العدد 1098 - الأربعاء 07 سبتمبر 2005م الموافق 03 شعبان 1426هـ

سورية ولجنة القاضي ميليس

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

أخيرا سيكون القاضي الألماني دتليف ميليس في دمشق في العاشر من الشهر الجاري، إذ يبدأ بصورة عملية التعاون السوري مع اللجنة الدولية التي تحقق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وسيكون في اطار هذا التعاون السوري مع اللجنة، قيام ميليس باستجواب عدد من المسئولين السوريين وسماع شهاداتهم عن بعض الجوانب التي سبقت ورافقت وأعقبت اغتيال الرئيس الحريري في 14 فبراير/ شباط الماضي من أجل استكمال ملف التحقيق في القضية. والحق، فإن التعاون السوري مع القاضي ميليس، جاء في أعقاب تردد سوري طاله واحاطته مراوغة سياسية، ربما كانت في خلفياتها مستندة إلى تقدير سوري بان التحقيق من الناحية الجنائية، لن يذهب الى نتيجة مؤكدة، وانه قد يكون مجرد تحقيق سياسي هدفه المسبق ادانة سورية وعدد من حلفائها وانصارها في لبنان بصورة تجعلهم مسئولين عن اغتيال الحريري أو ضالعين في جريمة قتله، كما ان بين أسباب التردد السوري في التعاون مع لجنة التحقيق ورئيسها خوف السوريين من انكشاف جوانب من نظامهم الأمني، وخصوصا ان بين المطلوب الحصول على شهاداتهم كبار شخصيات المؤسسة الأمنية في سورية، والتي اعتادت ورجالها العيش في الظل حتى بعد خروج الأخيرين من الخدمة. غير ان التطورات التي أحاطت بلجنة التحقيق وجهود رئيسها وخصوصا بعد صدور التقرير الإجرائي لميليس الذي تم عرضه أمام مجلس الأمن، واعتقال الأربعة الكبار من رجال الأمن اللبناني، دفعت جميعا إلى إحداث تبدل في الموقف السوري حيال مليس ولجنته، واتخذ كلام الرئيس الأسد إلى مجلة "دير شبيغل" الألمانية عن إمكان استجواب أي مواطن سوري مضمون عملي اثر توجيه سورية الدعوة للقاضي ميليس لزيارة دمشق، واستجواب من يريد في اطار مهمته، وهو ما سيفعله في العاشر من الشهر الجاري. والتحول السوري قد يعود في اساسه إلى ثلاث نقاط أساسية، أولها ادراك سورية ان مهمة اللجنة مهمة جدية، وان عدم التعاون معها سيقود سورية إلى التصادم مع الإرادة الدولية معبرا عنها في موقف مجلس الأمن الدولي، والثاني، ان مجريات التحقيق - إضافة إلى شخصية المحقق ومهنيته العالية - تؤكد الطابع الجنائي للتحقيق، وهو ما يتقاطع مع إعلانات برغبة سورية في معرفة الحقيقة عن اغتيال الحريري، والأمر الثالث، ان انكشاف جانب من النظام الأمني السوري وشخصياته، هو أقل ضررا من دخول سورية في مواجهة ذات طابع دولي خصوصا، وان تغييرا وزاريا سوريا مرتقبا، سينزع الصفة الرسمية عن وزير الداخلية اللواء غازي كنعان الذي قيل انه سيكون بين الذين يستجوبهم ميليس. وسورية في تعاونها مع اللجنة ورئيسها، ستؤكد تجاوبها مع رغبات المجتمع الدولي وقراراته، وهو سلوك طالما نددت سورية بـ "إسرائيل" لأنها لم تعمل به، وقد دأبت "إسرائيل" على تحدي رغبات المجتمع الدولي ورفض تنفيذ قراراته، كما ان سورية في تعاونها تسقط الذرائع التي يستخدمها خصومها من مستويات عدة ضدها في الموضوع اللبناني وفي اغتيال الحريري على وجه الخصوص، إذ ترددت اتهامات بضلوع سورية في اغتياله. ولاشك، أن التعاون السوري مع ميليس، وان كان يؤدي إلى انكشاف في بعض جوانب النظام الأمني السوري، فإنه سيؤكد في جانب منه، ان السلطات حريصة على إثبات ان نظامها الأمني متوافق مع سياساتها، وانها لن تقوم بالتغطية على أية ممارسات يقوم بها أعضاء وقياديون في النظام الأمني من خلال الحجب كما جرت العادة في السابق. ان أهمية التعاون السوري مع لجنة التحقيق الدولية ورئيسها القاضي دتليف ميليس، تتجاوز كل النقاط السابقة إلى نقطة أكثر أهمية، خلاصتها، ان اختيار سورية التعاون جعلها خارج الخيار الثاني وهو خيار دخول المواجهة الدولية، وهذا سلوك بغض النظر عن خلفياته، فإنه يؤكد إمكان التغيير السوري الذي وان بات ممكنا على صعيد السياسة الخارجية وفي واحد من موضوعاتها الساخنة، فإنه يمكن ان يتكرر في الموضوعات الأخرى، كما يمكن ان يحدث الأمر ذاته إذا توافرت الرغبة والإرادة السياسية السورية للمضي في هذا الطريق.

العدد 1098 - الأربعاء 07 سبتمبر 2005م الموافق 03 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً