العدد 1059 - السبت 30 يوليو 2005م الموافق 23 جمادى الآخرة 1426هـ

في ملامح التطرف

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

التطرف، هو ذهاب في الرأي والموقف أو بالعمل الى حدوده القصوى، وقد يكون الامر كذلك فيها جميعا أو في البعض منها، وغالبا ما يكون التطرف نتيجة بيئة محددة، تستند اجتماعيا الى فئات غير مستقرة، وثقافيا الى فئات ضعيفة التأسيس أو ذات ثقافة استبعادية. اما من الناحية العمرية، فان التطرف يجد في الفئات الشابة بيئة مناسبة بحكم ما لدى هذه الفئات من مزايا نفسية وقدرات متعددة، احدها وربما الاهم فيها هو التهور الآخذ شكل الحماس.

والتطرف بما هو عليه من فكرة، يتجاوز في تجسيداته الاشخاص. فتلبس الجماعات لباسه، بل انه قد يصير ظاهرة اجتماعية، وقد يصير المجتمع متطرفا، والحكومة متطرفة، والامثلة حاضرة ليس في التاريخ فقط، وانما في الحاضر المعاصر، اذ في عالمنا اليوم شخصيات وجماعات وفئات وشعوب وحكومات متطرفة، وليس بن لادن والزرقاوي وشارون الا وجوها شخصية للتطرف، وتنتمي منظمة القاعدة وتفرعاتها وحركة طالبان وامناء جبل الهيكل الاستيطانية اليهودية الى الجماعات المتطرفة، فيما يبدو الاسرائيليون بأكثريتهم التي تؤيد الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية وتصعيد الاستيطان اليهودي في الضفة والجولان مثالا على التطرف، وحكوماتهم بما فيها حكومة الليكود مثالا على التطرف.

وعلى رغم ان التطرف هو ذهاب الى الابعد، فانه يصعد في كثير من الاحيان ليصل حد الامعان بالمواقف والآراء والاعمال المتطرفة وربطها ببعضها بعضا، وقد تصاعدت هذه السلوكيات في السنوات الاخيرة، وتوسع حضورها في التأثير على المستوى العالمي بعد ان كانت تأثيراتها في مستويات اقليمية ومحلية، وتوسعت قاعدة التطرف لتشمل اضافة الى الاعمال الدعائية الايدلوجية والاعلامية، عمليات خطف وقتل وتفجير، واعتداءات تتم بواسطة قوات من جيوش نظامية على نحو ما تجسده بصورة وحشية اعمال الاسرائيليين ضد الفلسطينيين.

وصعود التطرف الى المستوى العالمي، جعله يشكل قاعدة عنقودية مترابطة، تستند الى مستويات اقليمية ومحلية، وتعبيرات هذا الشكل تبدو واضحة في السلسلة التي تشكل القاعدة رأسها في اطار جماعات التطرف عبر العالم من جهة، وكذلك في سلسلة اخرى، تقف الحكومة الاميركية على رأسها. ويجسد تقسيم العالم الى ثنائية متعادية التعبير الاول في تصعيد التطرف في محاولة من المتطرفين تحديد معسكري الانصار والاعداء، وصاحب الثنائية المتعادية انطلاق استراتيجية هجومية يجري تطبيقها في كل المستويات وعلى كل الجبهات، وهو ما يفسر كيف اصبح العالم كله ميدانا لفعل المتطرفين وساحة لعملياتهم الارهابية المتعددة الادوات والاهداف، وترافق مع هذين التعبيرين، اندفاع المتطرفين من الاتجاهات والمستويات المختلفة للخوض في اعماق المجتمعات سواء في سبيل خلق بؤر واشكال محلية مناصرة تساعدها في معاركها من اجل تحقيق اهدافها، او في جعل قطاعات من هذه المجتمعات اهدافا لعملياتها، ويمكن رؤية المجتمع العراقي نموذجا للتدخلات والتداخلات التي يقوم بها المتطرفون كافة، وما ينتج عن ذلك من عمليات تدمير تصيب العراقيين على تنوعهم واختلافهم.

كما ان بين تعبيرات تصعيد التطرف الى مستواه العالمي، تعبيرا آخر، يمثله الاستخدام المتعدد لكل الامكانات المتاحة من اجل تكريس التطرف، والذهاب باعماله المتنوعة الى نهاياتها بما في ذلك استخدام الحواضن الايدلوجية والفكرية والسياسية، اضافة الى استخدام كل ما امكن من التقنيات والاتصالات، وقد اثبت صعود التطرف وما صاحبه من عمليات اهمية استخدام الامكانات المتاحة، بل والمحتملة بما فيها الفوارق الحضارية بين الشرق والغرب، والفارق بين الاسلام والمسيحية، وموضوع الصراع العربي - الاسرائيلي، والمعونات الخيرية والمدارس الدينية، وشبكة الانترنت والتقنيات الحديثة العسكرية والمدنية وغيرها.

خلاصة القول، ان التطرف على رغم انقسامه، وتناقضات المنخرطين في بنياته وادواته، يسعى بكل السبل للسيطرة على العالم واخضاعه، وفي سبيل ذلك لا يتورع المتطرفون وهياكلهم عن القيام بأية انشطة يرونها تخدم اهدافهم، وهذا قد يفسر المستوى العالي من حساسيات العالم ازاء التطرف، وتنامي الاصوات الداعية الى مقاومة التطرف واحلال ثقافة الاعتدال والتفاهم والحلول السياسية للمشكلات التي تجتاح العالم وتشكل الاساس في تحدياته الكبرى

العدد 1059 - السبت 30 يوليو 2005م الموافق 23 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً