العدد 1090 - الثلثاء 30 أغسطس 2005م الموافق 25 رجب 1426هـ

دعونا ننتخب من يحارب الفساد والاستبداد!

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

اهتزت الأرض في مصر وربت، فقد نزل عليها الماء، ولا ينكر أحد أن الحركة النشيطة قد عادت بعد طول سكون وجمود، وها هي الساحة السياسية تشهد نمطا جديدا من التنافس بين عشرة مرشحين سعيا لمنصب رئيس الدولة، لأول مرة بالانتخاب المباشر.

وعلى رغم كل تحفظاتنا على صوغ تعديل المادة 76 من الدستور، فإن التعديل قد فتح بابا جديدا، بل بدأ مرحلة جديدة من العمل السياسي، يتيح الفرصة لإصلاح ديمقراطي قادم، ولذلك سنأخذ انتخابات الرئاسة في الأسبوع المقبل - السابع من سبتمبر/ أيلول - على علاتها، حاملة إيجابياتها وسلبياتها، تطلعا لأن نبني فوقها فنعدل ونطور، على رغم أن الأفضل كان التعديل الحقيقي للدستور ليكفل انطلاقة حقيقية نحو الإصلاح.

وعلى رغم كل التحفظات، فإننا نسمع لأول مرة ونشاهد عبر شاشات التلفزيون الحكومي، صوت المعارضة ينافس الرئيس الحاكم، بل ويتحداه علنا في سابقة جديدة، حتى لو وصفها البعض بأنها تمثيلية شكلية... غير أن التمثيلية إن بدت اليوم شكلية، فغدا ستكون حقيقية، وعلى هذا الأساس دعونا نمهد الطريق عبر انتخابات السابع عشر من سبتمبر، لانتخابات مقبلة، تستكمل الشكل وتتشبع بالمضمون.

ولقد سألت نفسي، لماذا ننتخب، ومن سننتخب؟!

إجابة الجزء الأول من السؤال تكمن في أننا لعقود طويلة ظلننا نشكو من حرماننا من المشاركة الحقيقية، ومن تهميشنا عبر الاستفتاءات المصطنعة والانتخابات الشكلية "أعني المزيفة والمزورة" وها هي الفرصة قد جاءت ولو منقوصة، لنستأنف ممارسة حقنا في المشاركة، ولندلي بأصواتنا لواحد من العشرة المتنافسين، في بداية تدريب وتمرين جاد.

أما من سننتخب، فهذا هو السؤال الصعب، لأن لكل من المتنافسين العشرة أحقيته وجدارته الشخصية، لكن المشكلة العويصة، هي أن التنافس يجري على منصب هو الأعلى في الدولة، ما يعني شروطا دقيقة، واختيارا أمنيا وصراحة صادقة مع النفس ومع مصلحة الوطن.

في البلاد ذات التقاليد الديمقراطية الراسخة، يبدو الأمر أسهل كثيرا، ذلك أن المرشحين يخوضون معركة التنافس، وفق برامج محددة ومدروسة ومعدة ومطروحة على الناخبين سلفا، مستندين إلى قواعد جماهيرية تنظمها أحزاب ناشطة، تعمل لسنوات، سواء في الحكم أو في المعارضة، لإقناع الناس بجدارتها وأحقية مرشحيها في الفوز.

ولقد قرأت وتابعت ما طرحه المرشحون العشرة من أفكار ورؤى ووجدت أنها تمتلئ وعودا وتعهدات، لكنها تكاد تخلو من البرامج الملزمة بمعناها وتعريفاتها المتعارف عليها ديمقراطيا وسياسيا، ربما باستثناء قليل يتمثل في ما يطرحه مرشحا الحزب الوطني الديمقراطي "الرئيس محمد حسني مبارك" وحزب الوفد "نعمان جمعة"، الأقرب إلى صيغة البرامج الانتخابية، ويبدو أن المنافسة الفعلية ستكون بينهما، مع حفظ أقدار وفرص ومكانة باقي المرشحين وطموحاتهم المشروعة.

على أن ما يطرحه الجميع ينطلق من أرضية أساسية، هي أن التغيير والإصلاح أصبحا ضرورة حياتية، ولم يعد ترفا يلوكه المثقفون في صالوناتهم الوثيرة، وأن الإصلاح يقتضي أساسا إطلاق الحريات العامة وتدعيم حقوق الإنسان في المجالات كافة... ثم يبقى الاختلاف على التفاصيل، أي الأساليب وطرق التنفيذ وبرامج العمل الملزمة من الآن فصاعدا.

ومن باب تأكيد ما هو مؤكد في أعماقي، سأعطي صوتي، لمن يقنعني بأنه جاد وملتزم التزاما وثيقا، بإجراء تعديل دستوري شامل، يدفع التغيير الحقيقي نحو أهدافه، ويحقق خمسة مطالب محددة هي:

1- إقرار دستور عصري ديمقراطي جديد، يعيد التوازن بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويوقف تغول السلطة التنفيذية على ما سواها، ويعيد الدور الرقابي والتشريعي إلى البرلمان المنتخب بشفافية وحرية، ويحقق استقلال القضاء، ويطلق حرية الصحافة والرأي والتعبير، ويقيد الصلاحيات المطلقة لرئيس الدولة والواردة في الدستور الحالي، ويحدد مدة ولايته بفترتين فقط.

2- إلغاء القوانين والإجراءات الاستثنائية، وأولها حال وقانون الطوارئ، والعودة إلى القانون الطبيعي وحكم القانون، وترسيخ دولة المؤسسات التي تعمل بشفافية وتخضع للمساءلة والمحاسبة، من خلال البرلمان والصحافة الحرة والرأي العام صاحب السيادة والولاية ومصدر الشرعية الوحيدة.

3- إعادة بناء المؤسسات الشرعية، بما يعني إطلاق حرية تكوين الأحزاب السياسية، وإصدار الصحف وتكوين منظمات المجتمع المدني الأهلية، الأمر الذي يستدعي إلغاء فوريا للجنة الأحزاب وقانونها الحالي، ولقانون الصحافة ولكل النصوص المقيدة والسالبة للحرية في جميع القوانين الأخرى، وللقانون رقم 100 الخاص بالنقابات المهنية على سبيل المثال لا الحصر، فهي في الأساس قوانين مقيدة للحريات.

4- إعادة الاعتبار لمبدأ العدل الاجتماعي من خلال التنمية الإنسانية الشاملة، بعد توحش سلطة المال وتحالفها غير الشرعي مع السلطة والإعلام، وزيادة مساحات الفقر والبطالة والفساد وثقافة النهب والتهريب، على حساب الإنتاج، وبالتالي إعادة بناء علاقة متوازنة بين السلطة والشعب، بين الدولة والمواطن وفق عقد اجتماعي جديد، يعيد الاعتبار لقيمة العمل والعقل، عن طريق إصلاح جذري للمنظومة الثلاثية؛ التعليم والإعلام والثقافة.

5- إعادة رسم وتحديد دور مصر الإقليمي والدولي، باعتبارها دولة محورية بوضع مركزي في منطقة العواصف والزلازل السياسية والصدامات الحضارية، وهو دور يرتبط حتما بالمجموعة العربية برباط مقدس، ومنها وبها ينطلق نحو قدرته على التأثر والتأثير في الإطار الدولي، وصراعاته العنيفة ومصالحه وأهدافه المختلفة، بل المتناقضة أحيانا.

وغني عن البيان، أن من سيلتزم بهذه النقاط - المبادئ الخمسة، سيكون قد التزم ضمنا بمحاربة جادة ومستمرة للفساد والاستبداد، فهما في يقيني أس الداء وأصل البلاء، لطالما حذرنا من استشرائهما وطالبنا بالتالي بالتركيز على محاربتهما، ومن العجب العجاب أن أحدا من المرشحين لم يتعرض بحسم ودقة لمحاربة هذه الشياطين المركبة، اللهم إلا الإشارات العابرة والمتعجلة هنا أو هناك، في هذا البرنامج أو ذاك!

ولو كنت واحدا من المرشحين، لاكتفيت برفع شعار أساسي هو صلب فلسفة الحكم، شعار محاربة الفساد والاستبداد، ومنه يوضع برنامج زمني بآليات محددة، وفي هذا لا أدعي أنني وحدي ولكني على الأقل واحد من كثيرين نادوا بهذا الشعار، ومازلت قابضا على الجمر سائرا في الطريق نفسها ممسكا بالمنهج والأسلوب ذاتهما!

ومن حسن حظي أنني انخرطت على مدى السنوات الماضية في برنامج طموح للأمم المتحدة، هدفه تحقيق الحكم الصالح الرشيد، ووضع أسسه، ينطلق أولا من محاربة الفساد والاستبداد من ناحية، ويعتمد ثانيا على إقرار مبدأ الشفافية والمكاشفة والمصارحة، والمساءلة والمحاسبة، وربما من أجل تحقيق كل ذلك تأسست هيئة دولية معروفة للشفافية ومحاربة الفساد، تصدر تقريرا سنويا عن حال الدول المختلفة في العالم، ومن أسف تأتي معظم دولنا في أسوأ الأوضاع لأدناها!

ولعلنا نقول للمرشحين قبل يوم الامتحان - الانتخاب، مثلما نقول للناخبين قبل أن يصوتوا: إن الإصلاح والتغيير يعني أول ما يعني محاربة الفساد والاستبداد، ساعتها تنتعش الآمال بديمقراطية حقيقية، وان التغيير الحقيقي يعني تغييرا في الرؤية السياسية والفكر الحاكم، كما في الأساليب والممارسة والأشخاص والرموز، وأن الالتزام بالتنفيذ العملي، أي الارتباط الصريح بين الوعود والعهود، وبين آليات العمل وخطوات التنفيذ، هو المحك ومربط الفرس.

ومن دون ذلك تصبح الوعود مجرد وعود شفهية في مناسبات احتفالية، سرعان ما تذروها الرياح، بعد أن ينفض السامر.

ولا نريد أن ينفض السامر، قبل أن نتيقن من قدرة هذا المرشح أو ذاك على إلزام نفسه والالتزام أمام الناخبين، بتبني ديمقراطية جديدة، إن ترسخت في الأرض المصرية، أشاعت نورها في باقي الديار العربية.

وهذا هو الدور الأصيل والحقيقي المطلوب من مصر، اليوم وغدا، كما كان بالأمس... دور الاستنارة والحرية!

خير الكلام...

يقول مصطفى المنفلوطي:

فوالله إن لم تدرك الأمر واسعا

لأرغمت عن إدراكه وهو ضيق

* مدير تحرير صحيفة "الأهرام

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1090 - الثلثاء 30 أغسطس 2005م الموافق 25 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً