العدد 1100 - الجمعة 09 سبتمبر 2005م الموافق 05 شعبان 1426هـ

قواعد "المعقول" و"المنقول" في الملف النووي الإيراني

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

لا أحد يعرف بالضبط ما حقيقة "الأفكار المبتكرة" التي قيل إن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أبلغ كوفي عنان أثناء محادثة هاتفية معه أنه سيعرضها عليه أثناء لقائهما في الأمم المتحدة. تماما كما أنه لا يعرف أحد بالضبط ماذا سيكون رد الفعل الذي سيصدر عن الأمين العام تجاه ما سيسمعه من أحمدي نجاد. لكن القدر المتيقن من القضية حتى الآن هو أن أحمدي نجاد وفريقه الجديد إذا لم يفعلوا أي شيء جديد من الآن حتى لقائهم الأمين العام، أو حتى إذا لم تحصل الزيارة فإن الإيرانيين استطاعوا عمليا أن يخلطوا أوراق اللعبة النووية بشأن بلادهم بنجاح. وربما كان هذا هو المقصود بـ "الأفكار المبتكرة" وليس أكثر! كيف؟ المعروف أنه وحتى ساعات قبل انتخابات الرئاسة الإيرانية كان العالم كله مشدودا إلى موعد نهاية شهر يونيو/ حزيران الماضي، إذ كان يفترض أن تقدم أوروبا - الترويكا الأوروبية طبعا - رزمة كاملة من المقترحات إلى طهران لترد عليها الأخيرة بالسلب أو الإيجاب، فإن كانت بالسلب فإن طهران ستكون في موقع "الاتهام" من جانب المجتمع الدولي وإن كانت سترد بالإيجاب فإن طهران ستكون في موقع "الاتهام" أيضا ولكن من جانب جمهور الرأي العام في الداخل. ولما كانت طهران تعرف قبل غيرها أنها ليست في مقام إلحاق "هزيمة" كاملة بالترويكا الأوروبية بضربة واحدة كأن ترفض رزمة المقترحات مرة واحدة، كما أنها ليست في المقام الذي تستطيع أن تستغني فيه عما تعتبره منجزا وطنيا يحظى بإجماع قومي - أي الدورة النووية الكاملة - فقد قررت أن أفضل السبل لتجاوز هذا المنعطف هو أن "تخربط" اللعبة بقواعدها التي اعتادت عليها الترويكا الأوروبية مع الفريق النووي الإيراني السابق، كيف؟ في وقت ما كان أحد المراجع الأصوليين المعروفين يقول أثناء وصفه لعبة الشد والجذب بين واشنطن والحركات الأصولية في المنطقة إن الأصوليين إذا كانوا غير قادرين على إلحاق ضربة قاضية بخصمهم، فإنهم قادرون على "خربطة" ديكور المشروع المضاد وتغيير قواعد اللعبة بانتظار حصول تحول في موازين القوى فيما بعد. قبل أيام سألت دبلوماسيا من دولة عظمى صديقة لإيران إن كان يعتقد أن الملف النووي الإيراني ذاهب إلى الاشتعال والحسم قريبا؟ فأجاب: لا أظن ذلك، باعتبار أن الأطراف كلا منها على انفراد أعجز من حسم هذا الملف لصالحه في المدى المنظور! مضيفا أن ملف إيران النووي قد يطول حضوره في المشهد الدولي بطول ما تبقى من عمري أو عمرك! وعليه يستنتج ذلك الدبلوماسي المخضرم أن الملف النووي الإيراني سيبقى حاضرا لأمد طويل على طاولة أكثر من رئيس أميركي وأكثر من رئيس أوروبي من دون حسم، والمبادرة ستظل بيد الإيرانيين ماداموا يتصرفون ضمن "قواعد المعقول"، وهذا هو بالضبط ما يفعله وسيظل يفعله الإيرانيون، وهذا هو بعض ما نظن أن الفريق النووي الإيراني الجديد سيقدمه من أفكار جديدة للطرف الدولي المعني الأكثر من غيره بقواعد المعقول: أولا: إن المسألة في الأساس تخص العلاقة القانونية والحقوقية بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل أي طرف دولي آخر قويا كان أو ضعيفا. ثانيا: إن المسألة في الأساس تقنية - قانونية - حقوقية قبل أن تكون سياسية. ثالثا: إذا كان لابد من "التسييس" كشرط من قبل الوسطاء الأقوياء، فلماذا لا يكون هذا الحلق للجانبين؟ ولماذا يكون محصورا بين الترويكا الأوروبية وحدها؟! رابعا: إذا كان لابد من اللعب بالسياسة، فلماذا الإصرار على اللعب بأوراق "مكشوفة". ذلك أن الشفافية إذا كانت مطلوبة فيما يخص الجوانب التقنية والحقوقية والقضائية للملف النووي فإنها ليست واجبا ملزما لأحد في عالم السياسة والدبلوماسية الذي يقوم أصلا على المناورة وتدوير الأوراق وخلطها باستمرار. طبعا مادامت المناورة ضمن "قواعد المعقول". خامسا: إن أهم ركيزة في قواعد المعقول فيما يخص الملف النووي هو ألا تكذب على المجتمع الدولي وألا تخرج عن سكة النشاط السلمي وأن تبقي أبواب الحوار مفتوحة مع الجميع وألا تحشر نفسك في خانة هذا البعد الدولي أو ذاك! ولما كان الأميركيون غارقين في المستنقع العراقي حتى آذانهم - ثم ها هو "كاترينا" يقاتل إلى جانب العراقيين ويفرمل تحفز المتطرفين الأميركيين ضد إيران - والأوروبيون أكثر قلقا اللا أي يوم مضى من خطورة نقل الملف الإيراني من حال من السلم والحوار إلى حال القطيعة والحصار والعنف، فإن الإيرانيين يجدون أنفسهم أقوى من أي وقت مضى لوضع الجميع أمام الأمر الواقع وذلك من خلال تغيير قواعد اللعبة سواء عبر توسيع دائرة اللاعبين أو تغيير "ديكور" المفاوضات أو إدخال حقائق جديدة فيها مثل حق إيران بممارسة نشاطات تعتبر ضمن "قواعد المعقول" كمنشأة اصفهان ومن ثم الذهاب إلى المفاوضات والحوار بهذه الخريطة الجديدة من اصطفاف القوى والعناصر والابعاد. عندها سيسأل كل عضو من أعضاء مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخمسة والثلاثين، بل وكل عضو من أعضاء مجلس الأمن الدولي ربما عن "المبرر" القانوني لنقل ملف إيران النووي من طاولة الحوار إلى طاولة المواجهة، والضريبة التي سيتحملها العالم جراء مثل هكذا قرار لاسيما بعد تجربة العراق المرة و"غزوة" كاترينا الطبيعية؟

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1100 - الجمعة 09 سبتمبر 2005م الموافق 05 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً