العدد 1103 - الإثنين 12 سبتمبر 2005م الموافق 08 شعبان 1426هـ

هاقد عدنا

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

هاقد عدنا الى المدارس. ومنذ ان غدوت أبا ولي ابناء يرتادون المدارس، ثمة امر مازال مستعصيا على فهمي: الاختناقات المرورية امام المدارس. أتساءل احيانا: هل صحيح اننا لا نستطيع تدبر امر اصطحاب ابنائنا الى المدارس من دون هذه التمارين اليومية في الازدحام وكسر القانون والاعصاب المنفلتة؟ لا يهم، ربما يتكفل الزمن بذلك. بالامس جاء ابني الاوسط وشكا لي ما يعرض عليهم من شطائر في مقصف المدرسة. اشتكى من طول الطابور وبعد المسافة. تذكرت الشطائر التي كنا نلتهمها في المدارس ومن الباعة المتجولين قرب المدارس. قطعة خبز محشوة بـ "السمبوسة" قطعة خبز تملأ بمزيج الفلفل والصلصة واحيانا شطيرة مع شرائح جبن معلب. وتذكرت الطوابير ايضا وتساءلت: لماذا لا يبنون صالات للأكل في المدارس تصطف فيها المناضد والمقاعد للطلاب لكي يأكلوا بهدوء من مطبخ في المدرسة؟. افقت من الحلم الذي قادني اليه التساؤل وتذكرت: الموازنة. فيما مضى كانت المدارس تقوم بشراء الأكل الذي يعرض على الطلاب في المقاصف، وكان المقاصف تعاونية يستفيد منها المدرسون والطلاب. الا تذكرون الارباح التي كانت توزع عليكم نهاية العام الدراسي؟ بالكاد تصل الى دينار واحد الآن تغير هذا وبات الامر رهنا بمتعهدين من خارج المدرسة. لكن الامر بقي على حاله: طوابير امام المقصف، شطائر صغيرة وعصائر ومشروبات غازية. الم يحن الوقت لتقليد جديد؟ تطوير مفهوم الاستراحة نفسها، تمديدها مثلا بحيث تصل الى نصف ساعة تتخللها وجبة في صالة طعام كبيرة في المدرسة؟ الأمر يبدو أكثر أولوية للصغار مثلا خصوصا إذا ما تعلق الامر بالتغذية السليمة. يبدو هذا تذكيرا بتلك الاساليب التربوية الذي ظهرت في النصف الاول من القرن العشرين، زجاجة حليب للاطفال في المدارس وتغذية مدروسة تعتمد على الالياف. تلح الاجسام النحيلة للبحرينيين على المخيلة بمثل هذه التصورات، لكن زجاجة الحليب تلك اصبحت من الماضي مع اقدام السيدة مارغريت تاتشر على الغائها عندما كانت وزيرة للصحة في حكومة ادوارد هيث في اواخر السبعينات. هذه الاستعادة كافية، فذلك القرار كان التمرين الاول لما ستضيفه السيدة تاتشر الى رصيدها الشخصي فيما بعد لعقود قادمة حتى اليوم: "الخصخصة". هل ثمة حكومة في العالم اليوم لم تقع تحت استحواذ الخصخصة؟. لكن على الحكومة ان تعود مواطنيها الصغار على الاسترخاء قليلا، فاستراحة النصف ساعة هذه التي تداعب خيالي حتى الآن تبدو ضرورية في مدارس تفتفد للاسترخاء. الفارق واضح بين ازدراد شطيرة صغيرة في دقائق معدودة وبين الجلوس على مائدة بصحبة الاخرين وتبادل الاحاديث اثناء الوجبة. لمسة من جو اجتماعي؟ لنقل ذلك، وهي لمسة تبدو ضرورية لتخفيف هذا الطابع المتشنج في علاقة يومية بين الطلاب والمدرسين، وفي معنى آخر لكي تصبح المدرسة مكانا محببا للطلاب. قبل ايام، كنت في احدى المدارس الثانوية واضطررت للذهاب الى دورة المياه. اغتسلت وبحثت عن شيء اجفف به الماء عن يدي. لا شيء هناك بل لم يكن هناك حتى صابون وكانت رائحة المكان أشبه بمرحاض عام في سوق. لماذا تخلو دورات مياه يستخدمها مئات الطلاب من ورق التواليت؟ لماذا لا تبدو نظيفة؟ جواب محتمل: الموازنة. اذا ما تعلق الامر باولويات الموازنة، ليس هناك أي وجه للمفاضلة بين الصرف على متطلبات التعليم والمختبرات والقرطاسية مثلا وبين متطلبات دورات المياه. سأجادل قليلا بانه لا علاقة للخصخصة هنا بالصابون وورق التواليت أو آلات التجفيف بالهواء الساخن. الامر بالنسبة لي يتعلق بقليل من الخيال وحسن التدبير. وطالما ان المعلمين سيبقون معلمين لا مخططين اقتصاديين، فمن الممكن ان يطلب من التلاميذ ان يحضروا مستلزمات النظافة من منازلهم مؤقتا "أقله تأكيدا لمبدأ التعاون بين البيت والمدرسة" حتى يتحرك خيال مؤيدي الخصخصة وضغط الموازنات قليلا ويجترح لنا حلا. وفي الاثناء يمكن التفكير بدعم الطلاب من ذوي الدخل المحدود ايضا الذين لا يستطيعون توفير ثمن علبة المحارم ببرنامج ترفيهي يخصص دخله لهم تسبقه حملة اعلامية وصور في الصحف لحث المتبرعين على التبرع. لا تضحكوا، فذات يوم كان هناك 800 طفل من منطقة واحدة فقط لم تتمكن عائلاتهم من تدبير وجبة إفطار بسيطة لهم لا تزيد قيمتها عن مئتي فلس.

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 1103 - الإثنين 12 سبتمبر 2005م الموافق 08 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً