط 3 يوليو".

لكن التوزيع العادل للثروة ليس مدخلا لسن الضرائب فحسب، بل هو مدخل للاصلاحات التي طال انتظارها في دول الخليج ومدخل لتطوير الملكية الدستورية في البحرين. تكتسب البحرين خصوصية في هذا المجال لان تطوير الملكية الدستورية يبقى هو الهدف الابعد في جدول الاعمال في العقدين او الثلاثة المقبلة. واذا ما تعلق الامر بالضرائب، فان المدخل هنا هو اعادة تعريف الثروة في مجتمعات الخليج ويشمل هذا الارض والثروات الطبيعية التي يتعين ان تكون ملكا عاما للدولة.

لكن انطلاق الاصلاحات في البحرين لا يعطي البحرين خصوصيتها بقدر ما تفرضه الاوضاع الاقتصادية ايضا. فالمقارنة بين الدخل الوطني وتزايد السكان يفرض اعباء متزايدة على الخزينة العامة. وخطط الاصلاح الاقتصادي مهما كانت طموحة ونوعية، لن تلغي الحاجة الى التفكير في خيار الضرائب.

على هذا يبدو الاصلاح والتصحيح الاقتصادي مرتبطا بشكل عضوي بالاصلاح السياسي مهما اختلفت الرؤى في الوقت الحاضر بين الحكومة والمعارضة حول الاولويات. والنص واضح ولا لبس فيه، فالضرائب تسن على اساس العدالة الاجتماعية، ولا يمكن ان ينظر الى مشروعات تحسين المستوى المعيشي للمواطنين وحل مشكلة البطالة واصلاح سوق العمل والمطالبات الشعبية في هذا الخصوص الا باعتبارها جزءا من مساعي تحقيق العدالة الاجتماعية.

الاستثناء الذي يمثله نموذج دول الخليج قد لا يستمر طويلا، ولربما ان الثروة التي باعدت بيننا وبين الديمقراطية طويلا قد تكون هي المدخل لتحقيق اصلاح شامل طال انتظاره واقتصاد قائم على عدالة توزيع الثروة والعدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية الفعالة، بل ولربما نموذج جديد من الانظمة السياسية يحتذى به في المنطقة.

قطعا لن يتصور المرء ان الخطوات التي يمكن ان نتخذها هنا تسبق الآخرين بمراحل واشواط، لكننا نمتلك الارضية اللازمة للانطلاق، وعليه وعلى رغم العثرات، فإن شروط النمو الطبيعي المتدرج متوافرة لنا

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 1040 - الإثنين 11 يوليو 2005م الموافق 04 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً