العدد 1055 - الثلثاء 26 يوليو 2005م الموافق 19 جمادى الآخرة 1426هـ

قمة لمجابهة الإرهاب ومواجهة التدهور!

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

تزدحم الساحة العربية بتطورات سريعة، كثير منها مريب وغريب، يحمل من علامات الخطر الشيء الكثير، اذ تتسارع دوامات الحوادث وسط رياح عاصفة، تنذر بانطلاق الاعصار، ليس اقلها هذا الارهاب المنفلت في كل مكان، من شرم الشيخ الى بيروت، ومن بغداد الى لندن. .. الخ وهو يجد في هذا المناخ مجالا فسيحا لممارسة دمويته ووحشيته.

ولأن كثيرا من اسباب التدهور وعوامل الخلاف لا تعلن على الرأي العام، كما هي العادة، فإن كواليس صناع السياسة ودهاليز قصور الحكم تشهد هذه الأيام مداولات ومشاورات عدة، بعضها يحاول احتواء العاصفة واستباق الاعصار، وبعضها الآخر ينفخ في النار ليزيدها اشتعالا دفاعا عن مصالح صغيرة، أو تنفيذا لسياسات أجنبية ضاغطة أو نفاقا للارهابيين والمتطرفين ومداهنة لهم!

في الاسبوع الماضي عقد الرئيس حسني مبارك اجتماعا عاجلا ومفاجئا مع الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، الذي كان عائدا لتوه من جولة في عدد من الدول العربية، وقد فهمنا من تصريحاته بعد هذا الاجتماع ان مشاورات عاجلة تجريها مصر والجامعة العربية لمواجهة التدهور في المواقف العربية، قد تمهد لقمة وشيكة.

وأظن ان الاجتماع والتصريحات التي أعقبته قد فتحا باب الاجتهادات والتكهنات، عن نوعية التدهور والخلاف ومداه وعمقه، وعن مدى استجابة العواصم العربية المعنية لتحدي هذا الخلاف من ناحية ثانية، ثم عن استعدادها للاجتماع في قمة عاجلة من ناحية ثالثة، علها تستطيع تشخيص الداء ووصف الدواء!

وأظن ايضا ان تنسيقا قويا بين مصر والجرائر رئيسة القمة العربية الحالية من مارس/ آذار الماضي الى مارس المقبل، وبين الجامعة العربية، يمكن ان يفضي الى عقد قمة عربية مصغرة أو شاملة، عاجلة أو طارئة، تنظر في هذا التدهور المتسارع في الأوضاع العربية، وتضع حدا له في ظل ظروف صعبة... وانظر الى خريطة التطورات تجد ما يسر العدو ويحزن الحبيب، دم في كل بقعة.

فثمة حالة من الاستسلام تطفو في الواقع العربي الأليم، بينما كل حكومة عربية مسئولة بمشاغلها الذاتية مهمومة بهمومها الخاصة، من دون نظرة أوسع وأشمل تكشف ان الداء واحد متماثل كالسوس ينخر في الجسد العليل.

في أقصى المغرب العربي، تبدو التوترات واضحة، لعل ابرزها تلك الازمة المزمنة بين الشقيقين المغرب والجزائر بشأن الصحراء الغربية "أزمة البوليساريو"، تكمن احيانا وتصطحب احيانا أخرى كما هو الحال اليوم، بما عكر صفو العلاقات الذي كان متوقعا في حين تقوقعت تونس كحالها، وتباعدت ليبيا عن الفضاء القومي العربي، ملتحقة وملتحفة بالفضاء الافريقي، ربما تنصلا ومللا، بينما موريتانيا تغني على أوجاعها منفردة مستعينة بالرعاية الأميركية، والعناية الاسرائيلية، في حين يغلي داخلها بالتوتر.

في المشرق العربي، وقع ما لم يكن احد يتوقعه قبل عام فقط، اذ تحولت الدولتان التوأم، سورية ولبنان، من حال التحالف والالتصاق الجسدي والمعنوي الى حال الانفصال والانفصام وصولا الى أزمة علنية سياسية واقتصادية وأمنية واعلامية غير مسبوقة تغذيها الاطراف الخارجية بقوة دفع هائلة.

في الجنوب العربي، تبدو الصومال غارقة في التيه، وتمرح جيبوتي في البعيد الغانم، بينما السودان يتشقق ويتمزق، في ظل تداعيات مفروضة باسم السلام، الذي نرحب به من حيث المبدأ، ونتشكك في نتائجه القريبة والبعيدة على السواء وفق اجندة لم يضعها السودانيون بارادتهم الحرة، في حين اهتزت مصر هزا بيد الارهاب الأسود، على وقع تفجيرات شرم الشيخ الدموية الرهيبة.

في الخليج العربي، تخيم أزمات بعضها جديد وبعضها الآخر قديم يتجدد، من أزمة الهوية والاقتصاد وتوزيع الثروة الى أزمة الأمن وحماية الكيانات والنظم، في ظل صراع ارادتين ومخططين متناقضين، الارادة الايرانية الجارة الأقوى والأكبر بكل طموحها النووي، وتحت قيادة جديدة توصف بالمتشددة المحافظة، بعد غياب رجل الاعتدال والوفاق الرئيس المنتهية ولايته خاتمي، وتولي رئيس جديد هو أحمدي نجاد المرتبط بالحوزة الدينية وبمرجعية المحافظين من أنصار تصدير الثورة.

وعلى الناحية الأخرى تواجهها الارادة بل الهيمنة الأميركية الصاخبة في ظل قيادة المحافظين الجدد، التي نجحت خلال السنوات الأخيرة ومنذ غزوها واحتلالها للعراق، في غرس قدمها الثقيلة في كل شبر من الأرض وفق كل نقطة من الماء تماما كالكابوس الاستعماري التقليدي.

لكن تبقى القضيتان الأكثر اشتعالا والأدعى انشغالا ونعني القضية العراقية والقضية الفلسطينية، وكلاهما تستدعيان تشاورا وموقفا عربيا بعد ان وصلتا الى نقطة اللاعودة من دون ان يرمش جفن عربي!

لقد دخلت الأوضاع العراقية الى النفق الدامي المظلم بدرجة تفوق ما كان سائدا منذ الغزو الأميركي في ،2003 اذ بعد اكثر من عامين على اسقاط النظام البعثي السابق وفك كيان الدولة وتخريب مؤسساتها بحجة اعادة بناء دولة جديدة، وعلى رغم ضجيج الانتخابات التي يصفها الاميركيون وبعض العراقيين بالديمقراطية، وعلى رغم وجود 150 ألف جندي أميركي، مازالت المقتلة الدموية تتصاعد ببشاعة، تحصد أرواح الابرياء بينما السادة يجلسون على أكوام من الجماجم في حماية أجنبية.

وها هم السادة يتنازعون علنا على مصادر القوة الحاكمة والثروة الوفيرة، والفيدرالية الموعودة... باسم الفيدرالية ورد مظالم الحكم السابق، يجري سيناريو تقسيم العراق على أسس عرقية وطائفية، بدءا باصرار الاكراد في الشمال على الحكم الذاتي، وصولا لدعوة الشيعة لاقامة حكم ذاتي في محافظات الجنوب.

ومن الواضح ان المخطط الاحتلالي الاميركي يدفع الى ذلك دفعا هذه الأيام بعد ان تحولت الساحة العراقية الى مصيدة ومستنقع دام، يزعمون انهم حرروه وأقاموا فيه حكما ديمقراطيا، ويتمنون الاسراع بالهروب منه قبل ان تتضاعف الخسائر ولكن بما يحفظ كبرياء الامبراطورية التي لا تهزم ولا تسلم بالهزيمة.

وأشك ان ما تضغط به اميركا الآن على الدول العربية، هو دفعها لتوفير غطاء عربي للوضع العراقي، برمته، وتوريط هذه الدول في الدخول الى العراق بقرار أعلى، يبدو كما لو كان بديلا لجيوش الاحتلال، ودفعة عربية لمساندة الحكم الجديد، وخصوصا ان حكومات عربية عدة باتت متحمسة لهذا السيناريو، الذي لن يخدم العراق ولن يساعد باقي العرب، وان كان يحقق رغبة الاميركيين... فهل يمكن ان تقدم أية قمة عربية على مثل هذا الموقف!

وتبقى القضية الفلسطينية هي الأكثر سخونة والتهابا لاسباب واضحة، وهي الأكثر حساسية لتطورات داهمة، أولها خطر الاقتتال الداخلي بين السلطة والفصائل، وخصوصا حماس والجهاد، وقد رأينا في الاسبوع الماضي بعض التجليات الحزبية حين قتل السلاح الفلسطيني المواطن الفلسطيني باسم اقرار الامن والنظام والقانون، ولم يستفد سوى العدو الصهيوني.

وثانيه، اقتراب موعد السيناريو الشاروني بالانسحاب من غزة والمقرر له منتصف الشهر المقبل وهو في ظاهره رحمة وفي باطنه عذاب مقيم، وسيكون نقمة على الشعب الفلسطيني مستقبلا وينقلب نعمة على "إسرائيل" التي تريد التخلص من فخ غزة بأقل الخسائر، وتحويلها الى سجن صغير محاصر ولا شيء بعده!

وثالثها، اسراع شارون باستكمال الجدار العازل ذي الهدف العنصري البغيض والذي بدأ تنفيذه في 2002 ليقسم الضفة الغربية الى كانتونات معزولة ويحبس سكانها الاصليين في معسكرات محاصرة ويقيم سدا حول القدس، ويفرض الامر الواقع الذي يتصوره شارون وعصابته، على رغم صدور قرار محكمة العدل الدولية في يوليو/ تموز .2004 ومن بعده قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشهر نفسه بادانة اقامة هذا الجدار وبعدم شرعيته.

ومقابل الانسحاب من غزة الذي يصوره شارون على انه تضحية اسرائيلية كبرى وفي ظل الجدار العازل، يسرع بزيادة الاستيطان في الضفة وتركيزه وتوسيع الكتل الاستعمارية اليهودية فيها، ويتحدى الجميع بالقول ان هذه الكتل ستظل جزءا من "إسرائيل" في ظل التسوية النهائية، مثلما ستظل القدس الكبرى عاصمة أبدية لها!

وها هم اصحاب نظرية "الواقعية" المنكودة من العرب والانجليز يمارسون ضغطا على الشعب الفلسطيني لقبول ما هو متاح الآن قبل ضياع "الفرصة التاريخية" والمتاح هو غزة سجنا محاصرا وكانتونات مما تبقى من الضفة، ثم اسعاد الرئيس الاميركي بوش بتحقيق رؤيته في اقامة دولة فلسطينية، هي في الواقع دولة مفتتة مشرذمة ليس لها تواصل جغرافي ولا تماسك بشري ولا سيادة حقيقية.

أما الأخطر فهو بدء استسلام بعض القادة الفلسطينيين لهذه الواقعية المنكودة تلهفا على وهم كبير وتمسكا بوعود زائفة ليس لها سند حقيقي من الواقع، بل ليس لها مستقبل، وتضحية بكل كفاح الشعب الفلسطيني على مدى أكثر من نصف قرن... ولعل من علامات السوء تلك التصريحات الرسمية الفلسطينية الأخيرة والمذهلة التي تدعو الدولي العربية الى تجنيس وتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيها، والمعنى المخبوء هنا صار واضحا، ألا وهو التخلي عن حق العودة لهؤلاء المشردين، الذي كفلته قرارات الأمم المتحدة في اطار الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني التي لا تسقط بالتقادم ولا يمكن التخلي عنها، طبقا لقرار الجمعية العامة رقم 194 للعام .1948

في ظل كل ذلك تتسارع الضغوط الاميركية والاغراءات الاوروبية على العرب للقبول بالأمر الواقع والحل العملي وبالقدر المتاح... مثلما تتسارع الرغبات الحكومية العربية المكبوت منها والمعلن في الاستجابة سرا وجهرا أملا في ازاحة هذه الاعباء المتراكمة من فوق الصدور الضيقة حرجا، سواء الاعباء العراقية أو الفلسطينية، أو غيرها من الاعباء بحجة التفرغ لمقاومة الارهاب تارة، أو لتحقيق الاصلاح تارة اخرى، وكلاهما مطلوب ومرغوب، وخصوصا محاربة الارهاب الدموي المروع الآن قبل الغد.

هنا تأتي أهمية القمة العربية، المتنازع على عقدها تياران، احدهما يريدها قمة لوقف التدهور واعادة اللحمة وتنسيق المواقف، في مواجهة الخطر الداهم على الجميع، وثانيهما يريدها قمة لقبول الأمر الواقع "الاميركي الاسرائيلي" والقناعة بالمقدر والمكتوب وتوفير الغطاء الرسمي، والبصم على التسويات المطروحة.

فإن كنا نريد القمة الأولى ولا نتمنى الثانية فمع من تقف أنت!! أما الارهاب فلا أظن ان أحدا يمكن ان يقف معه أو يصمت في مواجهته.

خير الكلام

يقول أحمد شوقي:

كأن رواية الأشواق عود

على بدء وما كمل الكتاب

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1055 - الثلثاء 26 يوليو 2005م الموافق 19 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً