العدد 1047 - الإثنين 18 يوليو 2005م الموافق 11 جمادى الآخرة 1426هـ

"مسح... نسخ... لصق" حسبما نشتهي!

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

ماذا لو تم اختراع مشابه تماما لما في عالم الاتصالات والمعلوماتية لحل المشكلات العالقة بالمجتمع على طريقة "DELETE" الموجود في جهاز الكمبيوتر لمسح ما لا نحتاجه من رسائل في البريد الالكتروني، أو موضوعات انتهت صلاحياتها الافتراضية في الملفات الخاصة، فيما يتضمن هذا الاختراع ما نراه إيجابيا في حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بطريقة "COPY & PASTE" لنسخ وللصق هذه الإيجابيات وجمالياتها؟! عندها سيقدم هذا الاختراع أكبر خدمة للأفراد وللسلطة التنفيذية عندنا، في حل المشكلات وتبسيطها كما يبسط البعض حال الدنيا عندنا متجاهلا القانون الجدلي القائل: "إن التراكمات الكمية دائما تؤدي إلى التحولات النوعية".

يبدو أن هذا "الاختراع الخطير" أصبح صناعة بحرينية بامتياز منذ مدة طويلة، والدليل ان كل مشكلاتنا العالقة قد قلبنا صفحتها بعد الـ "DELETE" في العهد الجديد في كل المسائل، بدءا من اختراع المادة 45 من قانون مجلسي الشورى والنواب "الغالية على قلوب البعض" والقلعة الحصينة لحمايتهم من المساءلة، أو المحاكمة أو التشفي على ما عاثوا به من فساد وإفساد وهيمنة طيلة 27 عاما، وأصبحوا في مأمن بمسح آثار الماضي الأسود "بقوة القانون" الذي ينبغي احترامه شئنا أم أبينا، وانتهاء بمرسوم بقانون 56 لسنة 2002 الذي يساوي ضحايا التعذيب بالجلادين، فيكرم الأخيرين ويبخس بالأولين. والأمر موصول على طريقة: "عفا الله عما سلف"؛ يضاف إلى ذلك "ملفات القطط السمان" من وضع اليد على الأراضي، والتخريب البيئي بالردم وتسوير السواحل، وامتلاك الجزر والبحار والزرع والضرع، إلى الملفات الأخرى مثل التجنيس والبطالة والتمييز السياسي والطائفي والحريات العامة... إلى وإلى؛ بينما "COPY & PASTE" الإيجابي، مازلنا في المشروعات "الأفضل من نوعه" و"الأحسن من نوعه"، وعقدة الأفضل والأحسن تلاحقنا يوميا عبر وكالات الكلام الرسمية.

ألم يخرج علينا مسئول عبر قناة "العائلة" ويستخدم الـ "DELETE" لكل المشكلات سابقة الذكر بقوله استهزاء: "لا توجد عند المعارضة إلا هذه الملفات التي مللنا من سماعها وتكرارها، من تجنيس وتمييز وبيئة وبطالة وفساد إداري ومالي وضحايا تعذيب وما إلى ذلك؟!".

دعونا نتساءل مع المتسائلين ردا على وجهة النظر هذه: "ماذا لو استطاعت السلطة التنفيذية إيجاد حلول لهذه الملفات أو حلحلتها؛ فهل يوجد للمعارضة شيء تقوله أو تتحدث عنه غير إيجاد السبل الكفيلة بالحفاظ على الممارسة الديمقراطية وتطويرها خدمة للمواطنين والمجتمع المؤسساتي؟!".

هذا الـ "DELETE" الرسمية، يقابلها "COPY & PASTE" رسمي آخر مثل: تنظيف السجون من معتقلي الضمير وعودة المنفيين إلى الوطن، الذي بات وكأنه "معايرة" للشعب الذي ضحى من أجل هذه الفرحة التي أطلت على بلادنا التي ملت الأحزان، أي وكأن الشيء الطبيعي أن يبقى أبناء الوطن خارج وطنهم، وأن تبقى الممارسات الوحشية واللاإنسانية ضد سجناء الضمير والمناضلين من أجل الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية، حكم السائد والواقع الذي لا يحتاج إلى تغيير في عصر هبوب رياح التغيير على العالم كله، والبحرين ليست استثناء!

غير الطبيعي، ينبغي ألا نتطور بشكل غير طبيعي، أي أن نتطور بشكل طبيعي في تصاعد لنيل الحقوق وممارستها، لا في التراجع عن المكتسبات، والذي لا تخطئه العين أننا نتقدم "إلى الخلف"، والأمثلة كثيرة: دستورية وحريات سياسية وحقوقية وبيئية واجتماعية. الدستورية، هناك انتقاص من صلاحيات المجلس المنتخب، وهو غير كامل الصلاحيات التشريعية والرقابية، والتي هي من المفترض من صلب مهماته البرلمانية، كأي برلمان في العالم، لأنه لا يستطيع تمرير أي مشروع لا تريد الحكومة تمريره، وسلطته الرقابية محدودة؛ لأن ديوان الرقابة ليس بيده، ولا يملك غير سلطة مناقشة التقارير التي تأتيه جاهزة من الديوان، ومن دون زعل: فهو ظاهرة صوتية تفرملها في التشريع والرقابة المادة 45 والغرفة المعينة المتساوية معه.

إذا، هناك تراجع واضح عن مكتسبات دستور ،1973 ونقول مكتسبات دستور 73 وليس دستور 73؛ لكيلا يتلاعب أحد بالألفاظ، بذريعة عدم إمكان العودة لدستور ،73 الذي تعرض لـ "DELETE" في إطار التراجعات ذاتها.

هل نكمل أم نكتفي بآخر إنجاز لمجلس النواب وإقراره صيغة قانون الجمعيات وما تشكله من "تضييق وضيق" للعمل السياسي والحقوقي في مجتمع ديمقراطي يحدد فيه وزير العدل كيفية اتصال التنظيمات السياسية بالخارج، ويضع مقاييس للتنظيمات السياسية مثل مقاسات "سرير" السيد اليوناني الذي يقتل الناس بالمط، أو قطع الأطراف، ويستمد العقوبات المقررة من قانون العقوبات لسنة 1976 "المؤقت" لأنه لم يقر في البرلمان المنحل سنة ،75 والتي مازالت عقوباته مخيفة ومرعبة لعهد الإصلاح والانفتاح. ثم ألم يسأل نواب الشعب كيف ستتعامل الجمعيات السياسية مع صلاحيات وزير العدل، وماذا ستفعل هذه الجمعيات مع رفع سن العضوية إلى 21 عاما، وكيف ستتعامل مع حرمان شريحة واسعة من الشباب من حقهم في العمل السياسي، وهل ستفصل أعضاءها ممن هم في سن بين 18 و20 سنة وهم يشكلون نسبة كبيرة في معظم الجمعيات؟!

بعد ... وبعد، فانتظروا قانون التجمعات بعد الجمعيات التي استكثروا تسميتها "تنظيمات"، لأن التنظيمات السياسية تعرضت لـ "DELETE" من قبل أصحابها الذين انبهروا "بحجم الإصلاحات"، والآن لـ "DELETE" من قبل نواب الشعب، وقبلها لـ "DELETE" رسمي، كما اختفت بـ "DELETE" تقدر بالمليارات من المال العام، وأخيرا ملياري دولار من الموازنة الجديدة، والمواطنون ينتظرون "COPY & PASTE" للبونس وزيادة الراتب... وكان الله في العون

العدد 1047 - الإثنين 18 يوليو 2005م الموافق 11 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً