العدد 1076 - الثلثاء 16 أغسطس 2005م الموافق 11 رجب 1426هـ

بكائية الانسحاب من غزة... أولا وأخيرا

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

يفترض أن يبدأ الانسحاب الاسرائيلي اليوم 17 أغسطس/ آب ،2005 من قطاع غزة وأربع مستوطنات في الضفة، بعد ثمانية وثلاثين عاما من الاحتلال، وبالمناسبة هناك ابتهاج ما بين الفلسطينيين والعرب، باعتبار أن كل انسحاب احتلالي من الأرض العربية مكسب كبير.

لكن المناسبة أيضا تحولت في "إسرائيل" الى بكائية شعبية، فشارون صاحب مشروع الانسحاب لهدف في نفس يعقوب، ينسحب ويبكي باعتبار أن ما يقدمه هو تضحية كبرى، لكنها تضحية من أجل أمن أقوى لـ "إسرائيل"، في حين يرى المزايدون عليه من عتاة المتطرفين السياسيين والدينيين، أن جريمة كبرى وخطيئة لا تغتفر تستدعي تكفير كل من يشارك فيها، وفي الحالين فإن مواكب العويل والنواح ومظاهرات الرفض والاحتجاج تتصاعد، بأمل ايقاف الانسحاب من ناحية، والاطاحة بشارون من ناحية أخرى!

ومن غرائب الأمور، فإن شارون بكل تاريخه الملطخ بالدم وبكل مغامراته الحربية وتوسعاته الاستعمارية، يبدو اليوم في نظر كثير من العرب والعجم، ناهيكم عن الاسرائيليين، على أنه داعية سلام وهو الأكثر اعتدالا ومرونة، على عكس المزاج الاسرائيلي العام المعبأ بكل عوامل العنف، والارهاب!

ولا شك أن هذا الموقف الغريب يذكرنا بالبكائية الفرنسية الاستعمارية الشهيرة، حين قرر الجنرال ديغول، مع الفوارق الشاسعة بينه وبين شارون، الانسحاب من الجزائر نهائيا، بعد نحو قرن ونصف قرن من استعمارها الدموي، وتحت ضغط ثورتها الجبارة، فإذا بالمستعمرين "المستوطنين" الفرنسيين في الجزائر يعلنون العصيان ويرفضون الانسحاب، إذا فرنسا تبكي دما على ضياع أرض كانت ألحقتها عنوة بالامبراطورية الغاربة... لكن الأمر انتهى طبعا الى الانسحاب.

اليوم تبدأ خطة شارون بالانسحاب من غزة، ليس بهدف تحرير الشعب الفلسطيني من الاستعمار الاسرائيلي، وليس بهدف بدء الخطوة الأولى، تليها الخطوة الثانية بالانسحاب من الضفة الغربية، كما يأمل كثيرون، ولكن شارون يهدف الى التخلص من مستنقع غزة الدامي وينسحب سريعا بعد أن أدمته المقاومة الوطنية الباسلة فزادت خسائره، كما يهدف الى تكريس نظريته الثابتة وهي انه انسحاب أول وأخير.

قبل عدة سنوات وبعد الاتفاق الشهير بين الفلسطينيين والاسرائيليين، على مشروع الانسحاب من غزة وأريحا كمرحلة أولى، كتبنا في هذا المكان مقالا حذرنا فيه من أن يكون "الانسحاب من غزة أولا وأخيرا"... وها هي الأيام لم تغير شيئا من نظريات شارون... فهو يستبق كل ذلك بالقول إنه لا انسحابات أخرى، وهو يزايد على المتشددين والمتطرفين وخصوصا في حزبه الليكود، وهو يتسلح بالاتفاق الثنائي بينه وبين الرئيس الأميركي بوش في العام الماضي، الذي نص على أنه لا انسحاب الى حدود ،1967 ولا عودة للاجئين الفلسطينيين ولا جلاء عن المستوطنات الكبرى في الأرض العربية.

أما الهدف الأساسي لشارون فهو نقل الثقل الكامل للاستيطان اليهودي الى الضفة الغربية وتوسيع مستوطناتها، وزيادة مستعمريها، والتخطيط لاستجلاب مليون يهودي من أنحاء العالم لاسكانهم فيها كما أعلن صراحة، وعلينا أن ندرك أن عدد المستوطنين الاسرائيليين في الضفة الغربية وحدها بلغ نهاية العام 2004 نحو 422 ألفا و275 مستعمرا في 148 مستوطنة بما فيها أحياء القدس، بينما البكائية الكوميدية قائمة الآن على اخلاء 17 مستوطنة في غزة، يسكنها نحو ثمانية آلاف اسرائيلي فقط، وفقا لبيانات جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني الصادرة هذا الشهر!

والمؤكد أن شارون بكل ما هو معروف عنه، لن يتفاوض أو يقبل أو يساوم على سحب كل هذا العدد من الضفة الغربية، بل هو كما ذكرنا يعمل على الوصول به الى رقم المليون، لتبقى غزة سجنا صغيرا لمليون ونصف مليون فلسطيني، وتذوب الضفة في الزحام الاسرائيلي!

والدليل أمامنا نستقيه من فم شارون في خطابه الدراماتيكي قبل أيام، إذ اكد قاطعا حاسما، انه اذ يضحي بالانسحاب من غزة، الا انه أولا: لن ينسحب من الكتل الاستيطانية في الضفة فهي مرتبطة جغرافيا بـ "إسرائيل" ولا نقاش في ذلك، وثانيا: انه مستمر في استكمال الجدار العنصري العازل لحماية أمن "إسرائيل"، وثالثا: لا تفاوض أو نقاش بشأن القدس عاصمة أبدية لـ "إسرائيل" ورابعا: لا عودة للاجئين الفلسطينيين، وخامسا: سيستمر في فرض الحصار البري والبحري والجوي على غزة، وسادسا: لا حديث أو تفاوض بعد الآن على خريطة الطريق الأميركية المنشأ التي تبناها المجتمع الدولي ووافق عليها العرب، فقد ماتت!

والمعنى واضح هو أن الانسحاب من غزة هو أول وأخير بصرف النظر عن الدعاوى العربية والضغوط الدولية وقرارات الأمم المتحدة ومراوغات أميركا واغراءات أوروبا المتلاعبة!

فإن كان شارون المتهم بالتفريط من قبل المتطرفين الذين طالما رعاهم وسلحهم، بهذا التشدد الذي يغلق عمليا حكاية التسوية السياسية والسلام العادل، والتعايش الآمن بين أحفاد ابراهيم، فلماذا يغضب عليه المتطرفون وصولا لتكفيره وتهديده بالقتل أو العزل والاقصاء!

الحقيقة أننا أمام مأساة كبرى في تاريخ الانسانية، ففي حين تنتاب العالم صرعة الاسلاموفوبيا، والصاق تهمة الارهاب والتعصب والتطرف الديني بالمسلمين، فإن الجميع يتجاهل عن عمد الارهاب والتعصب والتطرف الديني المشتعل على أشده في "إسرائيل"، الواصل الى حد استخدام التوراة والتعاليم اليهودية في تحريم الانسحاب الاسرائيلي من أرض فلسطينية، محتلة عاش عليها الفلسطينيون العرب، مسلمين ومسيحيين آلاف السنين. وانظر فيما يقوله اليوم كبار الحاخامات الاسرائيليين، تأكيدا لرفض الانسحاب، وانطلاقا كما يزعمون من عقيدة دينية متطرفة، ترى ضرورة استعادة ما يسمى بكل أرض "إسرائيل"، من النيل الى الفرات، واقامة الهيكل الثالث بعد تدمير المسجد الاقصى وطرد العرب "أولئك الديدان والصراصير والحشرات القذرة"!

- الحاخام الأكبر المعروف "عوفاديا يوسف" يقول إن شارون ارتكب المحرمات بخطة الانسحاب من غزة، فلا خروج لليهود من اليهودا والسامرة وكل أرض "إسرائيل" التي ذكرتها التوراة.

- الحاخام المتطرف "ابراهام شابيرا" يقول ايضا هذه الأيام: ستنزل لعنة الله في الدنيا والآخرة، على كل من يساهم في الانسحاب من غزة، لأنها جزء من أرض "إسرائيل" المقدسة، ويجب طرد الأغراب "الفلسطينيين" منها نهائيا.

- الحاخام الاصولي "اسحق خدودي" يضيف مفتيا بتحريم المشاركة في الانسحاب من غزة، على الجيش والشرطة وحتى المستوطنين الذين يوافقون على ذلك، لأنه يشكل مخالفة لتعاليم التوراة ووصايا الرب، رب "إسرائيل"!

ولقد وجدت هذه الفتاوى الدينية المتطرفة والمحرضة صدى واسعا وسط الجمهور الاسرائيلي، وخصوصا بين التيارات السياسية اليمينية والمتطرفين الدينيين والعقائديين فإذا بالمناخ العام يشتعل بالعدوانية حتى الالتهاب، ما يدفع الجميع نحو الصدام الدامي، على رغم تحريم قتل اليهود لليهود!

وبسرعة شديدة انعكست العدوانية والتطرف الديني وفتاوى الحاخامات، على المشهد السياسي المنقسم أصلا، وتعرضت الحكومة التي يقودها شارون لأزمة وزارية، باستقالة بنيامين نتنياهو الأكثر تطرفا، احتجاجا على خطة الانسحاب من غزة، ليعود الى عرينه الاصلي في قوائم التيارات الأكثر تعصبا وتطرفا داخل الليكود وخارجه على السواء في مواجهة مع "خائن إسرائيل" الذي كان حتى الأمس القريب "البطل الاسطوري لحروب إسرائيل"!

انقسمت "إسرائيل" اذا في الظاهر، لكن الباطن شيء آخر، لأن الجميع متفق تماما على الأسس الرئيسية وخصوصا منع قيام دولة فلسطينية حقيقية في الضفة والقطاع، وابقاء الهيمنة الاسرائيلية على ما يسمى بأرض "إسرائيل"!

فكيف ستراوغ "إسرائيل" لتخرج من مشهد هذا الانقسام الذي نراه ظاهريا...

تقول استطلاعات الرأي الاسرائيلية الحديثة - الأسبوع الماضي - إن 55 في المئة من تكتل الليكود الذي يقوده شارون يعارضون الانسحاب من غزة، مقابل تأييد 34 في المئة، ثم يقول استطلاع آخر لصحيفة "هآرتس" إن شعبية نتنياهو داخل الليكود ارتفعت الى 45 في المئة مقابل انخفاض شعبية شارون الى 29 في المئة، والمعنى ان المزاج العام يميل إلى انتصار نتنياهو في زعامة الليكود وازاحة غريمه "البولدوزر" وفي الحالين سيظل الليكود الحزب الأقوى والمتوقع فوزه في الانتخابات العامة المقررة في العام المقبل، لتستمر سيطرة اليمين المتطرف بأفكاره المتعصبة وسلوكاته الارهابية.

وهناك عدة سيناريوهات تطرح نفسها، نقولها باختصار:

أولا: أمام شارون الآن خياران، إما الاعتزال وإما الانفصال، أي أن يعتزل الساحة ويقبع في مزرعته بالنقب، أو أن ينفصل عن الليكود ويؤلف تكتلا سياسيا جديدا، يضم أنصاره القلائل في الليكود وبعض رموز حزبي العمل وشينوي، ليقود تيار الوسط، مقابل تحالف نتنياهو مع متطرفي الليكود والأحزاب الدينية المتشددة.

ثانيا: السيناريو الثاني، أن يقلب شارون المائدة ويهدم المعبد عليه وعلى أعدائه ويعود الى الخيار صفر، بشن حرب شاملة ضد الفلسطينيين ويعيد احتلال ما انسحب منه، ويغامر بعمليات عسكرية ضد سورية ولبنان خصوصا، ليستعيد بريقه المتخافت "بطلا لحروب إسرائيل" وساعتها لن يعدم الحجة!

ثالثا: السيناريو الثالث، ان تجرى انتخابات مبكرة في "إسرائيل" قبل نهاية هذا العام، تعيد نتنياهو على رأس حكومة أكثر عدوانية وتطرفا، لكي يعود الى نقطة البداية، باحتلال غزة كلية وتدمير كل البنى الفلسطينية، وذبح المقاومة فردا فردا، والقيام بطرد جماعي "ترانسفير" عنصري للعرب من الضفة والقدس والقطاع، ثم ينظر الينا والى العالم ساخرا... ماذا في مقدوركم أن تفعلوا معي!

بعد كل ذلك نسأل ونسائل قادتنا العرب، هل كان كثيرا عليكم أن تجتمعوا في القمة الطارئة الملغاة، لكي تتفاكروا سويا فيما يجب أن تفعلوه، تجاه هذه البكائيات الدراماتيكية السوداء بكل ما تحمله من عواصف!

خير الكلام:

يقول حافظ إبراهيم:

عاصف يرتمي وبحر يغير

أنا بالله منهما مستجير

* مدير تحرير صحيفة "الأهرام" المصرية


الانسحاب لا يلغي حق الفلسطينيين في مقاضاة "إسرائيل"

غزة - محمد أبوفياض

أكد مركز غزة للحقوق والقانون، أن الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية لا يلغي حق المدنيين الفلسطينيين في مقاضاة "إسرائيل" للحصول على التعويض عما لحق بهم من أضرار جراء الاحتلال، واستخدام ممتلكاتهم لأغراض عسكرية أو استيطانية.

وأصدر المركز تقريرا السبت الماضي بشأن " الأبعاد القانونية للأراضي المحتلة من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية بعد الانسحاب الإسرائيلي"، تلقت "الوسط" نسخة منه عبر البريد الإلكتروني.

وقال المركز إن الانسحاب لا يسقط بالتقادم مسئولية "إسرائيل" القانونية والمدنية عن الجرائم والانتهاكات التي اقترفتها منذ بداية احتلال الأراضي الفلسطينية بحق المدنيين الفلسطينيين.

وأضاف أن الانسحاب كذلك لا يلغي حق الفلسطينيين في محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين الذين اقترفوا جرائم الحرب والجرائم المنافية للإنسانية بحقهم أمام القانونين المحلي والدولي، مشيرا إلى أن الانسحاب المنفرد ومن طرف واحد، لا يعني إنهاء حال الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية المنسحب منها، ولا يلغي انطباق وتطبيق اتفاقات جينيف و"لاهاي" عليها.

واحتلت "إسرائيل" قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها مدينة القدس في حرب عدوانية العام 1967 لتكمل بذلك احتلالها لما تبقى من أرض فلسطين، وفرضت حكمها العسكري عليها، ومنذ ذلك التاريخ والمجتمع الدولي يقر ويؤكد أن القوات الإسرائيلية هي قوة احتلال حربي وأن الأراضي الفلسطينية هي أراض محتلة، ويؤكد أيضا أن أحكام اتفاق جنيف الرابعة المتعلقة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب للعام 1949 تنطبق عليها قانونا، وأن دولة الاحتلال الحربي الإسرائيلي ملزمة بتطبيق أحكام الاتفاق في الأراضي الفلسطينية.

وبحسب التقرير، فإنه منذ العام 1967 قامت "إسرائيل" بالانتهاك المنظم لأحكام الاتفاق ومجمل قواعد القانون الدولي في إدارتها للأراضي الفلسطينية المحتلة وعلاقتها بالسكان المدنيين.

يذكر، أن القانون الدولي الإنساني وجزء أساسي منه اتفاق جنيف الرابع يهدف لتوفير الحماية لضحايا الحروب وتحديدا للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة، لذلك فالاتفاق يؤكد أن دولة الاحتلال ليست مطلقة اليدين في استخدام ما تشاء من القوة أو الإجراءات أو السياسات في إدارتها للأراضي المحتلة، ويجب على الدوام أن تراعى إلى أقصى حد مصالح السكان المدنيين وحماية ممتلكاتهم وألا تغير من الوضع القانوني لتلك الأراضي.

وأشار إلى أنه منذ العام 1967م و"إسرائيل" في حال انتهاك دائمة ومستمرة لحقوق المدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي الانتفاضة الأولى العام ،1987 وما خلفته من قتلى وجرحى معوقين، فقد بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين خلالها نحو "1550" شهيدا وانتفاضة الأقصى الأولى "حوادث النفق" العام ،1996 والتي صعدت فيها "إسرائيل" من ممارساتها الممنهجة في قتل المدنيين وتدمير ممتلكاتهم فقد بلغ عدد الشهداء "63" شهيدا.

أما فيما يتعلق بانتفاضة الأقصى الثانية، والتي بدأت بتاريخ 28 سبتمبر/ ايلول ،2000 والتي استخدمت فيها "إسرائيل" القوة المفرطة المميتة من خلال استخدامها لجميع الأسلحة العسكرية التي تمتلكها، مثل طائرات " ئ61- والأباتشي - والاستطلاع" واستخدام قذائف وصواريخ محرمة دوليا ضد المدنيين الفلسطينيين هادفة قتل أكبر عدد ممكن من السكان المدنيين، إذ بلغ عدد الشهداء حتى تاريخ إصدار التقرير نحو " 3007" شهداء.

وفي سياق احتلالها للأراضي الفلسطينية، أورد التقرير، أن "إسرائيل" ارتكبت الكثير من جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين وقد قامت بذلك منتهكة كل المواثيق والأعراف الدولية وعلى رأسها اتفاقات جنيف الأربعة وكذلك القانون الدولي الإنساني، وطالت انتهاكاتها هذه جميع مجالات الحياة الإنسانية للمواطن المحتل، إذ قامت بالاعتداء على الحق في الحياة والأمن الشخصي للمدنيين، وكذلك الاعتداء على المؤسسات المدنية الأهلية منها والحكومية. كما طالت اعتداءاتها المرافق التعليمية والدينية والصحية والإعلامية، وتجريف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، واقتلاع الأشجار المثمرة والحرجية وطالت أيدي الاحتلال التخريبية المرافق الصناعية والسياحية، ودمرت الكثير من المنازل السكنية وتشريد ساكنيها.

وعلى سبيل المثال وليس الحصر، جاء في التقرير، أن تلك القوات قامت بارتكاب الكثير من جرائم الحرب اللاإنسانية أثناء اعتدائها على الحق في الحياة والأمن الشخصي ولقد شهدت سنوات الانتفاضة الخمس تعاظما في استخدام القوة المفرطة والمميتة تجاه المدنيين من قبل قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي. وكذلك كانت هناك تزايدت حالات قتل الجرحى للمواطنين سواء من خلال إعاقة حركة إسعافهم وإيقاف سيارات الإسعاف على الحواجز التي يقيمها جنود الاحتلال بين المدن وخلال انتفاض الأقصى الثانية والتي بدأ بتاريخ 28 سبتمبر ،2000 قتلت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بدم بارد نحو "3007" مواطنين من بينهم "861" طفلا، وإصابة ما يزيد على "34500" آخرين.

وبحسب التقرير الحقوقي، فإن هذه الانتهاكات تشكل خرقا فاضحا لأحكام الكثير من مواثيق حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وعلى رأسها التزامات الدولة المحتلة التي نص عليها اتفاق جنيف الرابع بشأن حماية المدنيين وقت الحرب للعام ،1949 والذي حرم الاعتداء على حياة المدنيين وسلامتهم البدنية والقتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والمهينة والتعذيب. وأشار إلى أن المادة "147" من الاتفاق اعتبرت الأفعال التالية من المخالفات الجسيمة: القتل العمد، التعذيب المعاملة اللاإنسانية، تعمد إحداث آلام شديدة أو أضرار خطيرة تضر بالسلامة البدنية أو الصحة، مبينا أن هذه المخالفات الجسيمة تعتبر من جرائم الحرب بحسب البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاق جنيف للعام ،1977 والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية، وبحسب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية العام .1998

كما استخدمت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي في سياق اعتدائها على الحق في الحياة حسبما جاء في التقرير الحقوقي، سياسة القتل خارج القانون "الاغتيال السياسي" ضد من أسمتهم بنشطاء الانتفاضة، إذ شكلت عمليات القتل خارج نطاق القانون سياسة إسرائيلية ممنهجة ومعتمدة من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.

وبلغ عدد الذين تم اغتيالهم منذ بداية الانتفاضة وحتى لحظة إصدار التقرير نحو "363" مواطنا فلسطينيا، إذ لم تقتصر الاغتيالات على النشطاء فقط، بل طالت قياديين في الأجنحة السياسية للأحزاب والقوى والفصائل الفلسطينية المختلفة مثل اغتيال الشيخ أحمد ياسين، وعبدالعزيز الرنتيسي، وأبوعلي مصطفى وشخصيات سياسية أخرى.

وأكد التقرير، أن "إسرائيل" استخدمت الكثير من الوسائل لاغتيالهم، فقد استخدمت طائرات "ئ61" وطائرات الاستطلاع وطائرات الأباتشي، أو عن طريق قوات خاصة أو زرع عبوات ناسفة في أماكن يتردد عليها من تريد أن تغتاله "إسرائيل". وبين التقرير، أن القرار رقم "65/1989" الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة أرسى مبادئ المنع والتقصي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام من دون محاكمة، من دون التذرع بأي حالات استثنائية بما في ذلك حال الحرب أو التهديد بالحرب أو عدم الاستقرار السياسي. وبموجب النصوص القانونية لمواثيق القانون الدولي ذات العلاقة مثل المادة "147" من اتفاق جنيف الرابعة "يقع على عاتق الدول واجب قانوني صارم وصريح بحظر جميع عمليات الإعدام خارج نطاق القانون"، إذ اعتبرت الاتفاقات أن الإخلال بهذا الواجب من قبل الأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون أو من قبل رؤسائهم جريمة تستوجب العقاب، وأن أي مخالفة لهذه الأحكام تعتبر من المخالفات الجسيمة التي تعد من قبيل جرائم الحرب بحسب المادة "85/5" من البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقات جنيف الأربع للعام .1977

واستعرض التقرير الحقوقي الأبعاد القانونية للأراضي التي تنسحب منها "إسرائيل"، مبينا أن الحكومة الإسرائيلية أعلنت نيتها عن خطة إخلاء من قطاع غزة أسمتها خطة الانفصال في ديسمبر/ كانون الأول للعام ،2003 وتتضمن خطة الانسحاب الأحادي الجانب إخلاء "21" مستعمرة من قطاع غزة والتي يبلغ عدد مستعمريها "7300" مستعمر بالإضافة إلى إخلاء المستعمرات في شمال الضفة الغربية والبالغ عدد تلك المستعمرات "4" مستعمرات، والتي يبلغ عدد مستعمريها "475" مستعمرا وبحسب المصادر الإسرائيلية فستبدأ عملية الإخلاء بتاريخ 15 أغسطس/ آب .2005

ومن خلال ذلك، تحاول "إسرائيل" فرض رؤيتها القانونية على أن المناطق التي تنسحب منها لا تنطبق عليها ما ورد في اتفاق جنيف الرابع الخاص بحماية المدنيين وقت الحرب، لكن الواقع مغاير تماما لما تصوره "إسرائيل"، فإذا أرادت أن تنسحب من قطاع غزة أو أية منطقة محتلة أخرى، فعليها أن تطبق القرارات الدولية المطالبة بانسحابها من هذه الأراضي كاملة حتى يتم النظر رسميا إلى إنهاء حال الاحتلال. وبحسب التقرير فقد صدر عن المجتمع الدولي ومؤسساته القانونية جملة من القرارات التي كانت دوما تطالب "إسرائيل" بالانسحاب، وما خطة الانسحاب الإسرائيلي إلا محاولة للهروب من ذلك والإبقاء على الوضع معلقا من الناحية القانونية بما يخدم مصالحها السياسية والأمنية.

وبين التقرير، أنه إذا أرادت "إسرائيل" الانسحاب الجدي والفعلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة فعليها أن تقوم بذلك من خلال التنسيق الجدي دوليا والذي يهدف إلى إنهاء حال الاحتلال والتي تعني الانسحاب الكامل غير المنقوص من كامل قطاع غزة، وبسط السيطرة الكاملة للسلطة الوطنية على جميع الأراضي التي تنسحب منها "إسرائيل"، والتصرف المطلق والكامل في المرافق والممتلكات البرية والجوية والبحرية، الإفراج عن جميع المعتقلين في السجون الإسرائيلية بحسب نصوص اتفاق جنيف، بالإضافة إلى عودة النازحين الذين غادروا القطاع جراء الاحتلال في العام 1967 إلى بيوتهم وممتلكاتهم.

وأورد التقرير الحقوقي أن حقيقة الأمر أن الانسحاب الإسرائيلي هو انسحاب إداري إجرائي، يدخل فقط في إطار الترتيبات العسكرية ما لم تتخل "إسرائيل" عن السيادة كليا للفلسطينيين من خلال الأعراف الدولية القانونية. وأنه حسبما ورد في خطة الانفصال يحق للجيش الإسرائيلي اقتحام المناطق التي تنسحب منها في الوقت الذي تراه مناسبا، وكذلك محاولاتها المستمرة في بقاء مشاركتها في الإشراف على معبر رفح الدولي مع المصريين وأنه إذا لم يتم لها ذلك، فهي تهدد، مستخدمة أسلوب الابتزاز، بإلغاء الغلاف الجمركي عن الأراضي التي ستنسحب منها. وذكر أنه عند النظر إلى طبيعة الاحتلال الإسرائيلي فهو منقسم إلى قسمين: القسم الأول احتلال استعماري والقسم الثاني هو احتلال عسكري، مبينا أن "إسرائيل" تريد أن تنسحب استعماريا وتبقى على الاحتلال العسكري من خلال السيطرة البرية والجوية والبحرية على منافذ قطاع غزة، لتبقي المدنيين الفلسطينيين في سجن كبير تسيطر عليه الآلة العسكرية الإسرائيلية.

وبناء على معطيات الانسحاب المعلنة، أكد التقرير أن كلا من قطاع غزة والضفة الغربية ستبقى أراضي محتلة من قبل "إسرائيل" وأن الأراضي تنطبق عليها وعلى قاطنيها أحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني المتعلقة بالأراضي المحتلة، وعلى الدولة المحتلة، وهي "إسرائيل"، أن تنصاع للإرادة الدولية فيما يتعلق بواجباتها تجاه الأراضي المحتلة الفلسطينية وقاطنيها المدنيين.

يذكر أن الحكومة الإسرائيلية تحاول أن تعفي مرتكبي الجرائم ضد المدنيين الفلسطينيين من المسئولية القانونية والجنائية، ولكن بحسب نصوص اتفاق جنيف الرابع فإن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، إذ تنص المادة 47 من اتفاق جنيف الرابع: "لا يحرم الأشخاص المحميون الذين يوجدون في أي إقليم محتل بأي حال ولا بأية كيفية من الانتفاع بهذا الاتفاق، سواء بسبب أي تغيير يطرأ نتيجة لاحتلال الأراضي على المؤسسات الإقليمية المذكورة أو الحكومية، وبسبب أي اتفاق يعقد بين سلطات الإقليم المحتل ودولة الاحتلال أو كذلك بسبب قيام هذه الدولة بضم كل أو جزء من الأراضي المحتلة".

كذلك بحسب اتفاق عدم تقادم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، حسب المادة الأولى منها لا يسري أي تقادم على جرائم الحرب الوارد تعريفها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية الدولية وخصوصا الجرائم الخطيرة المعددة في اتفاق جنيف لحماية ضحايا الحرب.

كما تشير المادة /2 من الاتفاق نفسه أنه "إذا ارتكبت أية جريمة من الجرائم المذكورة في مادة "1" تنطبق أحكام هذا الاتفاق على ممثلي سلطة الدولة وعلى الأفراد الذين يقومون بوصفهم فاعلين أصليين أو شركاء بالمساهمة في ارتكاب أية جريمة من تلك الجرائم أو بتحريض غير التحريض مباشرا على ارتكابها، أو الذين يتآمرون لارتكابها بصرف النظر عن درجة التنفيذ أو على ممثلي السلطة الذين يتسامحون في ارتكابها".

وأشار التقرير إلى أن المجتمع الدولي ملزم قانونيا بحسب نص الاتفاق باتخاذ جميع التدابير اللازمة لكي يصبح في الإمكان القيام وفقا للقانون الدولي بتسليم الأشخاص مرتكبي الجرائم إلى العدالة لمحاكمتهم.

وذكر أن المادة "4" نصت على: "تتعهد الدول الأطراف في هذا الاتفاق بالقيام وفقا للإجراءات الدستورية لكل منها باتخاذ أية تدابير تشريعية "وغير تشريعية" تكون ضرورية لكفالة عدم سريان التقادم أو أي حد آخر على الجرائم المشار إليها في المادتين الأولى والثانية من هذا الاتفاق، سواء من حيث الملاحقة، ومن حيث المعاقبة والكفالة وإلغائه إن وجد".

كما نصت المادة "6" فقرة "ج" من ميثاق المحكمة العسكرية الدولية نورمبرغ اتفاق لندن المؤرخة في 6 أغسطس 1945م عرفت الجرائم ضد الإنسانية هي: القتل، الإبادة، الاسترقاق، الإبعاد، وغيرها من الأفعال غير الإنسانية المرتكبة ضد أي تجمع مدني قبل أو أثناء الحرب، أو اضطهاد القائم على أساس سياسي أو عنصري وديني، تنفيذا لأية جريمة أو متعلقا بأية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة، سواء كان ذلك الفعل مجرما أو غير مجرم في القانون الوطني للدولة المرتكب على أرضها هذا الفعل، القادة، المنظمون، المحرضون، المساهمون والمشاركون في إعداد أو تنفيذ خطة عامة أو في اتفاق جنائي لارتكاب جرائم سابقة يكونون مسئولين على جميع الأفعال التي ارتكبت بواسطة أي من الأشخاص في سبيل تنفيذ تلك الخطة.

كذلك نص المبدأ الأول من نظام محاكمة نورمبرغ وفي حكم المحكمة 1950 على أن، "أي شخص يرتكب عملا يشكل جريمة بموجب القانون الدولي يكون مسئولا عن ذلك ويكون عرضة للعقوبة".

وجاء في التقرير، أنه من الناحية القانونية، يجب أن يكون هذا الانسحاب بناء على قرارات مجلس الأمن السابقة المتعلقة بالأراضي الفلسطينية المحتلة مثل: قرار ،242 ،338 أو على قرارات مستحدثة يقرها مجلس الأمن شبيهة بالقرار "1559" الخاص بلبنان وأن تكون عملية الانسحاب خاضعة لمراقبين دوليين يوجدون أثناء عملية الانسحاب للإشراف على تنفيذ الانسحاب على أكمل وجه كما حدث على الأقل مع الانسحاب السوري من لبنان ولكن "إسرائيل" تحاول أن تخرج نفسها من المساءلة الدولية القانونية، حتى لا تلتزم بشيء وتبقي على الوضع في هذه الأراضي المنسحب عنها غير واضح قانونيا.

وأشار إلى أن "إسرائيل" حاولت استباق الحوادث من خلال سن قانون خاص بالانتفاضة وهو ما أقره الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الثالثة الذي يمنع بموجبه المدنيين الفلسطينيين المطالبة قانونيا وقضائيا بتعويضات عن الجرائم التي ارتكبتها "إسرائيل" بحقهم من خلال جنودها وضباطها. وكذلك التهرب من قضايا دفع التعويضات عن استخدام الممتلكات الخاصة للمواطنين المدنيين الفلسطينيين جراء إقامة المستعمرات على أراضيهم وممتلكاتهم الخاصة وكذلك التهرب من تعويض المدنيين الذين لحقت بهم أضرار مادية وجسدية جراء الاعتداءات المتكررة للجنود والضباط الإسرائيليين عليهم.

وأورد التقرير انه في سياق التهرب الكامل من التزاماتها كدولة محتلة قانونيا ومدنيا، لم توقع "إسرائيل" على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية، وقد قامت بذلك مقتدية بالولايات المتحدة خوفا من ان يطولهم القانون الدولي بدفع تعويضات

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1076 - الثلثاء 16 أغسطس 2005م الموافق 11 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً